مارجريت تاتشر ليست فقط أول امرأة رئيسة وزراء في بريطانيا، بل المرأة الوحيدة التي شغلت هذا المنصب في التاريخ البريطاني، بيّنت في أعوام 1979 – 1990، وبغض النظر عن الموقف من سياستها، أن السياسة لا تزال قوة للتغيير، فأصبحت من أهم ساسة النصف الثاني من القرن العشرين، نتيجة دورها الكبير في تكوين شكل الاقتصاد النيوليبرالي الذي أوصل العالم لاحقًا إلى الأزمة الخانقة، في بداية الثمانينات كانت بريطانيا تبدو بلدًا باليًا، في كل مكان شيء ما متوقف لا يعمل، هنا إضراب، وهناك إضراب، وهنا بناء يتهدّم وعلى الجدران كتابات بذيئة، لكن الرئيس هو أن الجنيه الإسترليني تساوى في القيمة مع الدولار، وهذا سبّب الإهانة للإنجليز، كانت هذه نتيجة اشتراكية الدولة التي خرّبت انجلترا طوال ثلث قرن، حتى حوّلتها إلى "رجل أوروبا المريض"، تأميم الحكومة العمالية للصناعة أوقفها، والضرائب التي ابتلعت نصف المداخيل كانت مفروضة بحيث يحصل مدير البنك بعد كل المدفوعات على دخل أكبر بقليل من مرؤوسه، هذه العدالة لم ترض الرئيس ولم تساعد المرؤوس، لكن بريطانيا تحوّلت إلى دولة من الدرجة الثانية، بلا قدرة على المنافسة، لإعادة بريطانيا إلى وعيها كانت تاتشر بحاجة إلى ثورة، فألغت الكثير من نفقات الضمانات الاجتماعية غير الفعالة وغير الضرورية برأيها، وباعت المؤسسات المؤممة الخاسرة للقطاع الخاص، مجبرة مليون عامل على البحث عن عمل آخر، ومعرضة 10000 شركة للإفلاس، وكالعادة في انجلترا، كان التعامل الأسوأ مع عمال المناجم، فبعد إضراب عام بكامله لم يحصلوا على شيء لأن السيدة الحديدية لم تتنازل، نتيجة للسياسة الليبرالية الصارمة بدأت التوظيفات الأجنبية تتدفق على انجلترا، وحافظ التضخم على مستوى منخفض، وتقلصت البطالة، وبفضل الخصخصة الشاملة تحول كثير من الانجليز إلى مساهمين، لكن من جهة أخرى اختفت من الوجود بعض قطاعات الاقتصاد الانجليزي مثل استخراج الفحم، وعمومًا نتيجة إصلاحات السيدة الحديدية ظهر كما يقولون في بريطانيا "اقتصاد الكازينو"، عندما أصبح دور المضاربة المالية في الاقتصاد أكثر أهمية من التصنيع، في الخمسينات حاولت تاتشر دخول البرلمان، ونجحت في عام 1959 فقط، وعلى الفور اتخذت موقفًا معارضًا لحزبها المحافظ في مسألة إعادة عقوبة الضرب في المدرسة، وكانت مارجريت مع عودة العقوبة القديمة، في عام 1970 أصبحت وزيرة العلوم والتعليم، وراحت تقلّص النفقات، فألغت الحليب المجاني للتلاميذ، وحصلت بالنتيجة من حزب العمال على لقب "سارقة الحليب"، لاحقًا ستكتب في سيرتها الذاتية: "تعلمت درسًا مهمًا، حصلت على الحد الأقصى من الكراهية مقابل أقل المكاسب السياسية"، بعد ترأسها حزب المحافظين في عام 1975، التفتت إلى السياسة الخارجية، وراحت تنتقد الاتحاد السوفيتي، فاتهمته بالسعي إلى الهيمنة على العالم، وعندها وصفت الصحيفة السوفيتية "كراسنايا زفيزدا" تاتشر ب"السيدة الحديدية"، فأعجب اللقب صحافيي الصنداي تايمز ثم كل البريطانيين، وفي عام 1982 نالت إمكانية ترسيخ اللقب بإرسالها الأسطول البريطاني لاستعادة جزر الفولكلاند التي احتلتها الأرجنتين. تاتشرهي أول رئيس حكومة بريطانية يصنع له تمثال أثناء حياته. تأثيرها عظيم حتى إن العماليين يعترفون بأنهم أخذوا الكثير عنها. وهي تبقى في التاريخ الانجليزي كسياسية استطاعت إنعاش الاقتصاد وتوجيه ضربة للنقابات واستعادة هيبة بريطانيا كدولة كبرى. يروي جورباتشوف أنها، لدى دفن أندروبوف، جاءت ومعها طبيب قدّر صحة الأمين العام الجديد للحزب (تشيرنينكو خليفة اندروبوف)، وتنبأ بموعد وفاة أوستينوف (وزير الدفاع السوفيتي آنذاك)، وكونها فهمت حتمية التغيير في الكرملين، دعت جورباتشوف لزيارة لندن قبل أن يستلم السلطة، ويعتقد المؤرخون أن دورها لا يستهان به في تفكيك الاتحاد السوفيتي. على صعيد الشرق الأوسط كانت مارغريت تاتشر أول رئيس وزراء بريطاني يزور إسرائيل، كان هذا في مايو/ أيار عام 1986، بعد شهر من القصف الأمريكي لليبيا بتأييد بريطاني، وكانت تاتشر معجبة بإسرائيل، ورأت في الدولة اليهودية حاجزًا إستراتيجيًا أمام النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط، هناك مبالغة زائدة في كل ما قيل وكتب عن تاتشر، سبب ذلك ليس في شخصيتها بقدر ما هو في الزمن الذي شغلت فيه منصبها، وأتاح لها الفرصة حينًا، وأجبرها حينًا آخر على القيام بما قامت به، لكنها تميّزت بأنها كانت تستطيع أن تصرخ على الوزراء، ولم تكن ترفع صوتها أبدًا على السكرتيرة. المزيد من الصور :