شهدت المملكة العربية السعودية منذ البيعة المباركة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في عام 2015م، نهضة تنموية شاملة ومسيرة تحديثية تواكب روح العصر، وتراعي متطلبات المستقبل في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ضوء رؤية المملكة 2030، تلك الرؤية الطموحة الواقعية التي بُنيت على مكامن قوة هذا الوطن وقدراته الفريدة، لتحقق إنجازات غير مسبوقة، وذلك خلال مدد زمنية قياسية. وتعتبر الإدارة كلمة السر في هذه الإنجازات، إذ شكّل تحديث الفكر الإداري واستحداث هياكل مؤسسية جديدة، والتحول الرقمي، بجانب التوسع في نمط «إدارة البرامج» كمعالم رئيسة للإدارة السعودية في العهد الميمون للملك سلمان –أيده الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، وقادت تلك الخطوات مجتمعة المملكة نحو نقلة نوعية في فلسفة الإدارة، وإعداد الكوادر التنفيذية القادرة على الارتقاء إلى مستوى المستهدفات والتغلب على التحديات مهما عظمت، وتحويل دولاب العمل الحكومي من البيروقراطية إلى التخطيط العملي عبر المؤسسات وفق خطط ومشروعات مدروسة. ولم تكن تلك النقلة الكبرى على المستوى الإداري لتتحقق دون رعاية وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- صاحب الحنكة القيادية، والقدرات الإدارية الفطرية الفذة، والحكمة والفكر النير، والرأي السديد، والقدرة على الربط بين المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية، وكذلك بين الفرص والتحديات في علاقات تكاملية هادفة ضمن تخطيط استراتيجي فاعل، وتفكير إبداعي مميز. إعداد الكوادر القادرة على الارتقاء إلى مستهدفات رؤية 2030 نهج قيادي لقد أضفى الملك سلمان -أيده الله-، نهجه القيادي الرائد والإداري المنضبط على دفة الإدارة الحكومية، وقاد مسيرة تحديث، وإعادة هيكلة للأجهزة الحكومية لتتوافق مع الأهداف التنموية العملاقة، انطلاقًا من حقيقة مفادها أن النمط التقليدي للإدارة الحكومية لم يعد قادرًا على الإيفاء بالاحتياجات وتلبية الطموحات، فقام فور توليه مقاليد الحكم بالعمل على ترتيب وترشيد وتطوير الهيكل الإداري للدولة، إما عن طريق الإلغاء أو الدمج أو الاستحداث أو التخصيص، فعلى سبيل المثال تم إلغاء العديد من الأجهزة واللجان الإدارية مثل مجلس الخدمة المدنية، ومجلس الأمن الوطني، ومجلس الدعوة الإسلامية، والمجلس الأعلى للبترول، والمجلس الاقتصادي الأعلى، ومجلس التعليم العالي، ولجنة التنظيم الإداري، وذلك إما لاستنفادها لأغراضها، أو أن هناك أجهزة أخرى تم استحداثها قامت باستيعاب مهامها. مجالس مستحدثة ومن أبرز المجالس التي تم استحداثها مجلس الشؤون السياسية والأمنية، الذي يتولى أمن الوطن وحمايته بكافة جوانبه الداخلية والخارجية، وكذلك مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهو معني بأنشطة المال والنفط والتعليم والصحة والزراعة والنقل والماء والكهرباء والاتصالات والاقتصاد والقوى العاملة ونحو ذلك، لذا فقد غطى هذا المجلس المهام التي كان يقوم بها مثلًا المجلس الاقتصادي الأعلى، والمجلس الأعلى للبترول، ومجلس التعليم العالي، ومجلس الخدمة المدنية، ولجنة التنظيم الإداري. وعلى صعيد الوزارات، تم استحداث ثلاث وزارات كانت في الأصل هيئات، وهو ما تمثل في تحويل الهيئة العامة للاستثمار إلى وزارة الاستثمار، والهيئة العامة للرياضة إلى وزارة الرياضة، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى وزارة السياحة، وجاءت تلك التغييرات مواكبة للمستهدفات الخاصة بتلك القطاعات الثلاثة في رؤية 2030، كما تم دمج بعض الوزارات مثل وزارتي «الشؤون البلدية والقروية والإسكان»، ووزارتي «العمل والشؤون الاجتماعية» لتوحيد الجهود وتكامل الأدوار. خطوة مهمة وشكّل الأمر الملكي الخاص بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي المعروفة اختصارًا باسم «سدايا» في عام 2019م، خطوة مهمة على مسار تحديث الإدارة الحكومية لتفعيل الموارد الوطنية، وتعزيز الكفاءة ودعم خلق قطاعات اقتصادية متنوعة، وجاء ذلك في ظل استشعار القيادة الرشيدة للمملكة لأهمية الارتقاء إلى الريادة ضمن الاقتصادات القائمة على البيانات، حيث تقدر قيمة اقتصاد البيانات والذكاء الاقتصادي في المملكة بنحو 4 - 5 مليارات دولار، في حين تتوفر فرصة لتحقيق إيرادات إضافية وفرص توفير لحكومة المملكة تقترب من 10 مليارات دولار من خلال تسخير قوة البيانات لتحقيق أقصى قيمة منها، وضمان استخدامها بطريقة مسؤولة وآمنة. وتعكس الخطوات التي اتخذها الملك سلمان -حفظه الله- على صعيد الاهتمام بقطاع البيانات، تقديرًا لدور هذا القطاع بصفته «النفط الجديد» في عصر التحول الرقمي، فإذا كانت قيمة النفط تأتي من ندرته، فإن قيمة البيانات تأتي من وفرتها المتزامنة مع القدرة الفائقة على التعامل معها وتوظيفها في شتى المجالات، كما تعتبر البيانات أحد المدخلات الرئيسة لعملية صنع القرار الإداري الناجح، ومواصلة مسيرة التنمية الوطنية المستدامة، لذا جاء إنشاء مكتب إدارة البيانات الوطنية ليتولى تنظيم وهيكلة وحوكمة وتهيئة البيانات، وكذلك حمايتها. ملحمة نجاح وإن كان ذلك جزءًا يسيرًا من الخطوات المتخذة على مستوى تعزيز مأسسة العمل الحكومي، واستحداث هياكل إدارية ومجالس جديدة، فإن ما تحقق على مسار أساليب إدارة العمل الحكومي وتقديم الخدمات للمواطنين يُسطّر ملحمة نجاح فريدة، إذ شهدت المملكة خلال السنوات السبع الماضية طفرة غير مسبوقة على صعيد تعزيز أداء وجودة الخدمات الإلكترونية بشكل يسهم في رفع الوعي والمعرفة بالخدمات وإثراء تجربة المستفيدين منها، فارتباطًا بجهود التحول الرقمي أطلقت حكومة خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- العديد من البرامج والتطبيقات الإلكترونية الخدمية، فمن خلال المنصة الوطنية الموحدة يستطيع المواطنون والمقيمون والشركات والزوار من أي مكان الوصول إلى الخدمات الحكومية الإلكترونية في المملكة العربية السعودية، وتنفيذ التعاملات بها بسرعة وكفاءة عالية، إذ تغطي 17 قطاعًا أبرزها: القطاع الصحي، التعليم والتدريب، الأمن والسلامة، الخدمات البلدية والإسكان، الرياضة والترفيه، والعمل الخيري والتطوعي. تحول رقمي وبفضل تلك الرؤية الإدارية الثاقبة للملك سلمان -حفظه الله- وإدارته الحكيمة لمنظومة التطوير، ودفعه لجهود التحول الرقمي والاستثمار المستمر في البنية التحتية الرقمية الحديثة، تمكنت المملكة من تأمين استمرارية الوصول إلى مختلف خدمات الحكومة إلكترونيًا في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد وتداعياتها العالمية غير المسبوقة، إذ برز دور الأدوات الرقمية من خلال الاهتمام بالتواصل الحكومي مع الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي من أجل نشر الوعي بشأن أساليب التعامل مع جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية الواجبة، بجانب إطلاق تطبيقات متعددة لتقديم الخدمات الصحية والتعليمية وإنجاز المعاملات الحكومية إلكترونيًا، فكان من أبرز تلك التطبيقات تطبيق «توكلنا» ذلك التطبيق الشامل الذي هدف في البداية إلى المساهمة في إدارة عملية منح التصاريح إلكترونيًا لمنتسبي القطاعين الحكومي والخاص، بالإضافة إلى الأفراد خلال فترة منع التجول، وبعد رفع إجراءات المنع، أطلق التطبيق خدمات جديدة تسهم في تحقيق العودة الآمنة، في مقدمتها توضيح الحالة الصحية لمستخدم التطبيق من خلال الأكواد الملونة بأعلى درجات الأمان والخصوصية، ولاحقًا بات التسجيل على التطبيق شرطًا أساسيًا لدخول المولات والأسواق والمنشآت الحكومية والمطارات. دولة رائدة وفي الإطار ذاته، وفر تطبيق آخر هو تطبيق «صحتي» للمستخدمين إمكانية الوصول إلى المعلومات الصحية والحصول على عدد من الخدمات الصحية المقدمة من الجهات المختلفة في القطاع الصحي في المملكة، من أهمها حجز موعد لإجراء اختبار كورونا وتلقي اللقاح، بالإضافة إلى تطبيق منصة «مدرستي» التي قدمت نموذجًا رائدًا للتعليم التفاعلي عن بُعد، ما جعله محل إشادة من جانب منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» التي أكدت أن السعودية تعاملت مع الجائحة بكفاءة وفاعلية، وحافظت على استمرارية التعليم وتقدُّمِه باتجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030. ويشهد تقرير النضج الرقمي الصادر عن البنك الدولي في سبتمبر الماضي، الذي صنف المملكة ضمن المجموعة الأولى لأعلى الدول الرائدة والمبتكرة في مجالي تقديم الخدمات الحكومية والتفاعل مع المواطنين، على حجم التطور الذي تشهده المملكة في هذا المجال في ضوء رعاية الملك سلمان -حفظه الله- وتوجيهاته المستمرة بتطوير الخدمات الرقمية ومواكبة التقنيات الحديثة، والاستثمار الأمثل لتحسين تجربة المستفيدين. إدارة متكاملة ويعتبر نمط إدارة البرامج أحد الجوانب التي ميزت عملية تحديث الإدارة السعودية وتنفيذ الخطط التنموية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، وهي عملية إدارة متكاملة لمجموعة من المشروعات وثيقة الترابط عبر أساس تنظيمي مشترك لتوفير إدارة متسقة قادرة على التكيف مع المتغيرات، وتشتمل إدارة البرامج على مجموعة من الجوانب الرئيسة مثل الحوكمة، ووضع ضوابط تنفيذية لمتابعة التكاليف المالية بدقة وشفافية، وخلق بيئة عمل مناسبة لإنجاز المشروعات وفقًا للضوابط والجداول الزمنية المحددة. وتجلى هذا الأسلوب الجديد في الإدارة في تدشين برامج من أبرزها برنامج التحول الوطني الهادف إلى تحقيق التميز في الأداء الحكومي، وتعزيز الممكنات الاقتصادية، والارتقاء بمستوى الخدمات المعيشية من خلال تسريع وتيرة تنفيذ مشروعات البنية التحتية الأساسية والرقمية، وإشراك المستفيدين في التعرف على التحديات وابتكار الحلول، ومساهمتهم في التنفيذ وتقييم أداء مبادرات البرنامج. وبالإضافة لهذا النمط الإداري، جرى تبني سلسلة من المفاهيم الإدارية الحديث وتطبيقها عمليًا على أرض الواقع، مثل الإدارة بالأولويات عبر إشراك المجتمع في برنامج التحول الوطني، والاتجاه نحو الحوكمة والإدارة بالأداء، وقياس الأداء المؤسسي من خلال التأكيد على مبادئ الحوكمة؛ الشفافية والنزاهة والمساءلة، وتجلى ذلك في إنشاء البرنامج الوطني لدعم إدارة المشروعات العامة ومركز الإنجاز والتدخل السريع لدعم الأجهزة الحكومية. موارد بشرية وبرز الاهتمام الكبير برفع كفاءة الموظف الحكومي، وهو ما تجسد في برنامج تنمية الموارد البشرية، الذي هدف إلى تطوير بيئة العمل الحكومية وكوادرها بما يتوافق مع أهداف وطموحات رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني، وعلى هذا فقد ركز النهج الإداري الحكيم للملك سلمان- حفظه الله- على الاستثمار في رأس المال البشري لإعداد وبناء القادة الإداريين الذين يتولون مهمة تنفيذ برامج التنمية المستدامة وتأهيلهم على أعلى مستوى. وختامًا، لقد وضع خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- بصمة واضحة على تجديد الإدارة في المملكة سواء على صعيد الفكر أو الممارسة؛ ليرسخ التوجه نحو الإدارة بالمعرفة والإدارة الإلكترونية التي توظف البيانات كمدخل مهم لعملية صنع واتخاذ القرار، بجانب إفساح المجال أمام الشراكات بين القطاعين العام والخاص، فضلاً عن الاعتماد على الطاقات والخبرات الوطنية المؤهلة والكفاءات البشرية في جميع التخصصات، لتمضي المملكة بقيادته الحكيمة -حفظه الله- نحو آفاق التقدم والرخاء، وتنطلق لمستقبل أكثر إشراقًا. اختيار قيادات شابة تعمل على تحقيق رؤية 2030 «توكلنا» تطبيق يضم خدمات إلكترونية للمواطن والمقيم «مدرستي» تقنية ساهمت في استمرار التعليم أثناء جائحة كورونا