تعد مهنة "الصيدلة" حجر الزاوية في منظومة الرعاية الصحية، فهي لا تقتصر على صرف الأدوية فحسب، بل تمتد لتشمل الإرشاد الصحي، والتثقيف الدوائي، والمشاركة الفاعلة في مجال البحث والتصنيع الدوائي، والمساهمة في تحقيق جودة الحياة للمجتمع. لسنوات عديدة، كانت هذه المهنة الحيوية في البلاد تعتمد بشكل كبير على الكفاءات الأجنبية، وهو ما شكّل تحديًا كبيرًا أمام آلاف الخريجين والخريجات السعوديين الطموحين، وحدّ من فرصهم في الحصول على وظائف تليق بمؤهلاتهم العلمية. من هذا التحدي، انطلقت رحلة التحول الكبرى. فمع إطلاق رؤية المملكة 2030، التي وضعت تمكين رأس المال البشري الوطني في صلب أولوياتها، برزت الحاجة المُلحة لضخ دماء سعودية جديدة في شرايين القطاعات الاقتصادية كافة، وعلى رأسها القطاع الصحي. لقد كانت "وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية" في طليعة الجهات التي تبنّت هذا الملف الحيوي، محوّلة إياه من مجرد هدف إلى واقع ملموس. لم تكن جهود الوزارة مجرد قرارات إدارية، بل كانت خارطة طريق متكاملة، بدأت بدراسة معمقة لسوق العمل، ووضعت أهدافًا طموحة للتوطين بنسب محددة. وقد أسفرت هذه الجهود عن تحقيق نسب توطين مميزة، حيث نصت القرارات على توطين ما يصل إلى 35 % من أنشطة الصيدليات المجتمعية والمجمعات الطبية، ورفع النسبة إلى 65 % في أنشطة الصيدلة داخل المستشفيات، ونحو 55 % في الأنشطة الصيدلانية الأخرى. وقد ترجمت هذه الأرقام إلى واقع ملموس، حيث تضاعف عدد الصيادلة السعوديين اليوم من 6000 إلى 12,000 صيدلي، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 100 %، وهذا العدد مرشح للارتفاع مع الاستمرار في تطبيق مراحل التوطين. هذه الأرقام لم تكن مجرد أهداف، بل تم تنفيذها على أرض الواقع، ما يؤكد جدية الرؤية وحرفية التنفيذ. وبفضل هذه الرؤية الثاقبة والجهود الحثيثة، لم يقتصر النجاح على توفير آلاف الوظائف للخريجين السعوديين فحسب، بل امتد ليشمل تعزيز جودة الخدمات المقدمة، فالصيدلي السعودي، الذي يفهم ثقافة المجتمع ويتحدث لغته، بات نقطة تواصل فعّالة بين المريض والطبيب، ما عزز الثقة في المنظومة الصحية ككل. لم يكن هذا الإنجاز ليكون ممكنًا لولا التخطيط المسبق من قبل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي لم تركز على أرقام التوظيف فقط، بل أولت اهتمامًا كبيرًا بالتدريب والتطوير المهني. اليوم، يواصل الصيادلة السعوديون مسيرتهم المهنية في مختلف القطاعات، سواء في المستشفيات الحكومية والخاصة، أو في شركات الأدوية المحلية والعالمية، أو حتى في القطاع الأكاديمي، ليساهموا في بناء مستقبل صحي أكثر أمانًا واستدامة. في تقديري.. قصة توطين مهنة الصيدلة هي قصة نجاح باهرة، تروي كيف تحول التحدي إلى فرصة عظيمة، وكيف أثمرت الإرادة الوطنية والعمل الدؤوب عن إنجاز يُحتذى به، لذا أضحى هذا النجاح رقماً يُضاف إلى سجل الإنجازات، وتأكيداً على أن المملكة ماضية بخُطا ثابتة نحو تحقيق أهداف رؤيتها الطموحة، بقيادة حكيمة وعمل مؤسسي متكامل.