استبدل هنا كلمة تأليف المقررات الدراسية التي تعودنا على سماعها إلى إعداد المقررات الدراسية لأن ما يتم فعلاً هو تجميع للمفاهيم والحقائق العلمية والمعارف بأسلوب موضوعي منهجي، فالأمر أقرب إلى الإعداد منه إلى التأليف وإن كان ذلك يعد من الشكليات التي لا خلاف عليها إلا أن المنطلق الأساس في إعداد المقرر الدراسي يتمثل في كون النشاط العقلي تحكمه عدة مؤشرات خارجية وداخلية، وتتمثل المؤثرات الداخلية في الجوانب النفسية والعضوية للمتعلم، مثل الذكاء وسلامة الحواس والقدرة العضلية على مزاولة التدريبات العملية ومؤثرات خارجية تشمل جميع المثيرات والمؤتمرات الخارجية التي توجه عملية التعليم مثل الحاجة والحوافز والتقبل والقناعة، وإن كانت تعد من الجوانب النفسية في الغالب إلا أنها مؤثرات خارجية في أغلب الأحيان، وأهم محفز لتلك المؤثرات المحتوى التعليمي الذي يسهم اسهاماً فاعلاً في درجة النشاط العقلي للمتعلم. ولكي يكون المحتوى شاملاً وواقعياً لا بد أن يعطى المتعلم فرصا تعليمية مبنية على الخبرات المباشرة ومرتبطة بواقعه عوضاً عن الشرح النظري البحت، على أن يتم ذلك في ظروف تعليمية متطابقة مع المفاهيم والحقائق العلمية التي يعرضها المحتوى التعليمي. وتأتي كل الظروف بنتيجة جيدة عندما يختار المعلمون الأكفاء المتمرسون في المجال التعليمي، والمعدون وفق مفهوم الكفايات التعليمية الخاصة والعامة مع الأخذ بمضمون الأهداف التعليمية لكل مساحة في المحتوى، وتحديد المفاهيم والأفكار والعمليات والمبادئ الهامة لتحقيق تلك الأهداف. إن المحتوى للمادة التعليمية هي المادة العلمية التي تحدد طبيعة المعرفة وتطورها من وقت لآخر، وكذلك توضيح طبيعة التعلم وترجمة ذلك كله إلى ممارسات تربوية علمية عملية لتطبيق المحتوى عمليا، وللوصول إلى تحقيق هذا التوجه لا بد أن يصاغ المحتوى بأسلوب منهجي وفق الأهداف التعليمية، حيث أنه يعبر عن خبرات علمية وعملية منظمة ويطلق عليها أحياناً المادة الدراسية أو تصميم المحتوى العام، وتصميم المحتوى العلمي كمقرر دراسي مهارة تتطلب قدرات تربوية وتعليمية. كما أن تنظيم المحتوى وتسلسل الأفكار يتطلب دراسة مستفيضة لطبيعة البرنامج التعليمي ومستوى المستفيد من هذا البرنامج. على أن يراعى في ذلك اللغة والقيّم والأعراف الاجتماعية إلى جانب عدم الخروج عن الاطار الإسلامي. وأن تكون المفاهيم العلمية المراد عرضها من خلال المحتوى التعليمي من الدقة والحداثة بمكان، بحيث تواكب تطور العلوم وتسهم في رفق كفاءة المتعلم وفق المعطيات التقنية الحديثة. هذا يتطلب البحث في المصادر العلمية وتوثيق المفاهيم ويخطئ من يدعي أن كتابة مادة علمية لمقرر دراسي سهل لأنه ليس سوى تجميع المعلومات ووضعها بين دفتي كتاب. إن إعداد المادة العلمية يتطلب مهارة في ربط المبادئ العلمية والتطبيقات المعملية في المواد العلمية مع واقع البيئة التي يعيش فيها المتعلم لتقريب تلك المفاهيم إلى ذهنه عندما ننقله من المجردات إلى الملموسات وهذا مدعاة إلى تنمية قدراته الابتكارية.يفضل معظم التربويين أن يعد المحتوى بأسلوب يساعد المتعلم على الكشف وحل المشكلات عن طريق وضوح المحتوى مع التأكيد على أهمية أدوات التعلم والنشاط والتمارين والرسوم والجداول التي تسهم في توضيح الألفاظ المجردة. وفي عصر الانفجار المعرفي وتدفق المعلومات وتطور وسائل نقلها يجب الاهتمام بمصادر التعلم وجعلها أحد أهم القنوات التعليمية لنقل المتعلم من جمود المقرر الدراسي إلى ديناميكية الوسائل التقنية الغنية بالمفاهيم والحقائق العلمية والكفيلة بنقلها للمتعلم بكفاءة تفوق الكتاب الدراسي بمراحل.. والله المستعان.