وأدت الانتخابات البريطانية غير الحاسمة دورة سياسية طويلة، أعطى الناخبون خلالها أولوية قصوى للتعليم والصحة. لكن خلافا للتغييرات الكبرى في السياسة البريطانية بعد الحرب أعوام 1945 و 1979 و 1997 فلا توجد هذه المرة فكرة جديدة كبيرة. قال المؤرخ ديفيد ستاركي: «هذه انتخابات غير تاريخية بكل ما في الكلمة من معنى، لم يكن هناك اختيار حقيقي، وما ينتظرنا هو تقشف دون أفق، ولكن خلافا ممتدا حول الإصلاح الانتخابي قد يرجئ أو يحجب الاختيارات الأساسية بشأن مجالات خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب». وبعد الحرب العالمية الثانية ألقت بريطانيا نفسها بقوة وراء بناء دولة رفاهة حديثة ترتكز إلى اقتصاد مختلط وقطاع عام كبير. وعبر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك دين اتشيسون عن حالة بريطانيا بعبارة قاسية حين وصفها: «إن بريطانيا فقدت إمبراطورية لكنها لم تعثر على دور بعد». وسعت بريطانيا إلى الحفاظ على نفوذ دولي كشريك صغير للولايات المتحدة وكعضو في السوق الأوروبية في وقت متأخر وعلى مضض. وفي أواخر السبعينيات أدار الناخبون المستاؤون من إضرابات لا نهاية لها والضرائب المرتفعة والتخبط الاقتصادي ظهورهم للديمقراطية الاجتماعية وصوتوا لصالح الإثراء الشخصي. ودفع ذلك إلى الهزة الجذرية للاقتصاد التي أحدثتها رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت ثاتشر وقتها، إذ قامت بخصخصخة معظم الشركات المملوكة للدولة وحدت من قوة النقابات العمالية وباعت المساكن العامة وحررت الأسواق وخفضت الضرائب. ومزجت سياستها الخارجية بين القومية المتحدية باستعادة جزر فوكلاند «مالفيناس» من الأرجنتين ودافعت عن المصالح المالية البريطانية في أوروبا، إلى جانب عقد شراكة قوية مع الولاياتالمتحدة إبان حقبة الحرب الباردة. وفي وقت ما في منتصف التسعينيات، تحولت العجلة مرة وشعر البريطانيون بالاستياء من الحالة المتخلفة للمدارس والمستشفيات والقطارات واختاروا إنفاق المزيد من ثروتهم الوطنية الجديدة على التعليم والصحة والنقل. وشق توني بلير طريقه للسلطة بأغلبية ساحقة وبتفويض بتحديث الخدمات العامة المتهالكة في بريطانيا دون التراجع عن ترتيبات ثاتشر الاقتصادية. وانتهج سياسة خارجية تدخلية في البلقان وأفريقيا والشرق الأوسط، لكنه لم ينجح في التغلب على نفور بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الرغم من نيته المعلنة، وبدد رأسماله السياسي بدلا من ذلك في حرب في العراق لا تحظى بتأييد. وأنهت الأزمة المالية في عام 2008 تلك المرحلة على نحو مشهود. ولم يعد أمام الناخبين الساخطين خيار المفاضلة بين الثروة الخاصة والخدمات العامة وإنما بين الشعور بالألم الآن أو لاحقا. وضاق معظم الناخبين ذرعا بحكومة حزب العمال بعد 13 عاما، ومن زعيمه الذي يفتقر إلى الشخصية الملهمة، لكنهم ظلوا منقسمين حتى اللحظة الأخيرة حول أفضل السبل لتغييره. ونتيجة لذلك، قد ينتهي الأمر بانتخابات جديدة خلال عام أو نحو ذلك بغض النظر عمن سيشكل الحكومة. ونظرا لأن بريطانيا ليست لديها تقاليد في الحكومة الائتلافية، فإن البرلمان المعلق وهو كابوس حقيقي لأسواق المال قد يفرز حكومة أقلية للمحافظين تعتمد على دعم أحزاب إقليمية أو قومية للموافقة على كل تشريع على حدة. وقد يصبح من الصعب مع ذلك تهيئة التأييد السياسي اللازم لاتخاذ إجراءات تتسم بالجسارة. وبدلا من ذلك، فقد تدخل بريطانيا في جدل حول تعديل نظام انتخابي أفرز غالبا حكومات مستقرة، لكن تعاني فيه أحزاب ثالثة تفتقر إلى قواعد إقليمية مثل الديمقراطيين الأحرار من نفص حاد في التمثيل النيابي.