وزير الدفاع يبحث مع نظيره البوركيني التطورات    القضية المركزية    توجيه بسحب الأوسمة ممن يفصل من الخدمة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    الهلال يتطلع للحسم أمام الأهلي    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    هيئة الشورى تقر إحالة عدد من التقارير والموضوعات    تقويم لائحة الوظائف والنظر في المسارات والفصول الثلاثة.. ماذا تم..؟    ثلاثة آلاف ساعة تطوعية بجمعية الصم بالشرقية    أمير الرياض يحضر افتتاح مؤتمر «المروية العربية»    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    صندوق البيئة يطلق برنامج الحوافز والمنح    البنك السعودي الأول يسجل ملياري ريال سعودي صافي دخل للربع الأول    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الأول للورد والنباتات العطرية    حتى لا نفقد درراً !    رؤية المملكة 2030 في عامها الثامن    القيادة تهنئ ملك هولندا    "جاياردو" على رادار 3 أندية أوروبية    القيادة تهنئ ملك هولندا بذكرى يوم التحرير لبلاده    إبعاد "حكام نخبة أوروبا" عن روشن؟.. القاسم يردّ    شاركني مشاكلك وسنبحث معاً عن الحلول    (800) منتج وفرص استثمار.. الرياض تستضيف أكبر معرض لصناعة الدواجن    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    مهرجان الحريد    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    العوفي يحتفل بزفاف نجله حسن    فلكية جدة : شمس منتصف الليل ظاهرة طبيعية    "سلمان للإغاثة" يُدشِّن البرنامج الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح والقسطرة بالجمهورية اليمنية    60 طالباً وطالبة يوثقون موسم «الجاكرندا» في «شارع الفن» بأبها    أبها تستضيف أول ملتقى تدريبي للطلاب المشاركين في برنامج الفورمولا 1 في المدارس    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    ورحل البدر اللهم وسع مدخله وأكرم نزله    عزل المجلس المؤقت    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    انطلاق تمرين "الموج الأحمر 7" بالأسطول الغربي    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    وصول التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" إلى الرياض    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    على واقع المظاهرات الطلابية.. أمريكا تعلق شحنة أسلحة لإسرائيل    رونالدو يسجل أرقام قياسية بعد الهاتريك    أجواء "غائمة" على أجزاء من 5 مناطق    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعامل مع البنوك كان البداية ... والموقف من الختان أخيراً . مصر : "حرب فقهية" بين شيخ الأزهر والمفتي
نشر في الحياة يوم 07 - 11 - 1994

هل فرض على المصريين ان يألفوا الوقوع في حيرة بسبب التناقض بين ما يعلنه شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق وما يفتي به المفتي الدكتور محمد سيد طنطاوي؟ لا يكفي ان يشيد كل منهما بالآخر امام وسائل الاعلام وفي اللقاءت العامة ليخفى ما بين الرجلين من تناقضات تبدو بوضوح في آراء كليهما في القضايا الفقهية ولا سيما منها تلك التي تستأثر بالاهتمام الشعبي.
على رغم حرص الشيخين الشديد على ألا يوجه اي منهما انتقاداً علنياً الى الآخر، فإن ما يصدرانه من فتاوى احدث نوعاً من الجدل في الاوساط المصرية حتى صار هناك فريق من بين المصريين يتبع فتاوى المفتي وآخر ينتظر غالباً رأي الازهر ليحدد موقفه وسلوكه.
ولم ينس المصريون بعد الخلاف بين المفتي وشيخ الازهر على مسألة التعامل مع البنوك التجارية، ففي حين احلها الاول، أكد الثاني ان فوائد البنوك ربا وجب الابتعاد عنها او التعامل معها. وهم مشغولون حالياً بالخلاف الذي نشأ بين الرجلين على مسألة ختان الإناث. فبعدما اعلن المفتي انها "عادة وظاهرة ولا أساس لها في الشريعة الاسلامية" ولم يمانع في سن الدولة قانوناً يحظر ختان الإناث، اصدر شيخ الازهر بياناً اكد فيه ان الختان للرجل والأنثى "من فطرة الاسلام وشعائره وطريقته على الوجه الذي بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح ان يترك توجيهه وتعليمه الى قول غيره". وحرص الشيخ جاد الحق على ان يعلن اثناء استقباله اخيراً السفير الاميركي في القاهرة ادوارد ووكر "ان موقف الشريعة من مسألة الختان للذكور والإناث واضح وان الخطأ في التطبيق لا يعيب القاعدة الشرعية". وكان شيخ الأزهر يعلق على الفيلم الذي بثته شبكة التلفزيون الاميركية "سي. ان. ان." الذي صور حلاقاً يقوم بعملية ختان لفتاة مصرية.
البنوك كانت البداية
بدأ سجل الخلافات بين الازهر ودار الافتاء عام 1989 على مسألة التعامل مع البنوك التجارية إثر اصدار المفتي طنطاوي فتوى تبيح التعامل مع المصارف وتحل شهادات الاستثمار، ما دفع شيخ الازهر الى إصدار اكثر من بيان اعلن فيه معارضته فتوى المفتي مؤكداً "ان فوائد البنوك ربا غير جائز قبوله".
وكان مجمع البحوث الاسلامية في الأزهر اصدر فتوى سنة 1385 ه 1965 م، بتحريم فوائد البنوك داعياً الى البحث عن البديل الاسلامي من النظام القائم للمصارف. وفي 1392 ه 1973 م تقدمت مصر وباكستان الى مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية بمشروعين مثلا البديل الاسلامي. وشهد عام 1395 ه 1975 م انشاء بنك التنمية الاسلامي بمشاركة 25 دولة من بينها مصر.
وحرص الازهر لسنوات عدة على إصدار بحوث تبين الفرق بين البنوك التجارية والبنوك الاسلامية، من بينها بحث أصدره تحت عنوان "حكم ودائع البنوك وشهادات الاستثمار" ونشر في عدد شهر شعبان 1402 ه من مجلة الازهر. وأكد البحث ان ودائع البنوك "عقد قرض شرعاً وقانوناً". ثم نشر الأزهر بعد ذلك بشهرين بحثاً آخر مكملاً للبحث السابق تحت عنوان "حكم اعمال البنوك في الفقه الاسلامي". وفي 1406 ه 1985 م شارك في المؤتمر الثاني لمجمع الفقه من منظمة المؤتمر الاسلامي الذي اصدر قراراً ب "تحريم التعامل المصرفي بالفوائد" ودعا الحكومات الاسلامية الى "تشجيع المصارف الاسلامية القائمة والتمكين لاقامتها في كل بلد اسلامي لتغطي حاجة المسلمين لئلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته".
أشهر خلاف
وحتى النصف الاول من 1982 لم يكن هناك خلاف يذكر بين المفتي والأزهر. إلا أن النصف الثاني من العام نفسه شهد اشهر خلاف بين الطرفين، حينما اعلن المفتي في تصريحات صحافية انه وجه اسئلة الى رئيس مجلس ادارة البنك الاهلي المصري عن اسلوب عمل البنوك من بينها السؤال: هل تعتبر ودائع البنوك عقد قرض او وديعة اذن صاحبها بالاستعمال؟ وبعدما تلقى المفتي الاجابات عن الاسئلة اصدر فتواه التي احل فيها التعامل مع البنوك التجارية وأقر بأن شهادات الاستثمار حلال. الا انه طلب من رؤساء البنوك تغيير كلمة فائدة بكلمة عائد حتى يزيل اللبس لدى عامة الناس.
وأصدر المفتي كتاباً حمل اسم "معاملات البنوك وأحكام الشريعة"، شرح فيه دوافع الفتوى والنصوص الشرعية من أحاديث وآيات قرآنية تؤيدها. وقال المفتي الصفحة الرقم 19 من الكتاب: "أما القسم الثاني من اعمال البنوك والمصارف فتتمثل في الاستثمار، اي في البحث عن الوسائل التي تؤدي الى تنمية الاموال وزيادتها عن طريق الربح الذي احله الله تعالى، والاستثمار بهذا المعنى يعد من صميم الاهداف والمقاصد التي أُنشئت من أجلها البنوك التجارية الاستثمارية في جميع بقاع الارض".
وازدادت الازمة حدة عندما اصدر الازهر ملحقاً خاصاً من مجلة الازهر التي تصدر عن مجمع البحوث الاسلامية حوى بياناً للشيخ جاد الحق علي جاد الحق اكد فيه "أن مجمع البحوث الاسلامية من مهامه، بحكم قانون تنظيم الأزهر، بيان الرأي في ما يجد من مشكلات مذهبية او اجتماعية او اقتصادية، وانه قد قال قوله الفصل في تحريم فوائد البنوك حتى صار في حكم الأمر المعلوم من الدين بالضرورة ويعلو على الامور المختلف عليها حيث استند الى القرآن الكريم والسنة المطهرة".
حجاب التعليم
وتكفل الزمن بالسيطرة على الخلاف بين الطرفين. وبمرور الوقت هدأت القضية وصار لكل فريق مؤيدوه وانصاره. ويبدو ان حرص البنوك التجارية على إنشاء اقسام للمعاملات الاسلامية ساهم في التهدئة واستمرار الوضع على ما هو، لكن الايام حملت معها اسباب خلاف جديد وآراء متناقضة جعلت حيرة المصريين مستمرة.
وخاص الأزهر معركتين في وقت واحد: الاولى ضد برنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة في ايلول سبتمبر الماضي، والثانية ضد قرار وزير التعليم الدكتور حسين كامل بهاء الدين بتحديد الزي المدرسي. وعكست القضية استمرار الخلافات بين الازهر ودار الافتاء، وبمعنى ادق بين شيخ الازهر والمفتي.
وفي حين كان الخلاف علنياً وحاداً ومباشراً على مؤتمر السكان، جاء الخلاف على قرار تحديد الزي المدرسي بطريقة غير مباشرة، فالأزهر اصدر بياناً انتقد القرار وطالب الوزير بتعديله. وبدا ان الخلاف الرئسي بين الازهر ووزير التعليم.
وأحجم المفتي عن الخوض في القضية، واكتفى بتصريح نشرته صحيفة "الاهرام" يوم 2 / 8 / 1994 قال فيه: "الذي اعرفه عن الاستاذ حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم انه رجل مسلم قوي في إسلامه منظم في تفكيره، واستبعد ان يصدر عنه اي قرار يتنافى مع احكام الشريعة الاسلامية".
وأضاف: "اما كون القرار قد اشتمل على طلب مكتوب من ولي الامر بالنسبة الى الحجاب فهذا ليس ضد الحجاب في ذاته وانما هو تأييد للاحتشام ولستر ما أمر الله بستره. وفي الوقت نفسه فان القرار يستهدف ان يكون ولي الأمر على علم بما ترتديه ابنته ولا يعني القرار منع المحجبة من دخول المدرسة. وفي تصوري ان اشتراط علم ولي الامر هو أمر تنظيمي اقتضته ملابسات الوضوح الكافي وحتى لا يقال ان فلانة لم ترتد الحجاب برضاء وليها وانما ارتدته لعوامل خارجية، فهذا القرار هو لون من ارجاع الامور الى مصادرها الصحيحة".
وخلص المفتي الى ان "من الواجب على الفتاة البالغة ان تستر ما أمر الله تعالى بستره سواء رضي ولي الأمر او لم يرض والوزير لم يطلب اكثر من ان تكون المدرسة او ولي الأمر على علم تام بحال الابنة ولا يوجد ما يمنع الحجاب اطلاقاً".
الأزهر يهاجم الوزير
وعلى النقيض تماماً كان موقف الازهر حاداً، وأصدرت لجنة الفتوى فيه بياناً هاجم وزير التعليم بشدة "لتضمن قراره اشتراط الموافقة الكتابية لولي الأمر على ان ترتدي ابنته الحجاب". وطالب البيان الوزير بالعدول عن القرار "حتى يتسق في نصوصه وهدفه مع ما قضت به نصوص القرآن والسنة". وأشارت اللجنة الى ان القرار يؤدي الى "كشف جزء من الساقين ويبرز بعض قسمات الجسم على نحو يخالف تعاليم الشريعة الاسلامية، ومن ثم فإن هذا القرار وتوابعه خالف الدستور الذي ينص على ان دين الدولة الرسمي هو الاسلام والشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع".
ورأت لجنة الفتوى في الأزهر ان القرار "تسبب في إشاعة القلق وقوبل من جماهير المسلمين والمسلمات بالاستنكار الشديد كونه يفرض التكشف والسفور على النساء المسلمات مع ان الله أمرهن بالتصون والحشمة والعفاف". وأضافت: "اذا كان الهدف توحيد الزي للفتيات في المدارس فلا حرج في هذه الغاية، ولكن الوسيلة على نحو ما جاء في القرار وتوابعه غير مشروعة، وان من القواعد في فقه الاسلام ان الخير لا يوصل اليه بشيء محرم".
مؤتمر السكان
لكن خلاف الشيخين في شأن مؤتمر السكان والتنمية كان أكثر بروزاً وأقوى تأثيراً، خصوصاً ان الدولة كانت تقف بكل ثقلها خلف المؤتمر وتدعمه وان قوى التيار الاسلامي وجدت في معارضة الازهر بعض ما جاء في وثيقة المؤتمر سنداً لها في مهاجمتها المؤتمر. حتى ان جماعة "الاخوان المسلمين" المحظورة اصدرت بياناً قبل عقد المؤتمر ذكرت فيه "ان الاخوان يؤيدون بكل قوة موقف الأزهر الشريف في ما ذهب اليه بيان مجمع البحوث الذي يقرر ان الاسرة هي مصدر السكينة والرحمة، وان الحمل محرم اسقاطه مطلقاً، وان الاسلام لا يقر اي علاقة جنسية بغير طريق الزواج الشرعي". وكان واضحاً ان "الاخوان" حاولوا استثمار بيان الازهر في شأن مؤتمر السكان لجهة تعبئة رأي عام معارض لعقده في مصر.
ازدياد الحيرة
وعلى رغم ان توصيات المؤتمر كانت مرضية لجميع الاطراف بعد تعديل الوثيقة، فإن الخلاف بين المفتي وشيخ الازهر استحوذ على اهتمام المصريين الذين ازدادوا حيرة بين مواقف الشيخين. فالمفتي كان اعلن قبل بدء اعمال المؤتمر "انه لا يوجد في مشروع توصيات مؤتمر السكان والتنمية اي شيء ضد تعاليم الاسلام ولم اجد فيها اي توصية تشجع العلاقات الجنسية الحرة خارج الحياة الزوجية او تشجيع الاجهاض كوسيلة من وسائل منع الحمل".
وقال "الاهرام" 22 / 8 / 1994 "ان الترجمة من النص الانكليزي الى العربية جانبها الصواب في انتقاء الكلمات المناسبة مما دفع الكثير من الناس الى مجال التخمين وليس الى مجال الحقيقة. بل ان بعض الكلمات ترجمت بحيث بدت "باهتة" المعنى "مطموسة" المعالم فأصبحت غير محددة الهوية مما ترك العنان لأصاب التفسيرات".
وأرجع الدكتور طنطاوي الحملة على المؤتمر الى "دخول البهلوانات المنافقين الذين يخدمون المصلحة الخاصة التي ينطق بها كل واحد منهم، ومن علامات فساد الزمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان كلمة الدين قد ينطق بها من لا دين له". وبدا واضحاً دعم المفتي للمؤتمر حتى انه حرص على حضور ندوة عقدت في منتدى الجمعيات غير الحكومية التي عقدت اجتماعات على هامش المؤتمر.
وبخلاف ذلك تماماً، كان موقف الازهر صارماً وحاداً وأصدرت جبهة علماء الازهر بياناً ذكرت فيه ان برنامج عمل المؤتمر في بعض بنوده "يمثل تهديداً لمقومات الامة الاسلامية وقيمها الاصيلة الراسخة مما يعني التدرج الى طمس الهوية الذاتية لكل المجتمعات النامية بما فيها المجتمعات الاسلامية".
وكذلك اصدر مجتمع البحوث الاسلامية برئاسة شيخ الازهر بياناً ذكر فيه "ان المطلع على مشروع برنامج عمل المؤتمر يرى ان ما زخر به من تعبيرات فضفاضة وعبارات مطلقة ومصطلحات مبتدعة يوحي بأنه يرمي الى تبني نقيض ما وضعه الاسلام من مقومات اساسية للاسرة ويسمح بالاجهاض في غير الحالات التي تسمح فيها الشريعة الاسلامية بذلك، ويهدف الى حماية العلاقات الجنسية التي تقوم بين الجنس الواحد او الجنسين المختلفين عن غير طريق الزواج الشرعي بما يهدم القيم التي تحرص عليها الاديان السماوية جمعاء ويؤدي الى تشجيع الفاحشة وتفشي الامراض الوبائية التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي".
نعم ثم لا لقانون حظر الختان
خرج الدكتور علي عبدالفتاح عمر وزير الصحة المصري من مكتب شيخ الازهر قبل ايام وأعلن للصحافيين انه ناقش مع الشيخ اتخاذ الاحتياطات اللازمة لئلا يزاول عمليات الختان سوى الاطباء في المستشفيات لتوافر الضمانات، ونفى الوزير ان تكون الحكومة في صدد تقديم مشروع قانون الى مجلس الشعب البرلمان لحظر ختان الاناث.
ولم يكن الامر يحتاج الى جهد كبير لتفسير موقف الازهر وشيخه من مسألة الختان في مواجهة موقف دار الافتاء والمفتي الذي وقف الى جانب اصدار قانون لمنع ختان الإناث. وبدا التناقض واضحاً بين تصريح وزير الصحة وما كان اعلنه وزير السكان الدكتور ماهر مهران "الاهرام" 26 / 9 / 1994 من ان "مجلس الشعب سيناقش خلال الفترة المقبلة مشروع قانون عن حماية الطفل يتضمن تحريم ختام الإناث اعده رجال القانون والطب والاجتماع".
وأكد "ان ختان الإناث في منتهى الخطورة ويجب ان يختفي فالدين لا يجيز هذا الموضوع، ومواجهة هذا الموضوع تحتاج الى حملات توعية الى جانب التعليم". وقال الوزير: "ان مشروع القانون يؤكد ان كل ما يترتب على هذا الفعل - اي ختان الإناث - سيعتبر جريمة ولها عقوبة".
واستنتج المصريون ان تراجع الحكومة عن تقديم مشروع القانون الى مجلس الشعب يعود الى معارضة الازهر على رغم رأي المفتي الذي اختير احد ابرز اعضاء لجنة تشكلت اثر المشكلة التي اثارتها ال "سي. ان. ان." واطلقت عليها اسم "لجنة ختان الإناث" وضمت الى جانبه علماء اجتماع واطباء وشخصيات عامة ومثقفين. وعقدت اللجنة اجتماعاً قبل ايام رحبت فيه بعزم الحكومة على تقديم مشروع قانون حظر ختان الإناث الى مجلس الشعب. وأكدت في بيان اصدرته على الأثر ان ختان الإناث "ليس له اساس من الشريعة الاسلامية ومجرد عادة وظاهرة يجب تشجيع العمل على القضاء عليها".
موقف المفتي
وبخلاف القضايا الفقهية الاخرى رأى المفتي في بيانه عن الموضوع ان الحديث عن الخفاض اي الختان الامر فيه سهل اذا اجمع جمهور الفقهاء على انه سنة بالنسبة الى الذكور ويرى بعضهم انه واجب. اما الختان بالنسبة الى الإناث فلم يرد في شأنه حديث صحيح يحتج به وإنما وردت اثار حكم المحققون من العلماء عليها بالضعف، ومنها حديث "ان الختان سنة للرجال مكرمة للنساء"، وحديث: "لا تنهكي فإن ذلك اخصب للمرأة واحب الى الرجل"، و "لا تنهكي" معناها "لا تبالغي في استقصاء الختان"، وفي رواية "أشمي ولا تنهكي" اي اقطعي شيئاً يسيراً. ومنها حديث: "إلق عنك شعر الكفر واختتن"، وحديث "من اسلم فليختتن"، وقد ذكر هذه الاحاديث جميعها الإمام الشوكاني في كتابه "نيل الاوطار" وحكم عليها بالضعف بعد الكلام المفصل عن اسانيدها.
وذكر قول الإمام ابن المنذر "ليس في الختان حيز يرجع اليه ولا سنة تتبع"، وقال صاحب كتاب "عون المعبود شرح سنن ابي داوود" بعدما ذكر ما جاء في الختان "وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرضت".
واستشهد المفتي طنطاوي بكتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق، جاء في الكتاب، الصفحة 33: "احاديث الامر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء". ولفت المفتي الى ان "بعض علماء الاجتماع يرى ان الخفاض سبب في انتشار المخدرات في البلاد التي تزاوله ومنها مصر لأن الزوج يجد شهوته اقرب من شهوتها فيستعين ببعض العقاقير التي شاع خطأ انها تبطئ مواقاة الماء من الرجل". وخلص الى انه "لا يوجد نص شرعي صحيح يحتج به على ختان الاناث. والذي اراه انه عادة انتشرت في مصر من جيل الى آخر وتوشك ان تتعرض وتزول بين كل الطبقات ولا سيما طبقات المثقفين ومن الأدلة على انها عادة ولا يوجد نص شرعي يدعو اليها اننا نجد معظم الدول الاسلامية الزاخرة بالفقهاء تركت ختان الاناث. وما دام الامر كذلك فإني ارى ان الكلمة الفاصلة في مسألة ختان الاناث مردها الى الاطباء، فإن قالوا في اجرائها ضرر تركناها لأنهم اهل الذكر في ذلك، وان قالوا غير ذلك فعلى وزارة الصحة في مصر ان تتخذ كل الاجراءات القانونية لاجراء هذه العملية بالنسبة الى الإناث بطريقة يتوافر فيها الستر والعفاف والكرامة الانسانية التي تصون للفتاة انوثتها السوية".
الأزهر يناقض
وقبل يومين من استقبال شيخ الازهر وزير الصحة وبعد ثلاثة ايام من الاجتماع الذي عقدته لجنة ختان الاناث وحضره المفتي، اصدر شيخ الازهر فتوى في الموضوع اكد فيها "ان الختان للرجال والنساء من فطرة الاسلام وشعائره، وانه امر محمود ولم ينقل عن احد من فقهاء المسلمين قول بمنع الختان للرجال او النساء، او عدم جوازه او اضراره بالانثى"، مشيراً الى ان "الاختلاف في وصف حكمه بين واجب وسنة ومكرمة يكاد يكون اختلافاً في الاصطلاح الذي يندرج تحته الحكم".
وأوضح الشيخ جاد الحق "ان ختان الاناث من فطرة الاسلام وطريقته على الوجه الذي بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح ان يترك توجيهه وتعليمه الى قول غيره".
ولم يعتد شيخ الازهر برأي المفتي من ان الاحاديث النبوية التي وردت في شأن الختان ضعيفة وغير محققة، وقال: "المستفاد من النصوص الشرعية ومن اقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت في كتب السنة والفقه ان الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا اليها الاسلام وحث على الالتزام بها على ما يشير اليه تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الختان وتعبيره في بعض الروايات بالخفض مما يدل على القدر المطلوب في ختانهن". وشدد على انه "لا يصح ان يترك أمر الختان وتوجيهه وتعليمه الى قول غير قول الرسول صلى الله عليه وسلم ولو كان طبيباً لأن الطب علم والعلم متطور تتحرك نظرته ونظرياته دائماً".
الاطباء اختلفوا ايضاً!
ويبدو ان الخلاف بين المفتي وشيخ الازهر على مشكلة ختان الاناث لا يقتصر عليهما وحدهما، اذ امتد ايضاً ليشمل الاطباء الذين انقسموا فريقين الاول يؤيد رأي المفتي والآخر يؤكد ان رأي شيخ الازهر هو الصحيح.
فالدكتور علي الداروتي، استاذ الامراض الجلدية والتناسلية في كلية الطب - جامعة القاهرة، يؤكد ان ختان الاناث يؤثر تأثيراً كبيراً في استمتاع الزوجة بالعلاقة الزوجية، مشيراً الى "ان الطب لا يوصي مطلقاً بعملية ختان البنات، وما يحدث في الريف وبعض المناطق الشعبية ينتج منه تلوث واصابات بكتيرية قد تكون لها مواقف وخيمة".
ولا يختلف رأي الدكتور عادل صادق، استاذ الطب النفسي، كثيراً عن رأي الدكتور الداروتي، الا انه يشير الى ان الختان يمثل عملية بتر تظل مختزنة لدى الفتاة مدى الحياة. ويقول: "هناك من يزعم ان استئصال هذا الجزء قد يجعل الفتاة لا تنحرف وهم بذلك يربطون بين مفهوم الاخلاق والغريزة، ويرون ان الفتاة ليست لها ارادة في ذلك، وهذا الامر يحرمها من الاعتزاز بذاتها الاخلاقية والانسانية الناشئة من ختانها".
لكن الدكتور منير محمد فوزي، استاذ امراض النساء في جامعة القاهرة، حمل رأياً مخالفاً، يقول: "المؤكد ان الختان من السنن المؤكدة، واذا كانت العملية تتم في الريف والمناطق الشعبية عن طريق الحلاقين والقابلات فعلى الدولة ان تتصدى لذلك". وطالب الحكومة بتنفيذ برامج تدريبية للاطباء على اجراء عمليات الختان بالتخدير على ان تؤدى بطريقة تجميلية للاناث اللاتي يحتجن اليها.
ويضيف: "المطلوب ازالة الجزء الزائد عن الحدود الطبيعية لأن وجوده لدى بعض الاناث يسبب التهابات مزمنة نتيجة الاحتكاك ولكثرة النتوءات ما يسبب افرازات وتكاثر البكتيريا خصوصاً في المناطق الحارة".
جدل واتفاق
وبين آراء الازهر واحكامه وبيانات المفتي وفتاويه يظل الجدل دائراً في مصر حول اختلاف الآراء بينهما. غير ان علماء الدين في مصر لا يجدون في الامر قضية بل هم يؤكدون ان الخلاف دائماً يكون في وجهات النظر، في حين ان الاتفاق بين الشيخين قائم في اصول الدين واحكامه.
وينأى العلماء عن الخوض في اسباب الخلاف بين دار الافتاء والازهر او بين الشيخين اللذين يرأسان المؤسستين، لكن القوى السياسية في مصر لا تخفي مواقفها من كل طرف، ف "الاخوان" كما ذكر من قبل رحبوا ببيان الازهر عن مؤتمر السكان، في حين رأى الدكتور رفعت السعيد الامين العام لحزب التجمع المعارض "انه لا يجوز للازهر او لجنة الفتوى فيه ان يكون لها دور اكثر من الدور المحدد لها. واذا حاول الازهر ان يعطي لنفسه دوراً اكبر فعلى السلطة التنفيذية ان تتدخل حتى لا تفقد الدولة مقوماتها".
اما الدكتور عبدالعظيم رمضان فقال: "من حق الازهر ان يطرح وجهة نظره ويبدي رأيه لكن ليس من حقه ان يفرض رأيه".
المفتي وشيخ الازهر في القانون المصري
هل يعود التناقض بين المفتي وشيخ الازهر الى ان القانون المصري الذي حدد مهمات دار الافتاء والازهر جعل هناك تشابكاً بين خصائص الجهتين ومهماتها؟ القانون ذكر ان "مفتي الجمهورية يرأس دار الافتاء التي تتبع وزارة العدل ومهمتها اصدار الفتاوى الفقهية رداً على اسئلة افراد الشعب في المسائل التي يشق عليها فهمها او تحتاج الى رأي فقهي مستحدث".
كما ان القانون نص على ان الازهر "هو الهيئة العلمية الاسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الاسلامي ودراسته ونشره، وتحمل الرسالة الاسلامية الى كل الشعوب وتعمل على اظهار حقيقة الاسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة...". وشيخ الازهر وفقاً للقانون "هو الامام الاكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الاسلام وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الاسلامية بالازهر ويرأس المجلس الاعلى للازهر".
طنطاوي قبل عامين: رأي المفتي فوق كلمة شيخ الازهر
في العدد الرقم 3035 من مجلة "آخر ساعة" المصرية الصادر في تاريخ 23 / 12 / 1992 وفي الصفحة التاسعة نشرت المجلة حواراً مع المفتي الدكتور محمد سيد طنطاوي قال فيه: "هناك قضايا لا يصح لغير المتخصصين او لغير المفتي وأؤكد على كلمة المفتي الذي معه مستشاروه ومعه من يعاونه من اهل العلم والخبرة، لا يصح لغير هؤلاء ان يفتوا في تلك المسائل المهمة مهما كان منصبه وقدره. فمثلاً عندما نتكلم عن معاملات البنوك لا يصح ان يأتي إنسان مهما كان، واقول مهما كان منصبه او مرتبته، ليقول حلالاً او حراماً ولا وألف لا".
وفي الصفحة 55 من العدد نفسه تكملة للحوار يقول فيه المفتي: "كل واحد عليه ان يعرف وظيفته وان يعرف حدود مسؤوليته، هذه الدولة - وسجل هذا الكلام على لساني - ينبغي عليها ان تحدد الاختصاصات". وتابع: "المفتي الرسمي للدولة له وظيفة محددة هي بين الحرام والحلال. ورأي المفتي في هذا الجانب - وسجل على لساني - فوق رأي شيخ الازهر، واكرر كلمة المفتي في ما يتعلق بالحلال والحرام فوق كلمة شيخ الازهر".
المفتي : أزهري من الصعيد
ولد المفتي الدكتور محمد سيد عطية طنطاوي في مدينة طما في محافظة سوهاج في 28 تشرين الاول اكتوبر 1928 وحصل على الدكتوراه في التفسير والحديث من كلية اصول الدين في جامعة الازهر 1966 وعمل مدرساً في كلية اصول الدين سنة 1968 ثم استاذاً مساعداً في اسيوط سنة 1972، واستاذاً سنة 1976 فعميداً لكلية الدراسات الاسلامية سنة 1986. وعين مفتياً للديار المصرية سنة 1986.
شيخ الازهر: مفتٍ سابق
ولد الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في مدينة طلخا في محافظة الدقهلية سنة 1917م. حفظ القرآن ثم التحق بالجامع الاحمدي في طنطا سنة 1930 ودرس في كلية الشريعة حتى حصل على الشهادة العالمية مع تخصص القضاء الشرعي سنة 1945، وعين بعد تخرجه في المحاكم الشرعية في كانون الثاني يناير 1946 وتدرج أميناً للفتوى في دار الافتاء سنة 1952 ثم قاضياً في وزارة العدل سنة 1954، وعضواً في المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية سنة 1965 ورئيس محكمة سنة 1971 ومفتشاً قضائياً سنة 1974، ومستشاراً في المحاكم ومفتشاً قضائياً اول سنة 1975 ومفتياً للديار المصرية سنة 1978 ووزيراً للاوقاف سنة 1982 وتولى مشيخة الازهر سنة 1982.
وهو عضو في مجمع البحوث الاسلامية وعضو في المجلس الاعلى العالمي للمساجد ورئيس المجلس العالمي للدعوة والإغاثة القاهرة وعضو لجنة التحكيم في جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام. وحصل الشيخ جاد الحق على وشاح النيل سنة 1983 ووسام الكفاءة والعلوم من المغرب سنة 1984.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.