عاد ديف بار إلى منزله في ولاية كاليفورنيا عاجزاً وقد فقد ساقيه، كان جندي مشاة البحرية قد التحق شاباً وعمره سبعة عشر عاماً بالجيش الأميركي ليخدم في حرب فيتنام، ثم بعد تقاعده من الخدمة انتقل ليعمل في أكثر من دولة، حتى قاده القدر نحو جيش دفاع جنوب أفريقيا، حينما خطت مدرعته في أنجولا فوق لغم أرضي، ليصاب إصابة شديدة ويفقد ساقيه الاثنتين! عاد عام 1981م إلى موطنه على كرسي متحرك، ومن شرفة منزله كان يرقب عشقه العتيق؛ دراجة هاري ديڨيدسون النارية، التي كان يستقلها في جولاته القريبة ورحلاته البعيدة، استغرق الأمر أشهرا قليلة حتى يخرج من مأساة إعاقته، وألا يجعلها حدوداً تمنع تمتعه بما يهوى، إذ استطاع بمساعدة والده تعديل دراجته لتكون مناسبة لسيقانه الصناعية، وبالذات استخدام المكابح بكفاءة وسهولة، كان التحدي أن ينطلق بها خارج منطقة سكنه! تجارب عديدة ومحاولات فاشلة أسفرت عن إنجاز لافت تجاوز محيطه الضيق. انطلق ديف وقد شارف الأربعين من عمره على متن دراجته النارية المعدلة بجهود شخصية، طاف العالم على مدى أربع سنوات، استطاع قطع 130 ألف كليو متر، منها 20 ألف كليو متر عبر المناطق الباردة شمال أروبا وسيبريا، ليحقق رقماً قياسياً سُجل في موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية عام 1994م، هذا الإنجاز الذي لم يحققه إنسان معافى البدن، بينما يعاني هو إعاقة جسدية بنسبة 160في المئة! نظراً لبتر ساقيه الاثنتين من فوق الركبة، كما حقق رقماً قياسياً آخر عام 1996م، حينما قطع وحده ما يطلق عليه "الصليب الجنوبي"، حينما أكمل أول رحلة بين الزوايا الجغرافية الأربع القصوى للقارة الأسترالية، كما أنه حاز شرف أن يكون ضمن قائمة صالة مشاهير الدراجات النارية عام 2000م، ليس فقط لتحقيقه الأرقام القياسية، بل للمساهمات الخيرية التي قدمها للمعاقين على طول طريق رحلاته، وبالذات رحلاته في جنوب أفريقيا؛ لتشجيع ذوي الإعاقة على ترك إعاقتهم وراءهم والانطلاق نحو الحياة. لم يكتف بذلك، بل وثق رحلاته في أكثر من كتاب، من أهمها كتابه الملهم "ركوب الحافة"، حيث يسرد مغامرته الشجاعة في قطع الصحراء الكبرى في أفريقيا، وكامل قارة أستراليا، وكذلك جبال الأنديز في أميركا الجنوبية خلال موسم الانهيارات الجليدية! حطم ديف بساقيه الصناعيتين حاجز عجزه، وأكد أنه لا يوجد إنسان عاجزٌ عن السفر مهما كانت ظروفه وإمكاناته، وها هو اليوم يعيش في مدينة بوديفيش جنوبي كاليفورنيا؛ حيث يدير شركة سياحية للدراجات النارية، يستقبل الجميع شامخاً على ساقيه الصناعيتين، سعيداً بابتسامته المتفائلة، ومتأملاً أن يكمل رحلاته حتى يزور أقطار العالم كله.