إن احتدام الصراع داخل الذات، واللهاث وراء بريق الحياة على تعدده وتنوعه جعل من الشخصية الإنسانية معادية للذات قبل الآخر، فتراها تعج بحالات التملق وصنوف من المداهنة لنيل المبتغى تحت وطأة عالم من التملق، فإذا كان هذا اللص، (التملق) يتوارى خلف الابتسامة الصفراء ويحتجب خلف ظلام سوء النوايا الآثمة، ليبدي ما ليس في القلب، ويتصنع على غير قناعة بأقواله وأفعاله، ففي عالمنا اليوم وداخل المجتمعات تعيش شخصيات تتلون كالحرباء تبعا للمصالح، ففي الطقس الذي تراه ملائما تتحول وبسرعة متناهية لتواكب الأجواء الجديدة، حتى ولو كان ذلك اللون أصفر فاقع الصفرة وبلون أوراق الشتاء التي تساقطت من الأشجار بعد شتاء قارس، وهبوب ريحٍ صرصر عاتية، وبرغم أنه لون شاحب ذابل الشكل وضامر الخلقة، إلا أن تلك الشخصيات تتقمصه، ولا تتورع لتعيش الدور بملامح الشتاء ولون أغصانه الشاحبة، لإرضاء الآخرين بصور ثعلبانية ماكرة من خلال تملق لا يليق بمجاملات ساقطة لا تتواكب مع قيم الحياة والعيش بمصداقية مع الذات والآخر. هذا التلون تبعا لإرضاء الغير دون توجه صادق في منهجية الحياة وتتبع جاد في جادة الطريق الصحيح في مسارات الحياة المختلفة، هو في واقعة يهشم مبادئ الحياة والمعايير الأخلاقية التي يجب أن تسير عليها كل المجتمعات والشخصية المستقلة، وبرغم خروج هذه الشخصيات عن المسار الاجتماعي الصحيح، وليس لديهم قناعة في داخل أنفسهم بهذا التوجه، ويلفحهم سوط الضمير صباح مساء، فتجده لا يخرج من سواد ليله إلا إلى ضوء النهار الكاشف، ليلتحف رداء آخر مناسبا لمقاييس حالات التملق لليوم الجديد، وهكذا دواليك مستخف بالليل وسارب بالنهار. في المقابل ترى الاتباع ممن يسايرون ذلك التوجه ليس لهم قناعة فيه، ولا بتلك الشخصيات المتلونة، ولا الممارسات والأساليب الممقوتة التي يمارسونها، ويدركون واقعهم تماما، فقط هي محاولة قفز متعثر وكبوة تتكرر في الواقع اليومي لمجاملات بائنة تتخطى على المعايير والقيم الأخلاقية. إنني أعتقد جازما أن توازن الشخصية نابعا من الذات، والأصل في وضع الشخصية أن تكون سوية على مبدأ: (فألهمها فجورها وتقواها)؛ فالإلهام هنا للبعدين والعقل هو من يميز؛ لأن اعتلال الشخصية مبني على تواردات ذهنية خاطئة وغير صحيحة (وسوسة)، والاستمرار عند حالات التملق، هو الآخر يدخل النفس في سياقات أخرى ومواضيع ملتهبة، وبالتالي الدخول في صراع مستمر مع الذات. وعلى الصعيد الشخصي أدرك أن مثل المواضيع شائكة ويحتاج إلى مختص في علم النفس والاجتماع، أو مطلع بالمنهج، مع يقيني أن الكتابة لم ولن تصل إلى مستوى واقعهم ولا إلى مدى تتبع خطاهم في تملقهم الأعمى ولكن لعلها محاولة جادة تصف المشاهدات والواقع والإحداث في عالم يمتلئ بالتملق، لأن التعامل مع الآخرين قد منحنا جانباً من المعرفة وكسب الخبرة، فالمعايشة داخل المجتمعات مدعاة لإثراء هذا الجانب، لا سيما من يتأمل بعين الفطنة ووعي العقل، الأمر الذي نحاول معه جادين إيصال رسالة فكرية ومعرفية يحتّمها الضمير وتمليها المسؤولية الاجتماعية، وهذا ما أود الإشارة إليه والحديث عنه في هذه العجالة، مع أنني لست متخصصا في علم النفس ولا دراسة الشخصيات، ولكن واقع الحياة وحضورنا ضمن المشهد في عصر الوسائط الرقمية عزز بكثافة هذا المفهوم لمعرفة حالات التلون والأساليب الملتوية التي قد تخلق حواجز اجتماعية وتسد سبيل التعايش الخلاق، وتمنع التفاهم الإنساني النبيل.. وإلى لقاء.