وافق الانفصاليون الأرمن في ناغورني قره باغ بعد ثلاثة عقود من النضال على نزع أسلحتهم وحل حكومتهم وإعادة الاندماج مع أذربيجان، بعدما استعادت باكو السيطرة على الاقليم أواخر أيلول/سبتمبر. انهيار هذا الإقليم الانفصالي قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى في المنطقة وترك يريفان في مواجهة مخاوف جيوسياسية عدة. "اتفاقات" روسية "مزدوجة" فر تقريباً جميع سكان قره باغ المقدر عددهم بحوالى 120 ألف شخص، فيما اتهمت يريفان اذربيجان بالقيام بحملة "تطهير عرقي" لهذه المنطقة. لكن باكو نفت ذلك ودعت علناً السكان الأرمن في قره باغ الى البقاء و"إعادة الاندماج" في أذربيجان. شددت روسيا، الحليفة القديمة لأرمينيا، على أن الفارين ليس لديهم ما يخشونه، وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن "من الصعب تحديد الجهة المسؤولة (عن النزوح) لا سبب مباشراً لمثل هذه الأفعال". من جانبه، انتقد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان قوة حفظ السلام الروسية في ناغورني قره باغ بسبب عدم تدخلها خلال هجوم باكو الخاطف، وهو ما نفته موسكو. نشر حوالى ألفي جندي حفظ سلام في هذه المنطقة الجبلية في 2020 كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمت رعايته بين اذربيجانوارمينيا والذي أنهى ستة أسابيع من القتال. لكن رد روسيا على إعلان الأسبوع الماضي بأن "الجمهورية الانفصالية" الأرمنية في قره باغ ستزول من الوجود بحلول نهاية العام، كان فاترا. وقال بيسكوف، "لقد لاحظنا ذلك ونراقب الوضع من كثب. وتواصل قوة حفظ السلام التابعة لنا مساعدة الناس". وقال محللون إن روسيا اختارت الوقوف في صف القوة المتنامية لأذربيجان الغنية بالنفط على حساب أرمينيا، حليفتها التاريخية ذات الكثافة السكانية المنخفضة والمعزولة دبلوماسيا. كما حذرت موسكو الأسبوع الماضي من أن قرار أرمينيا الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس فلاديمير بوتين، سيكون "عدائياً جداً". لكن لا يزال من الممكن أن تحتفظ روسيا بنفوذ في المنطقة كما يرى خبراء. وقال توماس دي فال من كارنيغي-اوروبا إن "الاتفاق الإطار الوحيد الذي لا يزال قائماً، رغم ان كل بنوده نسفت، هو الاتفاق الثلاثي لوقف اطلاق النار الذي تولت روسيا رعايته في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2020". وأضاف "أحد بنوده هو أن يقوم حرس الحدود من جهاز الأمن الفدرالي الروسي بحماية ممر النقل عبر أرمينيا إلى ناختشيفان - وهو احتمال سيء نظرا للحرب الروسية في أوكرانيا". تحالف تركيا-أذربيجان منطقة ناختشيفان الأذربيجانية، وهي جمهورية غير ساحلية تتمتع بالحكم الذاتي، هي بقايا معقدة من الحقبة السوفياتية، ولا تشترك في حدود مع أذربيجان ولكنها مرتبطة بباكو منذ عشرينات القرن الماضي. وتقع بين أرمينياوتركياوإيران. ويعتقد بعض الخبراء أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف قد يسعى الآن لشن عمليات في جنوبأرمينيا لإنشاء ممر مع ناختشيفان. وقالت تركياوأذربيجان الحليفتان في حزيران/يونيو إنهما تريدان تكثيف الجهود لفتح ممر بري يربط تركيا بالأراضي الرئيسية لأذربيجان عبر ناختشيفان وأرمينيا، وهو مشروع طويل الأمد ومعقد. بعد أيام على هجوم اذربيجان الخاطف على ناغورني قره باغ في 19 و 20 أيلول/سبتمبر، التقى علييف نظيره التركي رجب طيب إردوغان في الجيب. وأشار علييف في الآونة الأخيرة الى جنوبارمينيا باسم "أذربيجان الغربية"، وقال في كانون الأول/ديسمبر إن الأذربيجانيين "يجب أن يكونوا قادرين على العودة إلى أراضيهم الأصلية". ومضى أبعد من ذلك في شباط/فبراير 2018، عندما قال في مؤتمر صحافي إن "يريفان أرضنا التاريخية... نحن الأذربيجانيين يجب أن نعود إلى أراضينا التاريخية". ويقوم التحالف بين تركياوأذربيجان، وهما دولتان مسلمتان بمعظمهما، على أساس انعدام الثقة المتبادل مع ارمينيا. * عامل ايران بين اللاعبين الجيوسياسيين الرئيسيين الآخرين في المنطقة إيران، التي لها مصالح تجارية في مستقبل أرمينيا. وقالت البروفسورة تالين تير ميناسيان من المعهد الوطني الفرنسي للغات والحضارات الشرقية، إن إيران تعتبر أرمينيا بوابتها التجارية إلى القوقاز، وبالتالي "لا تريد أن ترى تحركاً حدودياً" لصالح أذربيجان. والأسباب هي أيضا جيواستراتيجية، إذ تتقارب أذربيجان منذ سنوات من إسرائيل. وكانت إسرائيل مصدر نحو 70 % من مبيعات الأسلحة الى اذربيجان بين عامي 2016 و2020، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. ويقول المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات إن إسرائيل قامت ببناء "محطات استخبارات إلكترونية عدة" في أذربيجان. تركيا، الحليف الرئيسي لأذربيجان، هي أيضا عضو في حلف شمال الأطلسي وهو التحالف العسكري الذي تقوده الولاياتالمتحدة والذي تختلف معه إيران أيضا. وقال جان-لوي برولانج رئيس لجنة الشؤون الخارجية الفرنسية، إنه في غياب التزام غربي مقنع تجاه أرمينيا، فإن "الحماية الوحيدة لأرمينيا حتى الآن كانت إيران". لكنه أوضح أنه "ضمان هش جداً ومثير للقلق".