عصماء فتاة السابعة التي أحرقت نفسها احتجاجاً على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان هي واقعة إثبات على فشل ثورتنا اليمنية. عصماء التي حرمت من حضن أبيها الدافئ هي واقعة إثبات على سيادة السجان فوق سيادة القانون، وما أكثر السجانين في هذه البلاد. يحسب للثورة المصرية نجاحها الباهر في محو جهاز القمع الذي سيطر على مصر لأكثر من 25 عاماً (جهاز أمن الدولة) والذي كان النظام يستخدمه كأداة لتمرير كل مشاريعه القمعية ضد الشعب المصري فسامهم من خلاله سوء العذاب ، إذ كان يقتل أبناءهم ويسحل نساءهم، وعندما هب الشعب المصري واقتلع نظام مبارك كان أول ما طالب به هو إلغاء جهاز أمن الدولة والاكتفاء بالأمن العام، وكان لشعب مصر ما أراد، وأصبح ذلك الجهاز من الماضي الذي انتهى بنهاية مبارك وآله. أما ثورتنا في اليمن فقد خمَد أوارُها بمجرد نقل علي عبدالله صالح من دار الرئاسة إلى قصره المنيع بمنطقة حدة، وبقيت أجهزته التي بناها (طوبة ... طوبة) تعيث في الأرض فساداً، فلا الثورة أوقفتها عند حدها ولا رجالها خُلعوا كما خُلع رئيسهم الذي زين لهم المنكر معروفاً والمعروف منكراً. فواأسفاً على الدماء التي أريقت من أجل حرية الشعب في جولة الكرامة (القادسية) وفي أزقة القاع وتحت جسر النصر (كنتاكي)، واأسفاه على آلام الجرحى وآهات الثكالى وأحزان اليتامى الذين يرون أن ثورتهم أبقت على ما فعلت بعصماء. لو وقعت الحادثة في مكان آخر لضجت الأرض لهولها كما ضجت السماء، ولتدفقت سيول الأحرار نحو مقار أجهزة القمح تهدمها حجراً حجراً، لكنها وللأسف حدثت في اليمن حيث قست القلوب وتحجرت المشاعر وتبلدت الأحاسيس. لو كان الحادث في تونس لانفجرت ثورة جديدة أعنف من ثورة البوعزيزي، ولو كانت الحادثة في الهند لألهبت ثورة عارمة أشد من تلك التي أعقبت اغتصاب فتاة، ولو كانت الحادثة في دولة ديموقراطية لرأينا "القمش" ووكلاءه ومدير سجنه وسجانه وراء القضبان يحاسبون على جنايتهم بحق الإنسانية التي لا ينتمون إليها بأي حال من الأحوال. لكن الحادثة وللأسف وقعت في اليمن. أقترح (تخصيص يوم يكون يوم) الانتصار لعصماء - إن كان فينا بقية "ثورة" - نصحح فيها مسار أجهزة الأمن، ونطهرها من الخبث الذي علق بها. وإلا أيها الثوار عودوا إلى مساكنكم، فما حققتم أهدافكم ولا أنجزتم وعودكم ولا انتصرتم لدماء شهدائكم... طالما بقيت أجهزة الأمن تعتقل أحراركم وتسوم إخوانكم العذاب ويضحك جلاوزتها على ذقونكم.