لم يبق أحد لم يناقش مستقبل الصحافة الورقية.. من عامل البقالة الذي يلاحظ تراجع أرقام التوزيع إلى أساتذة الإعلام وممارسيها.. المسألة لم تعد وجهات نظر؛ بل "واقع" يستحق أن يناقش لصالح هذه المهنة العظيمة.. التي لا يعرف قيمتها إلا من تعاطاها وابتلي بها وعرف قيمتها الحقيقية.. ليست دعوة لمحاكمة الجيل السابق الذي ربما كانت له مبرراته؛ وقد ورثونا مؤسسات وطنية كبرى، كانت إحداها توزع أرباحاً سنوية تصل إلى 70 % من رأس المال.. وهو الأمر الذي لم يحدث في أي قطاع آخر؟ ذلك لأنه كان زمن الورق.. والعصر الذهبي للورق.. عندما كانت الصحف تحلق وحيدة بالأخبار والآراء وتوجيه الرأي العام.. اليوم تقف المؤسسات الصحافية على مفترق طرق.. بعضها أدركت التحدي ونفضت عن نفسها الغبار.. وبدأت تعيد النظر في الكثير من المصروفات وفي الكثير من الموارد المهدرة.. لكن التحدي كبير ويفوق إمكاناتها منفردة ويحتاج لتكاتف الجميع تحت مظلة وزارة الإعلام، السند الحقيقي للمؤسسات الصحافية في هذه المرحلة المفصلية؛ التي تحتاج إلى"مشاريع الإنقاذ" تواجه بها تحدي فوضى الإعلام الجديد وتراجع الموارد التقليدية.. وقد بات إنقاذ المؤسسات الصحفية مسؤولية وطنية ومشروعاً وطنياً، لا يكون بحسابات الربح والخسارة وكذلك لا يكون بالدعم المالي المباشر الذي من المعروف أنه يعارض الكثير من المبادئ والتوجهات. أحد أصول المؤسسات الصحافية الضخمة والأساسية هي المطابع.. وهي في واقعها الحالي وبالنظر إلى إمكاناتها تعدّ شبه معطلة، حيث إن إحدى الصحف السعودية لديها مطبعة حديثة تجاوزت تكلفتها 100 مليون ريال وبالكاد تعمل على طباعة الصحيفة دون أي استثمار آخر لقدراتها الضخمة.! لا يوجد إحصائيات دقيقة عن حجم سوق الطباعة؛ لكن بعض الجهات الرسمية تقول إن حجم الإنفاق "الحكومي" على الطباعة يصل إلى 2 مليار ريال سنوياً.. وهذا رقم ضخم جداً لكنه يتناسب مع النمو الاقتصادي في المملكة، وزيادة الإنفاق الحكومي، وتنامي الأنشطة الثقافية والتعليمية والإعلامية. دعونا نتخيل أن مطابع المؤسسات الصحافية فازت بربع هذا المبلغ (أي 500 مليون ريال) فإن حياة جديدة ستبعث في هذه المؤسسات خصوصاً أن كفاءة وإمكانات المطابع في الصحف تعدّ من الأرقى والأفضل في المملكة. من الواضح أن المسألة ليست بهذه البساطة لكنها مجرد فكرة تستحق أن نسعى لتحقيقها وتوفير الظروف والتكييف المناسب لنجاحها، خصوصاً أن المؤسسات الصحافية يملكها رجال أعمال سيتخلون عنها إذا تفاقمت خسائرها ويصبح الوضع حينها غير قابل للتدخل. الصحافة الورقية تستحق من معالي الوزير أن يتبنى مؤتمراً يجمع الخبرات ليضع الحلول التي يجب أن ينفذها الجميع ويدعمها لمصلحة مؤسسات وطنية لا نتخيل صباحاتنا من دونها.