"تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    السبت.. 3 مواجهات في الجولة 32 من دوري روشن    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    5 أيام ماطرة على معظم المناطق    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    الحج تحذر: تأشيرة العمرة لا تصلح لأداء الحج    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    ضمك يتعادل مع الفيحاء إيجابياً في دوري روشن    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    ولي العهد يستقبل الأمراء وجمعاً من المواطنين في المنطقة الشرقية    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    تأكيد مصري وأممي على ضرورة توفير الظروف الآمنة لدخول المساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى غزة    القبض على مقيم ووافد لترويجهما حملات حج وهمية بغرض النصب في مكة المكرمة    الأمن العام يطلق خدمة الإبلاغ عن عمليات الاحتيال المالي على البطاقات المصرفية (مدى) عبر منصة "أبشر"    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    استكمال جرعات التطعيمات لرفع مناعة الحجاج ضد الأمراض المعدية.    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    فتياتنا من ذهب    مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    حراك شامل    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بطلات» جنى الحسن يعانين محن الحياة
نشر في الحياة يوم 14 - 02 - 2013

«سأواصل الحكي لأمر واحد لا غير، متعة القول، وربما أيضاً متعة البوح أو متعة الكذب». هكذا تهجس الساردة في الصفحات الأولى من رواية «أنا، هي والأخريات» للروائية اللبنانية الشابة جنى الحسن، (الدار العربية للعلوم، ناشرون). هذه الجملة المفتاحية تحرض بطلة الرواية (المدرجة في اللائحة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2013) على البوح والمكاشفة، فتتدفق ذاكرتها بالقصص والحكايات التي تحيلنا الى عوالم «ألف ليلة وليلة» حيث استطاعت «شهرزاد» أن تنقذ روحها من الهلاك عبر مهارة القص، مع فارق ان بطلة هذه الرواية لا يتربص بها «شهريار»؛ المستمتع ب «نزوة القص المباركة»، وفق تعبير ماركيز، بل هي تمضي في سردها كي تنتقم من واقع قاتم حطّم أحلامها وآمالها، فها هي تحقق ذاتها عبر صفحات الرواية طالما انها أخفقت في تحقيق ذلك على أرض الواقع.
الشخصية المحورية في الرواية هي سحر، وهي الراوية بضمير المتكلم، والشاهدة على معاناتها ومعاناة أقرانها من النساء اللواتي استمرأن المحن والخيبات. نشأت سحر في كنف أسرة مسلمة في مدينة طرابلس اللبنانية. الأب غارق في أحلامه منتظراً «اليوتوبيا» التي لن تأتي يوماً. مثقف يساري آمن بالمساواة والعدالة الاجتماعية، وبعالم خال من الظلم والاضطهاد، غير ان هذه المثالية التي ناضل من أجلها انهارت مع انهيار جدار برلين، فسافر الى الكويت وعاد خائباً، وبدا الاب رهين تلك الاحلام التي قرأ عنها في صفحات الكتب، بيد ان الواقع كان «أصدق إنباء من الكتب». الأم، على النقيض من شخصية الأب، تسعى الى الحفاظ على أسرتها، وهي ملتزمة بالقيم والتقاليد السائدة في محيطها، وتعاني من معاملة زوج فظ لا يولي ادنى اهتمام لمشاعرها.
وسط هذين النقيضين تنشأ سحر، وتتفتح مشاعرها ورغباتها وأحاسيسها على عالم لا يأبه لصوتها الخافت، ولا لأنوثتها الفتية. تعيش، باكراً، نوعاً من الازدواجية في شخصيتها، فثمة شخصية راضخة للقيم والتقاليد، منضبطة ومنقادة، وثمة شخصية أخرى متمردة ومشاكسة رسمتها في خيالها، ولعل هذا الخيال كان ملاذها الوحيد كي تستطيع الاستمرار في واقع مرير وبائس. من الطبيعي، والحال كذلك، ان تستسلم لأول فرصة زواج تتاح لها. لكنها تكتشف، سريعاً، ان هذا الزواج، الذي رُتّب على عجل، لم يكن سوى قيد آخر يضاف الى قائمة الأوامر والنواهي التي لا تحصى. فالزوج سامي لا يكف عن اهانتها ومعاملتها بقسوة وضربها، لتغدو حياة سحر نسخة مشابهة، بل وأسوأ، لحياة والدتها التي سعت الى التمرد عليها وعلى ضعفها، وخنوعها.
لكن الابنة الشقية لا تستسلم بسهولة، بل تدع نفسها على سجيتها كي تعيش مغامرتها الخاصة مع عشيقها ربيع الذي تتقاسم معه الحب والأحلام، وتعوض به الحرمان الطويل. ولا يمكن القارئ وهو يراقب مسار حياة سحر سوى ان يتعاطف معها في «خيانتها المشروعة» هذه، وهو ما يحيلنا، مثلاً، الى رواية «آنا كارنينا» لتولستوي، فالبطلة، التي حملت الرواية اسمها، اضطرت، بدورها، إلى الخيانة وأنهت حياتها انتحاراً. لكن سحر لم تستطع أن تحقق سعيها الى المصير المأسوي ذاته، فإقدامها على الانتحار لم ينجح، ولم يبق أمامها سوى السفر وحتى هذا الخيار لم يكن حلاً، إذ تتراجع في اللحظة الأخيرة.
الإسم والنصيب
ووفقاً للعنوان، فإن الرواية لا تقتصر على مأساة سحر، بل ثمة شخصيات أخرى تظهر تباعاً لتشير الى مدى الإجحاف والظلم الواقعين على كاهل المرأة في المجتمعات العربية، بدءاً من الأم المستسلمة، مروراً بعمة البطلة سامية، التي حملت من اسمها نصيباً وافراً، فهي رفضت الرضوخ لأوامر اسرتها بالزواج من رجل غير حبيبها نبيل، فآثرت الاحتفاظ بحبها والبقاء من دون زواج متمردة على القيم السائدة، لكنها دفعت الثمن غالياً الى ان رحلت وحيدة وهي تحتفظ في قلبها المحطم بذكرى حب نقي، وصولاً الى هالة الانثى المتمردة؛ التي لا تعرف القيود لكن ذلك لن يعفيها من نصيبها من القهر والاحباط، إذ نمت في بيئة فقيرة، وحين حظيت بزوج وفي سرعان ما خطفه الموت لتبقى وحيدة مع ابن مريض.
نماذج من النساء تعاني الاستلاب والقهر والاضطهاد وسط مجتمع مقهور، بدوره، ذلك ان الحسن، هنا، لا تحاكم «الرجل الشرقي»، وفقاً لتلك الصورة النمطية التي تختزل معاناة المرأة في غرور الرجل وعنجهيته. هي تذهب الى أبعد من ذلك لتحاكم منظومة مجتمعية تكرست عبر القرون وخنقت الرجل والمرأة معاً. الجميع ضحايا لمجموعة من القيم البالية والمقولات الجاهزة و «الهويات القاتلة» سواء جاء هذا الانتهاك، المعلن أو الخفي، من المؤسسة الدينية او من الأعراف الاجتماعية او من السلطة السياسية. هذه السلطات تتكاتف وتتواطأ معاً لتقضي على خصوصية المرء ورغباته، ولعل الاثنى، بوصفها كائناً هشاً ورقيقاً، هي الاكثر عرضة للخسارة والانكسار.
تتردد خلال هذه الرواية أصداء الكثير من الاعمال الابداعية التي قاربت عذابات المرأة، بيد أن جنى الحسن تنجح، هنا، في العثور على صوتها الخاص، فهي تتوسل سرداً سلساً؛ محكماً تستعيد من خلاله صورة المرأة الجميلة التي شوهت بفعل إرث ثقيل لم تقوَ كل مظاهر الحداثة والتمدن على أن تزيله. الحوار مقتضب ولمّاح، والزمن يدور ضمن دوائر مغلقة، فالوقائع لا تتصاعد بصورة تقليدية، بل نرى انتقالات من الماضي الى الحاضر، والعكس، عبر توليفة متقنة تخدم بنية الرواية التي جاءت لتروي هموم المرأة بأقل قدر من التكلف والمبالغة، وبعيداً من اية أدلجة او تنظير مجاني. تختار الكاتبة صياغة لغوية هادئة؛ متماسكة لا ارتباك فيها، خصوصاً ان هذا العمل يعد باكورتها الروائية اذا ما استثنينا روايتها الأولى «رغبات محرّمة» التي عُدت تدريباً «انفعالياً»، وتمهيداً لهذا العمل الذي وصل الى القائمة القصيرة في منافسات جائزة بوكر للرواية العربية.
وما يسجل للرواية، كذلك، هو قدرتها على الوصول الى الأعماق القصية للأنثى، وسرد رغباتها وتطلعاتها ومعاناتها، والاصغاء الى نداء روحها المكبوت. جنى الحسن هنا جريئة في البوح بخصوصية الأنثى، والجهر بالمسكوت عنه، وكأنها بذلك ترد على معطى ثقافي حاضر ومستمر في الثقافة العربية يقول «خير الكلام ما كان لفظه فحلاً، ومعناه بكراً»، وهو إعلان، كما يرى الناقد السعودي عبدالله الغذامي، عن قسمة ثقافية يأخذ فيها الرجل أخطر ما في اللغة وهو «اللفظ»، ويبقى للمرأة «المعنى» الذي لا وجود له خارج اللفظ، فالمعنى خاضع لسطوة اللفظ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.