"كثيراً ما يثير خروج مفكر تنويري من بيننا أسئلة متعجّبة أبرزها تتعلق بكيفية استطاعة هذا الفرد الخروج من ثقافته التقليدية وهو يقبع جسدياً في عمق عمقها. نتحدث هنا عن عصر لم يكن الانفتاح الحالي موجوداً فيه، نتحدث عن الخمسينات والستينات من القرن الماضي في قلب نجد، في بريدة، حيث عاش إبراهيم البليهي طفولته في أسرة اشتهرت بعدد من الفقهاء والقضاة، على المذهب الحنبلي ومن المدرسة السلفية". ما تقدم جزء من مقدمة الكتاب الذي صدر للكاتب عبدالله المطيري، بعنوان:"البليهي في حوارات الفكر والثقافة" نادي حائل الأدبي بالتعاون مع دار الانتشار يقع في 417 صفحة وجمع فيه حوارات عدة للمفكر إبراهيم البليهي. يصف المطيري في كتابه البليهي بالمفكر المهم،"ولكن لا توجد في المكتبات مادة تجمع لب أفكاره، إحساسي بهذا الفقر دفعني إلى جمع هذه المادة وكتابة مقدمة تعريفية به، هذه هي الخطوة الأولى من الاهتمام بالبليهي، لاحقاً سأقدم دراسات عن البليهي وربما كتاب نقدي لأفكاره وفي ظل غياب المؤسسات الثقافية فأنا أتناول هذه المسؤولية". ويطرح المؤلف أن البليهي"لم ينعتق مما تمت برمجته عليه في بيئته الأولى فقط، بل إنه قد توجه إلى عملية البرمجة ذاتها متأملاً فيها ومفكراً، احتاج هذا الأمر إلى الكثير من الجهد والاهتمام والمعاناة والصبر والصدق والشجاعة، ولكنه أثمر في النهاية طرحاً قادراً على الإيقاظ". والحياة، يقول المطيري، ينبغي أن تعاش عند البليهي جداً لا هزلاً"بوصفها رحلة يسعى فيها الفرد لتحقيق ذاته من خلال تحمل مسؤوليته في التفكير. وكما نعرف فإن هذا بالذات هو شعار التنوير في السابق وفي كل وقت. أن يتحمل الفرد مسؤولية تفكيره ولا يوكلها إلى الآخرين. ولتحقيق هذه القيمة تعمق البليهي كثيراً في فهم آفة العقل البشري التي تورثه الكلل والكسل وتعوقه عن القيام بمسؤولياته". ويلفت المطيري أن البليهي"لا يرى في مسيرته الفكرية انقطاعاً وتحولاً حاداً، من توجه معين أو أيديولوجية محددة إلى نقيضها. وبالفعل فإن البليهي لم يتبنّ أيديولوجية محددة، حدث هذا في أوج وعنفوان الأيديولوجيات القومية والماركسية في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. وهي الأيديولوجيات التي قل أن انعتق منها مفكر عربي. كما أنه لم يقع في شرك الأيديولوجيات الإسلامية صاحبة الحضور الواسع والعريض في الثمانينات والتسعينات". ويقول:"كان السؤال المحوري في مسيرة البليهي الفكرية هو سؤال:"لماذا تقدم آخرون وتخلفنا نحن؟". أو كما يعبر عنه بقوله:"السؤال الذي رافقني منذ البداية هو: لماذا بقي التطور الحضاري المذهل في العصور الحديثة محصوراً بمجتمعات قليلة، بينما طوفان التخلف ما زال يغمر أكثر مجتمعات الدنيا؟ ولماذا ظللنا نحن المسلمين ضمن المجتمعات المتخلفة؟ كانت مسيرة البليهي كلها للإجابة عن هذا السؤال، من دون أن يقع في فخ الإجابات الجاهزة والمعلبة من نوع"البعد عن الدين"كما تطرح الأيديولوجيا الإسلامية أو"تسلط المستعمر وتفرق العرب"كما تطرح الأيديولوجيا القومية أو"سيطرة الإمبريالية وعدم ثورة البرولوتاريا"كما في الأيديولوجية الماركسية".