عند دخولي إحدى المكتبات العامة أو الخاصة أو تصفحي للمكتبات الإلكترونية ذهلت من الكم الهائل من الموروث الثقافي من الكتب والموسوعات العربية والإسلامية التي سطرها العلماء في القرون الأولى، وكان لهم السبق في شتى المجالات متفوقين على كل الأمم، فالعلماء المسلمين كان لهم الفضل في وضع لبنات وأساسيات أكثر العلوم، وحتى العلوم الدينية، أبدعوا وسطروا كتبا كان لها الأثر البالغ في الحفاظ على ديننا ونشره للعالم. قلت يجب أن أبحث عن السبب الذي جعلنا في السابق متقدمين عمن حولنا فكانت المبادئ التي نشأ عليها ذاك المجتمع هي السبب، نشأة دينية صحيحة وأخلاقية أصيلة تحافظ فيها على كرامتك، وثالثًا نشر أهمية العلم وطلبه، وحث الناس لتحصيله وإكرام العلماء وجعلهم متقدمين على الناس في الصفوف الأولى، لهم مكانتهم وثقلهم في المجتمع، فنشأ مجتمع حتى عامته راق وواع ذو أخلاق نبيلة مبتعدًا عن سفاسف الأمور والتوافه من الأفعال وحتى الأشخاص فكانت المحصلة تاريخ عريق نبكي عليه. وعندما أسقطت بحثي على زمننا الحالي باحثًا عن المبادئ وجدت أنها انقرضت وتبخرت وأخذت مكانها أمور كثيرة ومنها المصلحة. أصبح المجتمع يبحث عن مصلحته المادية فقط دون أي شيء آخر بأي وسيلة كانت، حتى لو كانت ضد المبادئ والأخلاق المهم أن يحصل على مبتغاه. فتخيلت حوارًا بين أب وابنه، شاهد الأب ابنه المتخرج من إحدى الجامعات بتخصص مرموق الذي تعب وبذل الغالي والنفيس من ماله ووقته ليصبح شخصًا له قيمة في المجتمع ممسكًا هاتفه المحمول ويلتقط الصور لنفسه بوضعيات غريبة ويتحدث ويكتب فقال له: ماذا تفعل؟ فأجاب إني اعمل واكسب رزقي أنا في بث مباشر مع متابعين، فقال: إني أراك تقلل من قيمتك بأفعال لا تليق بك ولا بمكانتك، فرد بضحكة ساخرة مكانتي برصيدي المالي وليس بعلمي وأخلاقياتي. هذه هي المحصلة التي وصل لها بعضنا، فاقدًا للمبادئ الأساسية باحثًا فقط عن الشهرة والمال، فقط نطارد التطبيقات والشخصيات التافهة، نحاول أن نقلدهم. أصبحت مكتباتنا فارغة لم نعد نكتب أو نقرأ، أصبح همنا أن نلتقط الهاتف ونصور وقت استيقاظنا ودخولنا الحمام وتناولنا الطعام. وصل الناس لمرحلة بذل المال والتعب والجهد فقط ليلتقط صورة ليحصل على الثناء والمديح، أصبح كل الهم كلمة ترضي غرورنا ونعتقد أننا مهمين، واعترف أن الخطأ كلنا لنا يد فيه، كلنا مشاركين في هذا الانحدار الذي وصلنا له بداية من الأسرة من الأب والأم وصولًا للبيئة المحيطة. حوار بين المبادئ والمصالح انتصرت فيه المصالح في زمننا الحالي.