أعرف ماذا سيقول الطبيب.. كأني أعرف التشخيص مسبقا.. هذا ما يدور بذهني وأنا أسحب خطواتي إلى الطبيب الباطني في عيادته.. أسئلة متلاحقة كشف سريري.. ثم مواعيد وأشعة وتحاليل.. لديك يا ابنتي التهاب في المعدة والقولون العصبي، هدِّئي روعك، الدنيا لا تستحق.. خرجت من عنده.. أعرف أن الدنيا لا تستحق.. وأعرف التشخيص مسبقاً.. كنت أقول ذلك عدت إلى المنزل أصطدم بأكوام الحقائب المصفوفة عند باب غرفتي.. منذ أيام قلائل.. عدت إلى منزل أهلي.. لا مطلَّقة ولا متزوجة.. هربت من منزلي شاردة خائفة الحقائب مكانها، علّق أبي بأنها تبعث الضيق في نفسه كلما صعد وكلما نزل، أبي صار مكلوماً بعد وفاة أمي رحمها الله.. صار الوجه الملائكي أب برتبة أم، ولكنه يبلع الألم كثيراً كلما استجدت أحداث.. وأنا أخشى ارتفاع الضغط ومسببات أخرى قد أكون أنا السبب فيها له.. لذا وقفت حائرة.. ماذا أفعل؟! غرفتي أيضاً تحتاج إلى إعادة ترتيب وأنا متعبة كثيراً ناديت الخادمة لتساعدني على حمل الحقائب.. كان أول تعليق يصلني.. لماذا عدتِ؟ وكم سأبقى؟ بلعت الغصة الأولى.. شيء ما يجعلني لا أبالي وأشياء ما أيضاً تجعلني أبالي.. سحبت حقائبي.. فتحتها كل شيء له ذكرى ولكن سيئة كل شيء يحمل صوتاً لكنه مكسور.. وماذا بعد؟! انتهيت من الحقائب قائمة طويلة من الألم لم تنته بعد.. كيف سأعود لحياتي الطبيعية غير المشوهة وغير المكسورة؟ كيف لي أن أرفع وجهي وقد كانت قسماته تفيض شباباً وحيوية؟ والآن أصبح وجها الفواجع تأكل نضارته.. فمن أقاضي؟! نصب ظنه أهلي جديرا بي! أم سفه وطيش من رجل ظن الحياة عرس ودفوف وزحام مباركين!! من ألوم؟ أنا وقد كان عمري بستانا من النبت الأخضر والطلع البهي لأكون زوجة أليق بمن زفُّوني إليه؟! من ألوم ؟!! وطابور طويل طويل من ألسنة المتكلمين تلوكني.. تأكلني!! تطارد اعتزازي بنفسي ويقيني أني كنت حورية في أنهار الحلم.. يقول الطبيب.. لا شيء يستحق!! بل كل شيء يستحق. ويستحق ويستحق!!