ما زالت قضية مرض جنون البقر BSE واحتمال انتقاله الى الانسان عبر تناول لحوم الماشية المصابة تتفاعل في الاوساط البريطانية والاوروبية، رغم التصريحات الرسمية الداعية للطمأنينة وعدم المبالغة بالانفعال. فقد دفع الخوف من الاصابة بهذا المرض 25 في المئة من البريطانيين وكثيرين غيرهم من الدول الاخرى للاقتصاد في اكل لحم البقر او التوقف عن اكله كلياً حسب استفتاء للرأي العام. وجاء ذلك اثر اصابة 3 مزارعين وضحايا آخرين بمرض كروتزفلت - يعقوب CJD المشابه في اعراضه لمرض جنون البقر عند الحيوان. واظهر الاستفتاء ان اكثر من 50 في المئة من الناس قلقون من اخطار هذا المرض ومن احتمال انتقاله من اخطار هذا المرض ومن احتمال انتقاله من الحيوان الى الانسان. وأشار اخصائي الاعصاب البريطاني المرموق السير برنارد توملنسون الى ضرورة توخي الحذر عند اختيار اللحوم، وتفادي فضلات الذبائح البقرية واحشائها، لأن فضلات العجول الصغيرة ما زالت تباع في الاسواق على رغم كونها مختارة من بين قطعان تحمل العدوى. وكان الطبيب البيطري المسؤول عن فحص الحيوانات في وزارة الزراعة البريطانية والبرفسور توملنسون قررا العزوف عن اكل لحم البقر لازدياد خطر اجتياز العدوى حاجز الاجناس والفصائل الحية واحتمال انتقالها الى الانسان. بينما ادعى اخصائي علم الجراثيم في مستشفى بيرنلي العمومي الدكتور ستيفي ديلر، ان عدداً كبيراً من البقر المصاب ما زال يذبح ويباع في المتاجر الغذائية بعد نزع الاعضاء والفضلات الداخلية منه. تجدر الاشارة الى ان معظم اللحوم المباعة في بريطانيا تحتوي على جرعات غير مقبولة من المضادات الحيوية والهورمونات ومبيدات الحشرات والمخصبات التي يلجأ اليها المزارعون لتسمين قطعانهم وبيعها بأسعار تنافسية تحقق لهم ارباحاً متخمة. وتؤدي هذه الممارسة غالباً الى تشبيع اجساد الماشية بالمواد الكيماوية التي تقلل من قدرتها على مقاومة الامراض وسائر العدوى، بما في ذلك مرض جنون البقر. وكانت وزارة الصحة البريطانية انتقدت بشدة ادعاء البرفسور ريتشارد لايسي، استاذ علم الجراثيم في جامعة ليدز بتفشي مرض كروتزفلت - يعقوب بصورة وبائية نتيجة تناول المواطنين لحوم ابقار مصابة بمرض جنون البقر في الثمانينات. وشددت على عدم وجود علاقة او ادلة علمية تربط بين مرض جنون البقر عند الحيوان ومرض كروتزفلت - يعقوب عند الانسان. كما رفضت ادعاءات اخرى اطلقها مزارعون بأن استخدام المواد الكيماوية المضادة للحشرات مثل املاح الفوسفات العضوية في الثمانينات قد يكون وراء ازدياد حالات الاصابة بمرض كروتزفلت - يعقوب بين المزارعين. وكان البرفسور لايسي أثار سخط الدوائر الصحية الحكومية وهلع آكلي لحوم البقر بادعاءاته الاخيرة عن احتمال ظهور مئات الآلاف او ملايين الاصابات بذلك المرض الخطير في القرن المقبل نتيجة اكل المواطنين اللحوم البقرية الحاملة للعدوى في الثمانينات وبروز الاعراض المرضية بعد انقضاء فترة حضانة المرض التي تستغرق احياناً 35 سنة. وأشار الدكتور وليم باترسون استشاري الصحة العامة البريطاني الى اقتناعه بوجود لحوم ملوثة حاملة لمرض جنون البقر واحتمال ان يكون معظم الذين تناولوا لحم البقر منذ بداية انتشار الوباء في الثمانينات قد تعرضوا للعدوى. وعبّر عن خشيته من ان حقيقة هذا الامر لن تتأكد قبل مرور سنين عدة تكون خلالها الاصابات تضاعفت بشكل وبائي خطير. وحذّر البرفسور كولن بليكمور استاذ الفيزيولوجيا في جامعة اوكسفورد من احتمال انتشار وباء يصيب دماغ البشر. من جهة بيّن بعض الدراسات الوبائية اهمية العامل الوراثي في اصابة بعض الفئات من دون غيرهم بمرض كروتزفلت - يعقوب. فاليهود الليبيون الذين يأكلون ادمغة الاغنام هم اكثر اصابة من غيرهم بهذا المرض. كما ان نسبة حدوثه في بعض المناطق مثل سلوفاكيا هي اعلى ب9000 مرة عن المعدل العام. الا ان هذا لا يعتبر مقياساً لاقتصار الاصابة بالمرض على بعض الفئات المؤهلة وراثياً لاستقباله، فهناك العديد من العرب والآسيويين وغيرهم ممن يأكلون نخاعات او ادمغة الاغنام دون التعرض للاصابة. بنوك الدم مهددة بالعدوى! وصرّح الدكتور بول براون المدير الطبي لخدمات الصحة العامة الاميركية، ان ابحاثه بيّنت احتمال تلوث بعض وحدات الدم المخزونة في بنوك الدم نتيجة تبرع 10 في المئة من مرضى كروتزفلت - يعقوب المرادف لمرض جنون البقر عند الحيوانات، بدمهم قبل ان تظهر عليهم الاعراض. وأكدت ادارة بنوك الدم البريطانية ان نتائج الابحاث الاميركية لا تبرهن الا على وجود خطر نظري غير مدعوم بالأدلة المادية. لكن الدكتور براون قدّم ادلة على امكانية انتقال مرض كروتزفلت - يعقوب الى الحيوان عند حقن ادمغتها بدم ملوث بالعدوى. وأيّد ذلك البروفسور جون كولنج خبير مرض كروتزفلت - يعقوب في مستشفى سانت ماري اللندنية. كما اضاف الدكتور براون بأن العلماء العاملين في المؤسسات الصحية الحكومية في بريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية قدموا ارقاماً تدل على ان ما بين 10 و15 في المئة من ضحايا مرض كروتزفلت - يعقوب قد تبرعوا بدمهم خلال فترة حضانتهم للمرض. وفي سياق البحث عن ادلة جديدة تؤكد وجود علاقة بين مرض جنون البقر عند الحيوان ومرض كروتزفلت - يعقوب عند الانسان، باشرت الدكتورة مويرا بروس في جامعة ادنبره ابحاثاً وتجارب على الفئران شملت حقن انسجة من دماغ البقر المصاب بمرض جنون البقر في فصائل 5 من الفئران، وحقن مجموعة اخرى مماثلة بأنسجة من دماغ البشر الذين توفوا نتيجة اصاباتهم بمرض كروتزفلت - يعقوب. وتأمل الدكتورة بورس ان تظهر النتائج خلال عام ما اذا كانت مواقع الدماغ المتأثرة عند مجموعتي الفئران متشابهة فتؤكد العلاقة بين كلا المرضين، او تنفيها في حال عدم تأثر ذات المواقع بالعدوى. تجدر الاشارة الى ان تشخيص مرض كروتزفلت - يعقوب، الذي يستغرق ظهور اعراضه ما بين سنتين و35 سنة، لا يمكن تأكيده الا بعد وفاة المريض، اذ لا توجد حتى الآن فحوصات مخبرية تؤكد وجوده في الدم، كما هي الحال عند حاملي فيروس الايدز. اجراءات احترازية وازاء موجة الاحتجاجات والانتقادات الصادرة عن رواد العلم وعامة الناس شدد وزير الزراعة البريطاني دوغلاس هوغ الاجراءات الاحترازية لمنع بيع او استخدام احشاء الماشية وخصوصاً الحبل الشوكي في المأكولات المثلجة والبيتزا والنقانق والبرغر. وجاء ذلك بهدف منع انتقال عدوى مرض جنون البقر BSE الى الانسان، حيث يعتقد الخبراء بأنها تسبب مرض كروتزفلت - يعقوب. وكانت السلطات الصحية في بريطانيا منعت تناول احشاء وفضلات البقر عام 1990 والحقت ذلك بتعليمات تحث على سحب الحبل الشوكي لتلك الابقار قبل بيع لحومها. وتحاول الحكومة ان تستند في تأكيداتها على عدم امكانية انتقال مرض جنون البقر الى الانسان الا ان مرضاً شبيهاً بمرض جنون البقر سبق وأصاب الاغنام منذ حوالى 200 عام ولم ينتقل الى الانسان حتى الآن. ويحتج العلماء على ممانعة الدولة اجراء تجارب تبين ما اذا كان اطعام البقر غذاء مدعّماً بأدمغة الاغنام المصابة هو المسؤول عن نقل عدوى مرض جنون البقر. مرض "جنون البقر" يهدد الانسان والحيوان في العشرينات بدأ استخدام الاضافات البروتينية المستخلصة من لحوم وعظام جثث الاغنام لإطعام الماشية. وساعدت المواد الكيماوية المستخدمة في عملية الاستخلاص في القضاء على عنصر العدوى. في الثمانينات استبدلت عملية استخلاص البروتين الكيماوية بعملية المعالجة الحرارية. غير انها فشلت في قتل عامل العدوى. 1985 اكتشفت اولى حالات الاعتلال الدماغي البقري الاسفنجي الشكل BSE عند الماشية. وفي 1986 اكد العلماء وجود هذا المرض رسمياً. 1988 تم اطعام 97 في المئة من الماشية في بريطانيا بكريات صغيرة من الاضافات البروتينية الحاوية على لحم وعظام مستخلصة من الاغنام. في تموز يوليو منعت الحكومة البريطانية الاضافات البروتينية. 1990 دفع الخوف من احتمال انتشار مرض جنون البقر الى الانسان الحكومة البريطانية لمنع الاستهلاك البشري لفضلات الذبائح البقرية. وكانت غزلان بحديقة الحيوان في لندن قد التقطت مرض جنون البقر بعد اطعامها الكريات البروتينية. كما ان العدوى انتقلت الى القطط المنزلية. 1994 يُعتقد ان 50 في المئة من القطعان المنتجة للألبان و13 في المئة من قطعان البقر ربما تكون حاضنة للمرض، وتبين ان عامل العدوى لمرض جنون البقر قد انتقل الى 6 اصناف حيوانية مختلفة شملت الخنازير والفئران والقردة. أيار مايو 1994 تم تأكيد 129 ألف حالة اصابة بمرض جنون البقر في 32 الف مزرعة بريطانية. كما ظهرت حالات اصابة في الماشية في المانيا وفرنسا وسويسرا. ما دفع المانيا للمطالبة بحظر استيراد لحوم الابقار. أخطاره على الانسان يخشى بعض العلماء ان يؤدي اكل لحوم الماشية الموبوءة الى اصابة دماغ الانسان بمرض نادر يسبب الخرف وضمور العضلات والموت. ويعرف هذا المرض باسم "كروتزفلت - يعقوب" CJD. حقائق عن مرض جنون البقر BSE ومرض كروتزفلت - يعقوب CJD - لا يمكن القضاء على جرثومة مرض جنون البقر بعد طبخ اللحم او تعريضه للاشعاعات والمطهرات، اذ يمكنها العيش تحت اقسى الظروف. - لا تظهر اعراض مرض جنون البقر الا بعد سنتين او 4 سنوات عند الحيوان، بينما تستغرق اعراض مرض كروتزفلت - يعقوب ما بين سنتين و35 سنة للظهور عند الانسان. - لا يوجد علاج لأي من المرضين حتى الآن. - لا توجد أدلة ثابتة على انتقال العدوى من اكل اللحوم حتى الآن. - ينتاب الحيوان المصاب بمرض جنون البقر خوف شديد فيصبح سريع الهياج ويقوم بحركات لاإرادية مفاجئة تفقده السيطرة على التوازن فيترنح ويسقط ارضاً. كما يخرج من فمه الزبد ويسير كالتائه العاجز. - يشبه مرض كروتزفلت - يعقوب في بعض اعراضه مرض الزايمر او الخرف الشيخوخي. اذ يصاب الانسان بالاكتئاب والنسيان والدوار وطنين الاذنين. ويصعب عليه المشي وصعود السلالم، وغالباً ما يسقط ارضاً عند الاستدارة. كما يعجز عن استخدام يديه للكتابة او الخياطة. وتتطور حالته فيبدأ بالمعاناة من ارتعاش والتلوي وتنتابه نوبات هستيرية ترافقها حركات لاإرادية. وفي مراحل المرض الاخيرة يعجز الانسان عن النطق والاكل والاستجابة، ويصاب بسلس البول فيظهر كحالة نباتية ينتابها الجمود. الأمراض التي انتقلت من الحيوان الى الانسان من الامراض الشائعة التي اجتازت حاجز الاجناس وانتقلت من الحيوان الى الانسان يمكن ذكر الآتي: داء الذبال Anthrax، داء الكَلَب Rabies، داء المقوسات Toxoplasmosis، داء البروسيلات Brucellosis، داء البريميات الدقيقة Leptospirosis، داء الشعرينات الحلزونية Trichinosis، داء السل او الدرن Tuberculosis. وليس بغريب ان يتعرض ملايين البشر للمرض او الموت نتيجة التقاطهم بعض الأمراض من الحيوانات، خصوصاً تلك التي تسبب تسمم الطعام. اما الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان والتي تأصلت اساساً عند الحيوان قبل انتقالها الى الانسان فأهمها: الزكام: الذي ظهر نتيجة لاحتكاك اسلافنا بالخيول منذ 10000 سنة. وقد تطورت الفيروسات المسببة للزكام عند الخيول وتغيرت فازداد عددها عن 80 منذ انتقالها الى الانسان. الحصبة: التي نشأت اصلاً عند الذئاب ثم انتقلت الى الكلاب وتغير فيروسها فأصاب الماشية وتغير مرة اخرى ليركّز تأثيره على الانسان منذ 6000 سنة. الزهري: او مرض السفلس الذي انتقلت عدواه من القرود ما بين 25000 و18000 سنة قبل الميلاد عن طريق اللمس، ثم تطور ليصبح مرضاً جنسياً عند الانسان. الكوليرا: التي نشأت عند الاغنام والابقار ثم اصابت الانسان عام 1817 في الهند وانتشرت بسرعة حول العالم بعد ان غيّرت الجرثومة تركيبها.
