جبلت كتب التربية والتعليم عند جيلي على تكرار قصص مثل (وامعتصماه)، تلك المرأة المستغيثة بمن ينصرها ويذود عن كرامتها، حين لطمها أحد جنود الروم في القرن التاسع الميلادي. وفي التراث الحربي البدوي عرف طقس اسمه (العطفة) الذي تحمل فيه أجمل جميلات القبيلة على جمل في خدرها لتكون مقابل عيون شبابها ورجالها، ولتذكرهم بأن أي تخاذل منهم أو هزيمة سيودي بهذه الجميلة والجميلات الأخريات. ظل هذا التراث يعلي من أهمية دور الرجل في حماية المرأة، ويحمد صبر المرأة التي تتراجع عن حقها بانتظار كريم شجاع يأتي ليخلصها. لكن هذا التاريخ الذي لا تراه الفتيات في واقعهن قد انتهى عند سكان الشبكات الاجتماعية من «فايس بوك» و «تويتر» و «يوتيوب» الذين يبلغ عددهم 225 مليون عربي، أمام صورة فتاة اسمها أسماء محفوظ، هذه الفتاة من مواليد 1958، وهي التي ظهرت يوماً على شاشة «اليوتيوب» تقول لشباب مصر ورجالها: (لو مش حتنزل تدافع عن حقك تبقى مش راجل، لو آمنت بأن التغيير مش ممكن تبقى مهزوم). تحدثت أسماء بأمل ظن ثمانون مليوناً أنهم فقدوه، كما تحدثت بحرارة فكان عليك أن تنسى أنها تتحدث عن التراجع الذي شهدته مصر لتصدقها. لقد قالت إن التغيير ممكن وقريب، هي صدقت نفسها أولاً ولم تنتظر أن يصدقها أحد، ثم رفعت كرتونة مكتوب عليها سأهبط يوم 25 يناير إلى ميدان التحرير فاتبعني. أسماء التي كان لها دور كبير - لنقل هذا حتى لا نجهض دور آخرين - في الاحتجاجات المليونية التي ملأت ميدان التحرير، ثم ظهرت في تصريحات ومقابلات إعلامية متتالية، كان لها الفضل أيضاً في إلقاء الضوء على الحركة الشبابية التي تنتمي إليها، وهي حركة 16 أبريل. أسماء محفوظ عرفت أن عصر الاستغاثات انتُهب فهبطت إلى الشارع المصري تُنادي باستعادة الكرامة، هي بنت شارع مصري يصف المرأة القوية ب «الجدعة» ومستعد لأن يمشي معها ويردد وراءها ما آمنت به. أسماء محفوظ وكل النساء اللاتي تظاهرن، إنْ بحجابهن، أو بنقابهن، أو بالملابس العصرية، كن يعشن واقعهن لا تراثهن، مستقبلهن لا ماضيهن، كن يعشن واقع الفايسبوك والهاتف المحمول، الفضائيات، التي هي وسائل عصر العولمة. كن يعرفن أن الظروف أنهكت الرجل مثلما أنهكت المرأة، وأن المرأة، التي تحظى بنفس الفرص وبالتعليم وبالتنقل في شارع الحياة، أصبحت شريكاً وصاحبة مسؤولية. أنا شخصياً أحيي أخلاق الشارع المصري التي لمستها وشاهدتها مراراً، فهو شارع شهم يقدر المرأة قوية ويفخر بها، ويعطف على الضعيفة وينصرها، رأيته يمشي ويردد وراء متظاهرات من دون أن يشعر بأن هذا يخدش رجولته، وهو يحمي المرأة الخائفة من دون أن يحرض هذا الأمر وحشيته، وقد شاهدنا وسمعنا كيف حمى شباب اللجان الشعبية النساء اللاتي احتجن إلى حماية ووقفوا معهن في حشود بلغت الملايين من دون أن يتحرش شاب بفتاة أو يسرق مواطناً آخر. أسماء محفوظ، هذه الصورة العصرية للمرأة يجب أن تدخل في نصوص التربية الوطنية والتعليمية والإعلامية، كما أذكر أن أسماء لم تكن الأولى ولا الأخيرة، لكن الثقافة العربية المسيّسة تصر على أن تعيد النساء إلى الموقع الأدنى حين تأتي مرحلة توزيع الغنائم، وهذا الإصرار ليس ذهنية حضارة ودولة. [email protected]