عقدت في موسكو جلسة الحوار الاستراتيجي السادسة على المستوى الوزاري، بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا الاتحادية لتعزيز التعاون الثنائي في القضايا الدولية والإقليمية، بحسب الأمين العام للمجلس السيد جاسم محمد البديوي، في وقت يتزايد فيه الحديث عن حرب "الفناء النووي" بسبب الانعطافات الخطيرة في الحرب الدائرة في أوكرانيا، وانعدام فرص التوصل لحل سلمي لها، وخاصة بعد قرار الإدارة الأمريكية تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، ما أدى إلى خلافات مع حلفائها وخاصة ألمانيا وبريطانيا. ويأتي هذا الاجتماع ضمن سياسة عدم الانحياز، والنأي بالنفس في هذا الصراع، ورفضًا لسياسة "إما معنا أو علينا" وتشديد العقوبات والحصار على روسيا، التي تحاول دول حلف النيتو، بقيادة الولاياتالمتحدة، فرضها على دول العالم. وهو ضمن سلسلة اللقاءات التي أعقبت توقيع مذكرة التفاهم للحوار بين الجانبين في أواخر عام 2011. وقبل يوم من الاجتماع الخليجي-الروسي، تلقّى وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، رسالة خطية من نظيره الروسي لم يفصح الكثير عن مضمونها، لكن البيان الرسمي قال إنها تتعلق بالعلاقات بين البلدين. ويؤكد هذا الاجتماع بعض التباعد في المواقف، بين الولاياتالمتحدة ودول المجموعة الخليجية، حول قضايا الطاقة والقضايا السياسية، ومنها الحرب في أوكرانيا والقضية الفلسطينية والأزمة السورية. ومن هذا المنظور المستقل والرافض للضغوط، أبدت الدول الخليجية استعدادها للتوسط في حل الحرب في أوكرانيا، وقدّمت المملكة مساعدة إنسانية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، كما ساهمت في إتمام صفقة لتبادل سجناء الحرب بين روسياوأوكرانيا. وفي هذا السياق، اجتمع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة سمو الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس الروسي فلايديمير بوتين في مدينة سان بيترسبيرغ، في زيارة نادرة من نوعها، وأعقب ذلك زيارة أخرى لرئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في وقت يبدو فيه قطار الزيارات العربية لواشنطن قد توقف. وما يجمع الطرفين الخليجي والروسي هو اتفاقهما على العمل معًا، من خلال منظمة "أوبك بْلّس" لاستقرار سوق النفط ومنع تذبذب الأسعار. هذا الأمر كانت تعارضه الإدارة الأمريكية بشدة، لكنها سعت بعد ذلك إلى التهدئة ومزيد من الحوار، فأرسلت عددا من مسؤوليها ومنهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، لتهدئة الأجواء والتأكيد على علاقات الصداقة بين البلدين التي استمرت لسبعة عقود. وقد فاجأت قيادة المملكة الإدارة الأمريكية والعالم بإعادة العلاقات مع إيران، وفك الاشتباك في اليمن برعاية صينية، كما وافقت على الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، في الوقت الذي يشهد نموًا في العلاقات الاقتصادية بين المملكة والصين. ولم تتوقف المملكة عند هذا الحد بل قادت تحالف "أوبك بْلَس" مرة أخرى في يوليو الماضي لخفض الإنتاج، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، في رسالة أخرى للعالم بأن السعودية لاعب أساسي على الساحة الإقليمية والدولية، لا يمكن لأحد تخطيها. وما يغضب بعض الأوساط الغربية، هو أن القيادة السعودية، وسمو ولي العهد تحديداً، يرتبط بعلاقات صداقة واحترام متبادلين مع فخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وسموه لا يبني علاقات المملكة بناء على ردات الفعل، وإنما ضمن منظور استراتيجي على هدي رؤية الوطن 2030. في هذه الأجواء، يبدو أن الإدارة الأمريكية تبحر بعيدًا عن شواطىء الصداقة مع العالم العربي، بعد اصطدامها بالصخرة السعودية الصلبة، فقد اعترف الرئيس بايدن بفشله في إقناع القيادة السعودية للتطبيع مع إسرائيل، عندما قال في مقابلته الأخيرة مع محطة سي. إن.إن. " ما يزال أمامنا طريق طويل. هناك أشاء كثيرة لنتحدث عنها". إن ما لا يفهمه هذا الرئيس، الذي من المحتمل ان تنتهي حياته السياسية قريبًا، هو أن المملكة قادرة على الدفاع عن نفسها وقرارها المستقل، والولاياتالمتحدة ليست الحامي الوحيد لسلام العالم، وأصدقاء المملكة أكثر من أن يُحصروا، والخبرة النووية، ليست حكرًا على الأمريكيين، وسوف تحصل المملكة عليها، إن لم تكن قد حصلت عليها فعلاً!