أثار تصريح مدير صندوق التنمية البشرية ردودَ فعل غاضبة تناثرت في وسائل الإعلام، التقليدي منه وغير التقليدي. الظاهر من التصريح دعوةٌ لقبول المهن الحرفية وعدم الخجل منها في حال عدم الحصول على غيرها، أما باطنه، ففشلٌ ذريع في معالجة مشكلة عمل المرأة، التي تنحصر في الصراع بين حدّين: الأول الحاجة المستجدّة إلى وظيفة المرأة، فدخل الرجل وحده لم يعد كافياً لمتطلبات الحياة الجديدة، ولم يعد من المنطقي تعطيل النساء وتجميد قدراتهن ومنعهن من الكسب واستثمار طاقاتهن، هن اللواتي خرجن منذ نصف قرن للتعلم في المدارس والجامعات، بل وتخرجن من الجامعات الأجنبية. أما حدّ الصراع الآخر، فهو المحافظة على دور المرأة التقليدي، من باب حفظها وربط دورها بالبيت. عمل المرأة قضية «مشربكة» نحتاج إلى تفكيكها، تماماً كما نفكك قنبلة يمكن أن تثور في وجهنا لأدنى خطأ، فإن شجعتها على العمل والخروج فأنت تغريبي، وإن حاربتها ودعوت إلى جلوسها في البيت فأنت رجعي. قوة العمل النسائية هي 5.5 مليون امرأة سعودية، يعمل منهن نصف مليون فقط (أي أن نسبة البطالة 89٪)، وتقدَّم منهن لبرنامج «حافز» مليون امرأة، 38٪ من المتقدمات حاصلات على البكالوريوس، ولا تزال الأرقام تَعِدُ بالمزيد بعد عودة المبتَعَثِين والمبتعَثات. فما الحل الحصيف لهذا الواقع الكسيف؟ الجواب: العمل خادمات في البيوت، مثلما كان حل عطالة الشباب البيع في سوق الخضار. سوق الخضار والخدمة في البيوت هما الحلان اللذان استطاعهما المخططون، تحت شعار أن العمل شرف. من يستطيع القول إن العمل ليس بشرف؟ لكن قبل سوق الخضار وقبل الخدمة في البيوت... هل قامت وزارة العمل وصناديق التنمية البشرية بواجبها كي توفر فرص عمل كريمة في بلد غني مثل السعودية؟ هل غصت المشاريع والمؤسسات بالعاملين والعاملات وفاضت لتقول مثل هذا الكلام؟ لو تحدثنا فقط عن صاحبات المهارات البسيطة والطبقات الفقيرة، التي يظن «الصندوق» أن عمل الخدمة في البيوت يليق بهن، فإن أمامنا أعمالاً نسيَتْها الحلول، مثل فتح مصانع للنسيج وصياغة الذهب ومعامل للخياطة ومغاسل للثياب والتجميل وصناعة العطور والأغذية، وأبسط مثال هو ما قامت به وزراة الدفاع بفتحها المجال للنساء في العمل بمصانع خياطة الملابس والبدل العسكرية، فهل احتج أحد على عمل حرفي شريف مثل هذا؟ ثم ماذا عن حاملات الشهادات العليا والجامعية؟ هل سيعملن خادمات أم مربيات؟ لا تزال النساء يبعن على الطرقات والقرارات تحول دون فتح متاجر صغيرة لهن إكراماً لهن ووقاية، ولكي تحصل المرأة على سجل تجاري لا بد لها من وكيل، ولكي تشتكي للمحكمة لا بد لها من معرِّف أو وكيل، ولكي تسوق سيارتها لا بد لها من بديل. لا تتمكن المرأة من مباشرة شأنها إلا بمن ينوب عنها، لكن لا بأس أن تعمل خادمة في البيوت! نصف مليون من بين 9 ملايين امرأة عدد النساء في المملكة يعملن، لكن هذا النصف مليون وقف في حلوقكم ولم تعرفوا كيف تتعاملون مع ما بعده، وفي الأخير جاء الحل المريع من صندوق التنمية البديع: خدامات، «هو دا اللي ربنا أقدركم عليه؟». [email protected]