من أغرب عادات الختان في جنوب جزيرة العرب ما ذكره الإنجليزي ثيسيغر أو مبارك بن لندن أواخر الأربعينات الميلادية الماضية أن بعض القبائل تؤخر ختان الصبيان إلى ما بعد البلوغ حيث يجري ختانه ليلة زفافه سلخا بالخناجر الحادة على مرأى من عروسته وسط حشد من المحتفلين والتي تعطى الخيار في إتمام الزواج من عدمه بعد اختبار قوته ورباطة جأشه وسبق أن خصصنا لذلك حلقة كاملة وتذكر بعض المصادر التاريخية أن تأخير سن الختان يسود لدى القبائل المحاربة حيث تقضي العادات أن الصبي غير المختن لا يقتل في المعارك حكمه حكم المرأة ويميزون هؤلاء بإسدال شعورهم وربطها خلف الرأس. الختان يجرى وسط حشد من المحتفلين بحضور الأخت أو ابنة العم الرحالة الإنجليزي والوزير العماني توماس رصد نفس العادات مع بعض الاختلافات عند سكان الجبال الشرقية بمحاذات الخليج العربي ضمن كتابه رحلات ومغامرات عبر صحراء الربع الخالي وأخبره البدو أن الختان لهذه القبائل طقس يتسم بأهمية بالغة وهو يختلف في بقية أنحاء جزيرة العرب ناهيك عن احتمال كونه من أصل مغاير مستقل. فالذكر يختن عند بلوغه عتبة المراهقة والبنت يوم ولادتها وهو كما يقول على نقيض نظام الختان المطبق في معظم جزيرة العرب لا سيما في بعض المدن حيث يقضي العرف بختان الطفل في سن السادسة تقريباً بإزالة غمد القلفة كاملاً والأنثى عند اقترابها من سن العاشرة وتشبه عملية الختان الذكوري هذه مثيلتها عند المصريين القدماء حيث تظهر المومياءات المكتشفة أن هذه العادة كانت تمارس حتى في تلك الأيام. وتترافق مناسبات الختان الذكوري حسب توماس في هذه الجبال بطقوس احتفالية واسعة النطاق إذ تخضع مجموعات من الشباب في نفس اليوم لاختبارات قاسية أمام الملأ لإثبات شجاعتهم وجلدهم عند ما تحتشد أعداد كبيرة من الرجال والنساء حول فسحة رحبة مكشوفة ثم يجلس الصبي في سن يقارب الخامسة عشرة فوق صخرة تتوسط المكان وهو يحمل سيفاً جرى تثليمه عن عمد مخصص لمثل هذه المناسبة ثم يلقي بالسيف في الهواء ليعود ويلتقطه مرة أخرى قابضاً بباطن كفه على النصل العاري ويجلس المُطهر العجوز قبالة الفتى وتقف خلفه فتاة عذراء من دون خمار عادة ما تكون ابنة عم أو أخت الفتى والسيف بيدها أيضاً وهي تقوم بإعلاء السيف وخفضه بشكل عمودي. وعند المستوى السفلي للحركة تقوم بضرب حد السيف براحة يدها بطريقة مرتعشة. ويمضي توماس إلى وصف مشهد حي في قوله: لقد بات مسرح العرض جاهزاً. الآن يجلس الفتى ويده اليسرى ممدودة وراحتها مبسوطة نحو الأعلى بصورة متضرعة بانتظار عملية الختان الفعلية. وبعد إنجاز العملية عليه أن ينهض على الفور والدم ينزف منه ثم يركض حول الحشد ملوحاً بسيفه إلى الأعلى والأسفل وكأنه متغافل عن الألم، وعلى ضوء ذلك يجري تقييم رجولته من خلال أدائه. يترافق العرض بالأهازيج والحماسة وقرع الطبول وإطلاق العيارات النارية. وتفتح النساء عباءاتهن الفوقية كإشارة إلى تعرية صدورهن. بينما لا ترافق عملية ختان الطفلة الرضيعة أية مظاهر للبهجة والفرح حيث تجرى بسرية كاملة. ويختم توماس أن العادات والطقوس المتعلقة بالشعر مرتبطة بحياتهم الزوجية فالسمة المميزة هي تلك الخصلة التي تتوسط رؤوس الفتيان والمرتبطة ربما بخصلة الفرعون حورس والتي تؤدي الدور الذي تؤديه خوذة رجل الشرطة العصري أو تذكر بإحدى الطوائف الهندوسية القديمة. ولا يجري قص هذه الخصلة إلا وقت الختان حيث يترك الشعر بعدها ينمو على سجيته. تصوير مبارك بن لندن عام 1945م الإنجليزي ثيسيغر بالزي العربي