عُرف الحرير منذ القدم بأنه لباس الملوك وسادة القوم لغلاء ثمنه وراحته وزهائه، ولو تعمقنا في خيط الحرير لعرفنا أنه عبارة عن مجموعتين من شعيرات متصلة من الألياف التي تتكون من مادة الفبرويين البروتينية، يتم إفرازها من اثنتين من الغدد اللعابية الموجودة في رأس اليرقة لدودة القز، وصمغ يسمى صمغ السيريسين أو صمغ الحرير، والذي يلصق الخيطين معًا بقوة، ليغزل به لباسا وصف بأنه لباس أهل الجنة لأنه يمثل النعيم والرفاهية والعيش الرغيد. ومن هنا نستنبط أنه من شعيرات متناهية في الصغر والدقة متلاصقة أنتجت لنا لباس الملوك والسادات نجد كذلك العلاقات التي تشبه في تلاصقها تكوين خيوط الحرير ورقتها المتناهية التي قد يوثر عليها خدش صغير قد يتسع إلى شق لا يمكن رقعه، وإن فعلنا فلا يمكن أن يكون كالنسيج الأصلي في تناغمه واتجاه خيوطة فتظل تلك الرقعة مثل الأثر الجراحي الذي لا يمكن للدهر محوه وإزالته. فهناك البعض من يجيد حياكة المشاعر وصنع العلاقات وتملق الآخرين ليكّون بذلك دائرة محيطة به واسعة المدى كبيرة في قطرها وقد بُنيت على المصالح والمجاملات والتملق لكنها أوهن من أن تكون نسيجا حقيقيا بني على حق وصنع بحب فيتمزق عند أول خدش وينقض ما حاكه عند انتهاء رصيد المصالح الموقوتة والمحبة المصطنعة. فمما لا يمكن إنكاره أن علاقاتنا خارج إطار الأسرة يستوجب فيها الكثير من المجاملات والمحسوبيات التي تفرضها ظروف الحياة والمعاملات بين مختلف الطبقات البشرية في المجتمع، ولكن هناك من يقود تلك العلاقات وإدارتها إلى منحى آخر خارجا عن الإطار الصحيح ومخالفا خط السير المتعارف عليه وبطريقة خاطئة وتكون بصريح العبارة علاقات مغلفة بالنفاق الاجتماعي ونوع مليء بالتملق الكاذب والادعاءات الزائفة التي قد تنطلي على البعض بينما يفهمها البعض الآخر الذي يعي هذا النوع من الزيف فيستنقصون من مطلقها وقد يتجاوزون عنها بغاية استدامه العلاقات إما لبقاء المصلحة أو لوجود العلاقة الضرورية التي تربطهم ببعض المزيفين أو أصحاب النفاق الاجتماعي. وقد يزداد هذا النوع من التملق في العلاقات في مجالات عدة من أهمها التملق الوظيفي وهو أشدها خطورة على المجتمع ويعتبر مثل المرض الذي ينهش في لحمة المجتمع والذي يمارسه غالبا المتسلقون على اكتاف الآخرين فيكونوا مثالا حيا للوصوليين أصحاب الوجوه المستعارة. ومن هنا نفرق في مجمل العلاقات والترابط الاجتماعي بين التصرفات والأخلاقيات المبذولة فهناك شعرة فاصلة بين التملق والمجاملة والاحترام في علاقاتنا حتى لا يتم الخلط في المفاهيم الصحيحة فينتج نسيج مجتمعي وهن ضعيف تمزقه آفات اقتاتت على العيش بنسف العلاقات الصحيحة. وعلى الطرف النقيض هناك من غزل علاقاته تحت ضوء خافت وبقلب صادق مليء بالحب والغفران وتجاوز الزلات والشعور النبيل الخالص وهو بكل صدق وإخلاص يحافظ على علاقات سامية أزماناً متتالية، يبني بذلك أطناناً من خيوط الحرير.