يحثنا الحديث الشريف «اذكروا محاسن موتاكم» على تكريم ذكر الموتى، ولكن هناك أمواتا مساوئهم التي تذكر وان تم تجميل القليل من محاسنهم، ورئيسة الوزراء الانجليزية السابقة مارجريت تاتشر ينطبق عليها ذلك بالرغم من كل عمليات التجميل الإعلامية التي يمارسها حزبها الحاكم في إظهار تاريخها الرئاسي بالذكر الحسن. فلم استغرب مطلقاً أن يخرج المئات من الإنجليز للاحتفال بموت أول رئيسة وزراء –امرأة- في تاريخ المملكة المتحدة المعاصر، فهي التي قال عنها رئيس حزب العمال الانجليزي السابق كينوك «ان سياساتها الاقتصادية كانت بمثابة الكارثة لبريطانيا»، والتي كانت تدوس من خلالها على أجساد شعبها للوصول إلى غايتها. تاتشر التي عاصرت فترة الكساد العظيمة والنكبة الاقتصادية في العشرينات كانت أول من طرح السياسات الاقتصادية المتشددة التي ساهمت في رفض العملة الموحدة وأي اشتراكية أوروبية، حتى أن هناك من يتهم سياساتها بأنها المسبب غير المباشر للازمة العالمية التي تلف أوروبا في الوقت الراهن. أول منصب رسمي حصلت عليه تاتشر كان وزيرة للتعليم وكانت انجازاتها فيه، منعها توزيع الحليب المجاني عن أطفال المدارس، ووصفت آنذاك بسارقة الحليب، والمفارقة الغريبة أن اغلب من خرجوا للشماتة بموتها كانوا من أولئك الأطفال الذين حرمتهم من حصص الحليب يوماً. عُرف عن مارجريت تاتشر قسوتها الشديدة، ففي بداية حكمها كانت الأزمات تدك انجلترا، فاعتمدت تاتشر سياسة إعادة الإمبراطورية الانجليزية، والتي تعرف بالسياسة التاتشرية. ورغم أن المرأة الحديدة كما توصف، نشأت في بيئة ريفية فقيرة إلا أنها أبداً لم تقف مع الفقراء ولا مع المعوزين قط، بل حاربتهم بسياسات اقتصادية استهدفتهم دون سواهم، فبدءاً وقفت كحائط أمام نقابات العمال وكانت تسعى للقضاء عليهم، ولم تستجب لكل الإضرابات التي تطالب بحقوق العاملين، وكانت الخصخصة طريقة أخرى في حربها مع النقابات فباعت قطاعات (الاتصال والطيران والنفط والغاز والصناعات) الأكثر إضراباً، على القطاع الخاص، ليجد عدد كبير من العمال أنفسهم دون عمل وآخرون انخفضت أجورهم التي كانت تدعمها الدولة. وأنهت بذلك قطاعا حيويا ومرنا وهو قطاع الصناعات الذي يتميز بكثافته العمالية، واستبدلته بقطاع الخدمات المالية ذي الأيدي الأجنبية الذي ينهار اليوم. تجلت سياسة الخصخصة في أن باعت الاقتصاد الوطني ومؤسساته على مستثمرين أجانب والاستعانة بالعمالة الأجنبية دون البريطانيين وسمحت بتملكهم في البلاد، كما ألغت الرقابة على الأسعار في سوق سعت أن يكون حراً على حساب الشعب، فكان نتاج ذلك ارتفاع الأسعار، وتسعير الخدمات الاجتماعية المجانية كالتعليم والصحة، وتشرد المواطن بلا سكن لعدم إمكانية التملك، وأدت تلك السياسات مجتمعة لسقوطها بقشة «ضريبة الرأس» التي تبنتها بإصرار، وهي فرض ضريبة على كل شخص يقيم بمبنى سكني وليس على العقار الواحد، مما جعل بريطانيا تضج غيظاً ضدها حتى تخلى عنها حزبها وأجبرت على الاستقالة.