تُقبل سوريات على تعلّم فنون الدفاع عن النفس، مثل الجودو والكاراتيه والتايكواندو. وهي رياضات لم تكن تدخل في إطار اهتمامات الجنس اللطيف إلا في ما ندر. فمع تردّي الأوضاع الأمنية وتزايد الأخطار التي يواجهنها كالاختطاف والسرقة والتحرّش الجنسي، تجد كثيرات أنه من الضروري اكتساب مهارات جديدة للدفاع عن النفس، لا سيما أن الانفلات الأمني يجعل من اعتمادهن على الاستجابة السريعة لقوات الشرطة أو النجدة لتخليصهن، أمراً غير فعّال. استرجاع الثقة الإجراءات الدفاعية التي كانت اتخذتها آلاف السوريات في شكل عفوي منذ بداية الأزمة تلخّصت في تضييق دائرة تحركهن، خصوصاً التنقل وحيدات ووقف تعاملهن مع سائقي سيارات الأجرة الغرباء، وضبط أوقات الخروج من المنزل والعودة إليه. لكن هذا لم يلغ استمرار حصول انتهاكات متفاوتة وممارسات عنيفة بنسبة 50 في المئة وفقاً لدراسات رسمية سابقة. وهي لا تقتصر على الأماكن الخاصة كالبيوت في حالات العنف المنزلي، أو أماكن العمل التي تعتبر مواقع ملائمة للانتهاكات ضد النساء، وإنما أيضاً في الأماكن العامة التي ينظر إلى النساء فيها على أنهن أهداف سهلة المنال مقارنة بالرجال. وهذا ما شجع كثيرات على الانضمام إلى أندية رياضية من أجل اكتساب مهارات دفاعية شخصية، من شأنها منحهن الثقة بالنفس وتمكينهن من التصرّف في حالات الضرورة. تواظب دارين منذ ثلاثة أشهر على الخضوع لحصص تدريبية في نادٍ للتايكواندو في أحد أحياء دمشق. وقد شجعتها صديقتها كي تقدم على هذه الخطوة، بعد أن تعرّضت لحادثة سلب وتهديد بسكين. وتوضح أنها التقت في النادي «بأخريات سبقنني إلى تعلّم هذه الرياضة، ما جعلني أمضي قدماً في خياري. وبدأت أسترجع ثقتي بنفسي بعد الحادثة المرعبة، كما أن الرياضة تملأ جزءاً كبيراً من أوقات فراغي الطويلة الناجمة عن منعي من الذهاب إلى الجامعة». وتلفت زميلتها سراب إلى أن «الفتيات في النادي يشعرن بأنهن أصبحن أكثر قدرة على مواجهة أي اعتداء قد يتعرّضن له. كما تعتقد كثيرات أنهن لو تمكّن سابقاً من اكتساب مهارات الدفاع عن النفس لتعاملن بطريقة مختلفة مع مواقف عدة تعرّضن لها». اهتمام متزايد ولم تقتصر هذه المسألة على الأفراد، بل استحوذت على اهتمام مؤسسات ناشئة كمؤسسة «عزتي» الشبابية التي شرعت في نقل هذه القضية إلى نطاق مجتمعي أوسع، من خلال تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية مختصة بزيادة الوعي الاجتماعي في مجال ثقافة الدفاع عن النفس، عبر تزويد الأفراد والجماعات بأدوات الحماية الذاتية، من خلال حلقات توعية ودورات تدريبية للكبار والأطفال وفق مناهج علمية وعملية. ونظّمت «عزتي» ورشة عمل لمدة يومين شهدت إقبالاً كبيراً، خصوصاً من فتيات أبدين اهتماماً كبيراً بنشاط المؤسسة، ورغبن في الاستفادة من الخبرات التي توفرها، وباعتبار أنها مؤسسة محترفة تسعى للوصول إلى مجتمع سلمي لا عنفي من خلال نشر مبادئ الدفاع عن النفس. وتشير لميس (تملك نادياً رياضياً) إلى «ميل واضح عند الفتيات ظهر في السنتين الأخيرتين، لتعلّم رياضات دفاعية على حساب الرياضات الأنثوية التقليدية كالجمباز أو فنون الرقص الأخرى، ما دفعنا إلى التعاقد مع مدرب لتعليم التايكواندو للسيدات بعد أن كنا نكتفي بدروس اللياقة والباليه». وتضيف: «نستقبل أسبوعياً مزيداً منهن يرغبن في الانضمام إلى دروس التايكواندو، خصوصاً بعدما تأكدن أن مزاولة هذه الرياضة لا تحدث أية تغييرات في أشكال أجسادهن. كما تحظى كثيرات منهن بموافقة الأهل على هذه الخطوة». «الرياضات القتالية» أو يسمى رياضات الدفاع عن النفس بعيداً من إطار المنافسات والمباريات، تدفع الجنس اللطيف لتعلّمها. وهو توجّه عالمي يعزز هذا الاهتمام تقوده منظمات دولية ويظهر جلياً في إعلانات وبرامج إعلامية.