مَرّ أكثر من عقد على دخول العالم القرن الواحد والعشرين ولا يزال بعض الجهات في الوطن العربي يناقش جدوى عمل المرأة، ويعتبر أن من الأنفع للمجتمع والأسرة أن تكتفي المرأة بإدارة البيت أو العمل في مجالات محددة تليق بطبيعتها، كالتعليم على سبيل المثال. وعلى رغم كل ما قيل ولا يزال يقال منذ مؤتمر المرأة الذي عقدته الأممالمتحدة في بكين منذ نحو ثمانية عشرة سنة أي عام 1995، والذي دعا الدول المشاركة إلى تبني سياسات واستراتيجيات تقود إلى تمكين المرأة ورفع أنواع التمييز كافة ضدها ودمجها كلياً في النشاطات الاقتصادية والثقافية والسياسية، فإن الكثير من الدول العربية أما لم يتبنَّ استراتيجيات وسياسات من هذا النوع، أو تبناها ظاهرياً فقط أي من دون تنفيذ أو نفذها جزئياً أو بدأ تنفيذها ثم تراجع عن ذلك بسياسات معاكسة، أو تبناها في مجالات معينة كالتعليم وناقضها في مجالات أخرى خصوصاً في العمل والسماح لها باحتلال مواقع اتخاذ القرار. ويلاحظ بخاصة أنه كلما تفاقمت مشكلة البطالة في وقت ما كلما تعالت الأصوات التي تعتبر أن السبب هو دخول المرأة إلى سوق العمل. من المتعارف عليه اقتصادياً أن مجموع ما ينتجه أي بلد من سلع وخدمات خلال فترة زمنية محددة بسنة مثلاً (إجمالي الناتج المحلي)، هو حصيلة جهود عنصرين: القوى العاملة فيها وحجم تراكم رأس المال من بنى تحتية وماكينات ومعدات ومدى كفاءة وتطور هذين المكونين. وبذلك تعتبر اليد العاملة المؤهلة والمتطورة عنصراً أساساً في تكوين إجمالي الناتج المحلي ومعدلات نموه السنوية. ومن المسلم به أن القوى العاملة لا تمثل كل السكان، حيث يستثنى صغار السن الذين هم دون الخامسة عشرة وكبار السن الذين هم فوق الخامسة والستين. لذلك يعتبر عبء الإعالة أي نسبة عدد الأطفال والطلاب وكبار السن إلى النشطين اقتصادياً، أي فئة 15-64، مهماً في تحديد مستوى الرخاء الاقتصادي الذي يتمتع به أفراد المجتمع. فكلما ارتفع عبء الإعالة، أي نسبة غير العاملين إلى العاملين، كلما تأثر الاقتصاد ومستوى الرفاه الاقتصادي سلباً. وإذا ما أضيفت النساء إلى الفئات التي تستوجب الإعالة يمكن تصور مدى الارتفاع الذي سيحصل في عبء الإعالة والانخفاض في مستوى الرفاه الاقتصادي. ففي بلد يبلغ عدد سكانه 20 مليوناً مثلاً، وعدد الأطفال دون سن ال15 حوالى 8 ملايين، وكبار السن مليونين، وعدد الذين ما زالوا مستمرين في الدراسة مليوناً، فإن عدد الأفراد الذين يستطيعون العمل هم 9 ملايين. ولكن إذا حجبت المرأة عن سوق العمل، ونفترض أنها تكوّن 50 في المئة من مجموع الأفراد في سوق العمل، فإن عدد القوى العاملة في المجتمع سيكون 4.5 مليون فقط وسيرتفع عبء الإعالة كثيراً حيث يقوم 4.5 مليون بإعالة 20 مليوناً، ونتيجة لذلك يمكن توقع: 1- انخفاض مستوى الرفاه الاقتصادي بسبب ارتفاع عبء الإعالة. 2- ضعف مستوى إجمالي الناتج المحلي بسبب عدم استغلال كل الطاقات الاقتصادية، ما يضطر الدولة إلى الاستعانة باليد العاملة الأجنبية وما ينتج من ذلك من أعباء على ميزان المدفوعات. ويعتبر ارتفاع نسبة عمل النساء إلى مساهمة الرجال أحد مؤشرات التنمية البشرية. إذ أظهر التقرير الذي نشرته الأممالمتحدة عن الموضوع عام 2011، ارتفاع نسبة عمل النساء إلى حصة الرجال بين عامي 1980 و 2009 بحسب مؤشرات التنمية البشرية، كالآتي: 1980 2009 مستوى تنمية بشريةعالٍ جداً 0.602 0.754 مستوى تنمية بشرية عالٍ 0.582 0.643 مستوى تنمية بشرية متوسط 0.630 0,644 مستوى تنمية بشرية منخفض 0.601 0.655 وحققت الدول المتقدمة معدلات عالية من نسبة مساهمة المرأة في قوى العمل قياساً إلى حصة الرجل، تجاوزت ال 80 في المئة كما في النروج وفلندا والدنمارك والسويد وكندا والولايات المتحدة. وعلى رغم التحسن الذي أظهرته دول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين بين التاريخين أعلاه، إلا أنها ظلت نسباً متدنية بينما لم تحقق بقية الدول العربية تطوراً ملحوظاً. ففي عام 2009 كانت هذه النسبة في العراق 0.200، وفي الأراضي المحتلة 0.242، ومصر 0.297، وليبيا 0.313، والأردن 0.315، والمغرب 0.327، و0.362 في تونس. إن الدول التي نجحت في تحقيق مساهمة كبيرة للمرأة في مجموع القوى العاملة، لم تعطها فقط فرصاً متكافئة في التعليم والتوظيف، ولكنها أيضاً تخلصت من جدلية عمل المرأة وتعليمها واعتبرت الإنسان فيها ثروة قومية يجب الاستثمار فيها والاستفادة منها بغض النظر عن الجنس. ولهذا الغرض سنّت القوانين ووضعت السياسات التي تساعد المرأة على الجمع بين مهمتها كأم وربة منزل، وبين مساهمتها في النشاط الاقتصادي من خلال العمل الجزئي وإجازات الأمومة المدفوعة والمرونة في ساعات العمل. * كاتبة متخصصة في الشؤون الاقتصادية