بعد أن أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية عن مشاركة المرأة في انتخابات مجالس البلدية عادت مرة أخرى واستبعدت مشاركة المرأة مبررة ذلك باعتبارات اجتماعية. المرأة لا تقود السيارة في السعودية لاعتبارات اجتماعية، وتمتلك 96 بليوناً مجمدة في البنوك لا تقوم بدورتها الاقتصادية لاعتبارات اجتماعية، لدينا 2000 محامية لا تعترف بهن وزارة العدل لاعتبارات اجتماعية، والمرأة لا تخرج للشارع ولا تختلط بالناس والبشر لاعتبارات اجتماعية، حتى يكاد المرء يظن أن هذه الاعتبارات الاجتماعية منظمة خارجية تعادي المرأة. الرجل تطوّر دوره في المجتمع المحلي، لم يعد ذلك الغازي ولا الراعي ولا الفلاح، والبلاد خرجت من الخيمة والبستان، وأصبحت دولة ومؤسسات وتنمية واقتصاداً جديداً وعضواً في مجتمع دولي، بينما بقيت المرأة أسيرة الذهنية القديمة ذهنية المرأة محلها البيت، ولو احتجنا لنساء فإن استقدامهن من الخارج أجدى. كيف يمكن أن تخطط دولة لبرامجها التنموية، والتوافق مع منظومات سياسية دولية كحقوق الإنسان، حماية المرأة ضد التمييز، وهي لا تتصرف إلا وفق اعتبارات اجتماعية ترفض أن تتطور وتندمج مع حركة لعالم من حولها؟ وكيف تغلب هذه الاعتبارات كل الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والثقافية؟ النساء في السعوية عددهن 9 ملايين امرأة، أي نصف التركيبة السكانية تماماً، منهن 5 ملايين في سن العمل أو يمثلن قوة عمل لا يعمل منهن سوى 750 ألف سيدة، يتكدس معظمهن في قطاع التعليم، حيث فاق عددهن عدد الذكور لاعتبارات اجتماعية أيضاً، فهل يمكن أن نفكك هذه القنبلة التي اسمها اعتبارات اجتماعية ونفهم من الذي يصممها؟ ومن الذي يضعها في طريق المرأة؟ حتى بات بينها وبين قرينتها في البلاد الخليجية عقود من التخلف والجمود؟ في مصر وبعد نهاية الثورة الشعبية أول من هبط للشارع في حملة تنظيف شوارع مصر هي امرأة صحبت أطفالها الثلاثة، وشرحت هدفها بالقول إنها نزلت تنظف الشارع لكي تعلّم أطفالها مسؤولية الحفاظ على الوطن، وما إن بدأت حتى تجمع معها عشرات ثم مئات ثم ألوف يكنسون الشوارع، أصبحت النظافة وحماية الممتلكات العامة قيماً بعثها شعور المواطنة الذي قادته امرأة. وقد غابت هذه القيم لدى المواطن العربي عندما غابت عنه المشاركة السياسية فصار كل ما يعنيه في هذه البلاد منزله وأولاده، لهذا غرقنا كلنا في أشكال من اللامبالاة بما حولنا، لم يعد لشيء له قيمة طالما هو خارج بيوتنا وطالما هو لا يخصنا شخصياً. عزل المرأة في السعودية عن البرامج الانتخابية والمشاركة في مجالات الحياة العامة لا يمثل خطراً على المرأة ذاتها بل يمثل خطراً على المجتمع، فهذا الكائن المعزول هو الذي تتربى على يده أجيال من الشباب والشابات، فكيف يمكن أن تنقل المرأة لأبنائها وطالباتها الحس بالمواطنة، والانتماء إلى المكان والشعور بالمسؤولية؟ إن لم تشعر هي بانتمائها إليه وبمسؤوليات حفظه وتطويره. إن تجميد طاقة تعادل نصف المجتمع هي خسارة ليست للنساء فقط بل للمجتمع بكامله. [email protected]