السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    برنامج إثرائي في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة جازان    إسقاط 33 من أصل 42 طائرة مسيرة روسية مساء امس    أكثر من 7 آلاف طفلٍ استفادوا من مركز ضيافة الأطفال في المسجد النبوي    'الحياة الفطرية' توضح حقيقة ظهور قرود البابون في الرياض    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في اليوم العالمي للعلاقات العامة 2025 م        كوريا الشمالية تعتزم بناء مدمرة تزن 5 آلاف طن    حرارة مرتفعة في الرياض والشرقية و رياح على معظم المناطق    الجمعية للثقافة والفنون بالشمالية تنظم مسرحية 'الراعي' بعرعر يوم الأربعاء    المسرح ورهانات المستقبل".. أمسية ثقافية بجمعية الثقافة والفنون بجدة    أمانة منطقة الباحة تطلق مبادرة "التنشيط السياحي" لتعزيز الحراك السياحي والاقتصادي في صيف 2025    أمير نجران يثمّن جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    أمير القصيم يدشن مشاريع صحية في البكيرية    أمير القصيم يدشن مشروعين خيريين في البكيرية بتكلفة 10.5 ملايين ريال    أمير القصيم يزور مقصورة السويلم التراثية في البكيرية    أمير القصيم يطّلع على مشاريع تطوير البلدة القديمة    المنتخبات السعودية الجامعية تواصل مشاركتها في الألعاب العالمية بألمانيا    مطل حاتم الطائي في حائل ..دلائل ومكارم    تقنية تحسن عمى الألوان    لا علاقة بين يوم الميلاد وشخصية الإنسان    اليابان تستعيد ريادتها في الروبوتات    الوحدة ليست وباء بل تجربة إنسانية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي وزير الدولة لشؤون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية ويزور ثكنات ويلينجتون العسكرية    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025 في جدة    الأخضر الأولمبي يفتتح مشواره في الدورة الدولية بمواجهة أوزبكستان    النصر يقلد الهلال    في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق Gen.G Esports الكوري يحصد بطولة League of Legends    101 مليون عملية لتوصيل الطلبات خلال الربع الثاني    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    دعونا نتحدث قليلًا عن تمكين المرأة    أكاديمية الإعلام السعودية تقيم اللقاء الافتتاحي لمسار "قادة الإعلام"    أكدت أن أمانات المناطق ترصد المخالفات.. "البلديات والإسكان": 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية ل»الاستثمار»    بدء التقديم على مقاعد دراسة التمريض في البحرين    انطلاق موسم صيد الروبيان بالشرقية ب710 تصاريح    166.023 بلاغا يوميا على المتاجر الإلكترونية    "واتساب" يدخل الإعلانات لحسابات المستخدمين    تصعيد متبادل بين الطرفين.. غارات إسرائيلية تستهدف مواقع الحوثيين بالحديدة    10 ملايين زائر للمواقع والفعاليات الثقافية في 2024    فيلم «الشاطر» يتجاوز ال 15 مليون جنيه خلال 4 أيام    المغنية الفرنسية Ghostly Kisses تشدو في موسم جدة    حذر من مفترق طرق خطير.. المبعوث الأمريكي ينتقد تدخل إسرائيل في سوريا    الأسواق السعودية تتماسك والعالم يعيد الحسابات    المفتي يطلع على أعمال جمعية البر    "الأمن العام" يكشف حيل المتسولين وأساليبهم المتنوعة    محامية تعتدي على زملائها ب" الأسنان"    مليون ريال غرامات بحق 8 صيدليات مخالفة    أكد رفع التنفس الاصطناعي خلال 4 أيام.. الربيعة: استقرار حالة التوأم "يارا ولارا" بعد عملية الفصل    "السينما.. فن المكان" شعار مؤتمر النقد السينمائي الثالث..    ناشئو أخضر اليد يبدأون معسكرهم في سلوفينيا استعداداً لمونديال مصر 2025    1.9 مليون مصلٍ في روضة المسجد النبوي    «تطوير المدينة» تُنفّذ 16 مبادرة لخدمة ضيوف الرحمن    استقرار حالة التوءم الملتصق السعودي يارا ولارا    تقرير المجاهدين على طاولة أمير جازان    أمير نجران يسلّم شاباً وسام الملك عبدالعزيز لتبرعه بإحدى كليتيه لشقيقه    القبض على (12) مخالفًا لنظام الحدود لتهريبهم (216) كيلوجرامًا من "القات"    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير دولة الإمارات لدى المملكة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الوليد بن خالد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وعن العراق مرة أخرى
نشر في الجزيرة يوم 06 - 11 - 2006

العراق ذلك القطر العربي الإسلامي كم ابتلي عبر كثير من السنين التي مرَّ بها تاريخه! لكن يبدو أن أعظم كارثة حلَّت به هذه التي وقعت منذ أن تزعمت إدارة أمريكا العدوان المدمر عليه، ثم احتلاله وارتكاب أنواع شتى من الجرائم بعد هذا الاحتلال؛ تخريبا لبنيته الأساسية في أكثر المجالات، ونهباً لكثير من تراثه التليد أو تدميره، وتعذيباً بشعاً للمعتقلين عشوائيا في أكثر الأحيان؛ إضافة إلى قتل من يزيدون على نصف مليون من السكان إما بسلاح المحتل وأعوانه مسلوبي الضمائر، وإما نتيجة الفتنة الطائفية والعرقية التي مهد الطريق لحدوثها وشجعها المحتلون. ومن المعروف أن قضاء الإدارة الأمريكية على قوة العراق، كان - كما بيَّن ذلك وزير خارجيتها، جيمس بيكر، في مذكراته - خدمة للكيان الصهيوني، وأن احتلالها للعراق الآن كان - كما صرَّح رئيس أركان قواتها - من أجل ذلك الكيان، الذي ثبت أن عناصر من رجال مخابراته قد شاركت في تعذيب المعتقلين العراقيين وفي إشعال نار الاقتتال الطائفي بين سكان العراق.
ولقد تعدَّدت في الآونة الأخيرة الأقوال عن بقاء جيش الاحتلال أو انسحابه من أرض الرافدين، التي دنَّسها. وشجعني ذلك على عرض مقالة كتبها ديفيد سوانسون في شهر يونيو الماضي، وعنوانها:(دعونا نمكث في العراق حتى يحلَّ السلام فيها أو نصبح عقلاء: أيهما حدث أولاً). وقد بدأ تلك المقالة بقوله:
هل سمعتم أحداً يحاول أن يجادل في أن الحرب على العراق كانت غلطة، لكن المسلك الصحيح الآن هو الاستمرار في تلك الغلطة وقتاً أطول أو إنهاؤها بطريقة طويلة معقدة يمكن أن تأخذ أشهراً أو سنوات؟ وهل عجبتم كيف أن موقفاً كهذا - إذا درس بالتفصيل - يحمل أي معنى؟ هذا الموقف يتطلَّب درجة مذهلة من عدم المنطق.
وبعد ذلك أشار الكاتب سوانسون إلى كتاب مهم للسيد أنتوني أرنوف عنوانه: العراق: منطق الانسحاب. وقد كتب مقدمة وخاتمة له هاورد زن، الذي نشر، عام 1967م، كتاب: فيتنام: منطق الانسحاب. وتأتي أهمية كتاب أرنوف من تفنيده لكل الحجج الكبرى المعارضة لانسحاب فوري من العراق. وقد بدأ ذلك التفنيد بإعطاء خلفية تاريخية، ثم اتبع ذلك بمناقشة ما رأى جدارة مناقشته من مسائل لخَّصها كاتب المقالة سوانسون كما يأتي:
1 - ليس للجيش الأمريكي الحق في وجوده على أرض العراق أساساً. فقد اتضح أن الحرب على ذلك البلد لم تكن غلطة يجب ألا تستمر ساعة من نهار. بل كانت في الحقيقة جريمة.
2 - أن أمريكا ليست آتية بالديمقراطية إلى العراق. فنشر الديمقراطية لا صلة له بشنِّ تلك الحرب ولا باستمرارها. فالحكومة الأمريكية تعارض ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط لسبب واضح؛ وهو: لو أن المواطنين العاديين بسطوا نفوذهم على مصادر الطاقة فإنهم قد يوجهونها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أكثر من ذهابها أرباحا لشركات النفط الغربية.
3 - أن أمريكا لا تجعل العالم أكثر أمناً باحتلالها العراق. ففي الواقع أن حربها على ذلك البلد جعلت العالم أقل أمنا. ولقد سنَّت بادرة للأمم الأخرى ليهاجم بعضها بعضا، ودفعت أمماً إلى الإنفاق على التسلح لتحاول صد أي هجوم أمريكي عليها، وأشعلت الشعور المضاد لها، كما زادت، بدرجة كبيرة، حوادث الإرهاب كل سنة.
4 - أن أمريكا لا تمنع حربا أهلية في العراق. فالقول بإنها تمنع تلك الحرب هي الخرافة نفسها، التي بثتها بريطانيا، سنة 1920م عندما رفضت أن توقف احتلالها للعراق. وأن الدستور الذي فرضته أمريكا المحتلة على أهل العراق وُضِعَ فيه عمداً ما يثير الفتنة بينهم على أساس طائفي وعرقي؛ وذلك لصرف المقاومة ضد المحتلين إلى نزاع داخلي. ومع ذلك ظلت المقاومة موجهة ضد جيش الاحتلال والمتعاونين معه. وقوتها في ازدياد.
5 - أن أمريكا لا تواجه إرهاباً في بقائها في العراق. ذلك أن (القاعدة) لم تصل إلى ذلك البلد إلا بعد غزوها له.
6 - أن أمريكا لا تشرِّف أولئك الذين ماتوا من جنودها بمواصلة الحرب. فهذا التفكير وصفة لبقاء المأساة بدون نهاية.
7 - أن أمريكا لا تعيد إعمار العراق. فشركتا هلبيرتون وبكتيل تنهبان العراق، لا تعمرانه. إنه نمط من التفكير الإمبريالي العنصري الذي يسمح لنا أن نتصور أن العراقيين لا يستطيعون أن يبنوا بلدهم بأنفسهم. وعلينا أن نساعدهم مالياً في هذا المجال. لكننا الآن ننزف مصادرهم المالية بدلا من أن نضيف إليها.
8 - أن أمريكا لا تقوم بواجباتها نحو الشعب العراقي نتيجة ما حدث له منها من ضرر ومعاناة. بل إنها تجعل الأمور أسوأ مما كانت عليه. وأول واجباتها أن توقف إلحاق الضرر بذلك الشعب، ثم تعوِّضه عما خسر على يديها.
وبعد أن أورد الكاتب سوانسون تلك المسائل باختصار قال: إن أرنوف لا يبني رأيه في انسحاب فوري من العراق على أساس إقناع الأمم المتحدة أو أي جهة أخرى لتحل محل الجيش المنسحب. بل إنه يرى أن العراقيين أنفسهم قادرون على إعادة إعمار بلدهم بشرط أن نحررهم مما سميناه تحريراً لهم. فالأمم المتحدة التي هي الأولى بالترشيح لذلك قد أظهرت - خلال سنوات الحصار الذي فرضته على العراق - فرصة الإعداد للحرب، وقبلت بالاحتلال الأمريكي عمليا. وبذلك فإن العراقيين يرون أنها غير مؤهلة لمواجهة القوة الأمريكية، وأن أمريكا وحدها تقريباً هي المسؤولة عن معاناتهم. أما الأمم المتحدة فمورَّطة في الأمر. وأما جامعة الدول العربية فلم تفعل شيئا لحماية شعب العراق. بل إن عدداً من أعضائها ساعدوا في غزو العراق؛ بحثاً عن مكاسب من الحرب ومن الحصار.
وبالتسليم بأن الحق ليس دائماً كافيا فإن مما يقترحه أرنوف على الحركة المناهضة للحرب أن تقوم بعصيان مدني مواكب لمظاهرات حاشدة كما حدث خلال حرب فيتنام. ويرى أنه لا يمكن إنهاء الحرب ما دامت هناك مساعدة للمرشحين المؤيِّدين لها، وما لم تعارض الحركة الحرب للأسباب الحقيقية التي تقنعها بالمطالبة بانسحاب فوري، وتضحِّي من أجل تحقيق ذلك الهدف.
أما بعد:
فذلك ما قاله كل من سوانسون وأرنوف. والمتأمل فيه المتابع للأحداث يأخذ ما يأخذ ويدع ما يدع. على أن كاتب هذه السطور بإدراكه المحدود مع اقتناعه بكثير مما قالاه يرى أن الوسيلة الناجحة لإزالة العدوان وآثاره من بلاد الرافدين في يد أهلها أنفسهم. فلو صفت نواياهم ووحدت جهودهم لاضطر المحتلون - مهما كانت قوتهم وغطرستهم - إلى الانسحاب من تلك البلاد. لكن مواقف بعضهم، مع الأسف الشديد، ينطبق عليها قول الشاعر الأمير عبد الرحمن البواردي:
ديرة لي بلاها اليوم برداها
كيف تبرا البلاد وعيبها فيها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.