5 محاور لأدوات الإعلام السياحي بهيئة الصحفيين بمكة    إسرائيليون متطرفون يطالبون بإعادة احتلال غزة بعد انتهاء الحرب    بلينكن يطمئن أوكرانيا بقرب وصول المساعدات    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب 115 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    2374 كادراً صحياً يتأهبون للالتحاق بسوق العمل    انطلاق "استجابة 14" للتعامل مع الطوارئ البيئية    بيان مشترك لمجلس الشراكة الإستراتيجي السعودي البريطاني    5 ميداليات خليجية للأولمبياد السعودي الخاص    أوبك: لا تغيير في توقعات الطلب في 2024    تعاون لتعزيز الرياضة المجتمعية    ريما بنت بندر لوفد "آيسف": فخورة بمنافستكم طلاب العالم    انطلاق اجتماع المجلس التنفيذي ل"الألكسو" في جدة    5.8 مليار لصيانة المساجد خلال 5 سنوات    الشورى ينتقد ضعف شبكات الاتصالات ويطلب معالجتها    أمير المدينة يستقبل أمين جائزة «مدني لدراسات تاريخ الجزيرة العربية»    توضيح آليات تنفيذ تحمل الدولة للرسوم الجمركية لمدخلات الإنتاج الزراعي    وزير دفاع روسيا: نريد النصر في أوكرانيا ب"أقلّ" خسائر بشرية ممكنة    شرطة مكة تقبض على مواطن أساء للذات الإلهية    فيصل بن فرحان يلتقي وزير خارجية سوريا    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية الكويتي    رضوى" تكشف خططها التوسعية في معرض الشرق الأوسط للدواجن    وصول الطائرة السعودية 49 لإغاثة أهالي غزة    أمير تبوك ينوه بالجهود والإمكانات التي سخرتها القيادة لخدمة ضيوف الرحمن    مستشفى الملك سعود بعنيزة ينهي معاناة"خمسينية" من تشنجات متكررة    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الحدود الشمالية    وزير الخارجية يُشارك في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية    مجلس الوزراء: ضوابط لتخصيص عقارات الدولة للقطاع غير الربحي    محافظ بيشة يدشن جمعية النخيل الإعلامية    أبو الغيط: التفاوض الثنائي بين إسرائيل والفلسطينيين لم يعد ممكناً    الكلام أثناء النوم قد يتطلب استشارة الطبيب    كلوب لا يشعر بالإحباط عقب تعادل ليفربول مع أستون فيلا    اعتماد اشتراطات الإعفاء للأسواق الحرة بجميع المنافذ الجمركية    سابتكو تواصل الخسائر رغم ارتفاع الإيرادات    تغييرات كبيرة في أجانب الاتحاد    القمة العربية في البخرين نحو تعزيز التضامن العربي ومواجهة التحديات المشتركة    أولى رحلات مبادرة «طريق مكة» من تركيا تصل إلى المملكة    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    نائب أمير مكة: منع الحجاج المخالفين ساهم بتجويد الخدمات    القادسية يحسم لقب دوري يلو    التجديد إلكترونياً لجوازات المواطنين الصالحة حتى (6) أشهر قبل العملية    المملكة رائدة الرقمنة والذكاء الاصطناعي    «الممر الشرفي» يُشعل ديربي العاصمة    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    الكويت في الصدارة مجدداً    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نراه بعد أربعين عاماً على الرحيل ؟
نشر في الحياة يوم 07 - 10 - 2010

لو أننا جمعنا وحللنا كل ما كتب في الأربعين عاماً الماضية عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لاكتشفنا قدراً هائلاً من اختلاف الرأي يبلغ أحياناً درجة من التناقض والتباين يصعب فهمها. وإذا اعتبرنا أن الفترة الزمنية للجيل الواحد تغطي عشرين عاماً فمعنى ذلك أن هناك جيلين تاليين على وفاة عبدالناصر كانا ضحية لقدر كبير من الحيرة والالتباس في تقييم شخصية الرجل الذي وصف دائماً بالزعيم. السؤال الآن: هل كانت حيرة العرب وتناقضهم حول تقييم شخصية جمال عبدالناصر بسبب شخصية الرجل نفسه أم بسبب العقلية العربية - والمصرية على وجه الخصوص - التي ما زالت ترى في إصرار غريب أن تقييم الزعماء السياسيين لا يستوعب سوى الرفض المطلق أو التأييد الكامل؟ لماذا لم ندرك بعد أنه ما بين هذين الموقفين الحديين والحادين توجد مساحات أخرى للتقييم كانت تتيح لنا بسهولة ويسر رصد إيجابيات الرجل كما سلبياته من دون أن نقع بالضرورة في شرك شيطنة الشخص أو الدروشة به؟
الواقع أنه بعد أربعين عاماً لم تعد ثمة أسرار ولا حقائق لم يكشف عنها في شخصية عبدالناصر أو مواقفه السياسية. لكن ما زالت هناك تعقيدات وطلاسم في فهم شخصية المجتمع المصري وربما العربي بصفة عامة. ولربما يكون في وسعنا اليوم أن نضع يدنا على مجموعة من الملاحظات يكشف عنها الوعي والسلوك العربيين وهي:
أولاً - أن المجتمع المصري لم يصل حتى اليوم إلى درجة من التوافق المجتمعي العام حول شخصية جمال عبد الناصر يشبه ما حظى به زعماء آخرون معاصرون له في بلدانهم مثل شارل ديغول في فرنسا ونهرو في الهند والملك فيصل في السعودية. فهؤلاء زعماء قد يختلف الرأي في مجتمعاتهم حول بعض مواقفهم السياسية لكن مجمل دورهم التاريخي لم يتعرض لحملات التشكيك والانتقاص من خلال حملات منظمة سياسية وإعلامية كالتي تعرض لها جمال عبد الناصر لا سيما في عهد الرئيس السابق أنور السادات. ولعلّ فكرة العهد البائد تبدو سلوكاً عربياً ومصرياً بامتياز حيث يبدأ كل عهد جديد بالتنكر للعهد السابق عليه في ظل مجتمع عربي ما زال يغلب عليه الطابع الأبوي وليس المؤسساتي. قد يختلف هذا التنكر في أشكاله أو ذكائه أو درجة حدّته لكن يظل التنكر لكل من هو سابق طقساً من الطقوس الاجتماعية والثقافية التي يتقرب بها المصريون إلى كل وافد جديد!
ثانياً - أن شخصية عبد الناصر الكاريزمية وتجسيده قيم الكرامة والتحرر والاستقلال الوطني صادفت هوى شعبياً ورغبة دفينة في الشخصية المصرية التي تهفو دائماً للبحث عن البطل والملهم. وقد تلامست الصفتان في لحظة استثنائية من تاريخ مصر. لكن هذا التلاقي الوجداني الصادق في ذاته قد أنتج لأسباب عدة ومعقدة ظاهرتين سلبيتين لكل من طرفيه. فالزعيم ? البشر - ازداد انفراداً بالسلطة وشكوكاً في الرأي المخالف، ولم لا وقد وجد تأييداً شعبياً جارفاً قلّ أن يحظى به حاكم آخر؟ أما الشعب فقد بدا سلبياً مستكيناً يؤثر أن يعهد بشؤونه إلى الغير وكأنه يستريح بذلك من تحمل تبعات ومشاق ممارسة الحق في التعبير عن رأيه. هذه خصيصة لازمت المجتمع المصري في الكثير من مراحل تاريخه حتى اليوم.
كان عبدالناصر حاكماً بشراً ناضل من أجل الفقراء وتحلى - وهذا هو الأهم - بقيمهم وزهدهم وبساطتهم فنسى الفقراء أو كادوا ينسون أنه بشر، ورأوا فيه هم ونخبتهم ما يشبه النبيّ صاحب الرسالة. ولأن الأنبياء لا يخطئون فقد كان المصريون ونخبتهم مستعدين لأن يروا في عبد الناصر ثائراً نبياً لا يخطئ. بل إن شاعراً مثل نزار قباني أبكى العرب وهو يرثي عبد الناصر منشداً قتلناك يا آخر الأنبياء. صحيح أن الشعر ليس تقييماً علمياً لكن الشعر كاشف عن أبعد المشاعر عمقاً في نفوس البشر. وإذا اعتبرنا أن الخطأ الأكبر لعبد الناصر كان ممارسته الديكتاتورية أحياناً فهذا خطأ يبدو في التاريخ العربي كله أقرب إلى السمة المنطقية لحكام يشبهون مجتمعاتهم ويحملون خصالها وعقدها وغرائزها! الديكتاتورية وما يشتق منها من صفات التسلط والاستئثار والقهر تبدو رذيلة سياسية في العالم المتقدم لكنها ناموس اجتماعي في العالم العربي. ولهذا فإن الغربيين يناقشون الديكتاتورية في باب علم السياسة أما في العالم العربي فالأوجب مناقشتها من باب علم الاجتماع!
ثالثاً - أن جمال عبد الناصر، وبعد أربعين عاماً من رحيله، ما زال يحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي، وما زال العرب يتعلقون به ويهفون إليه بصورة لا تخطئها العين لا سيما في الملمّات السياسية والأحداث التي يشعر فيها العرب بامتهان كرامتهم القومية. والملاحظ من هذه الزاوية أن الشعبية التي يحظى عبد الناصر لدى عموم العرب تتجاوز بكثير شعبيته داخل مصر وخصوصاً في أوساط النخبة المصرية. وهذه ظاهرة تستدعي التساؤل. لماذا يحب العرب غير المصريين عبدالناصر بأكثر مما يحبه المصريون أنفسهم؟ قد يعتقد البعض أن العرب لم يروا في عبد الناصر سوى الأحلام والتطلعات التي لامس من خلالها مشاعرهم القومية بينما عاش المصريون في الحقبة الناصرية مرحلة من القهر السياسي أودى ببعضهم إلى السجون والمعتقلات لمجرد الاختلاف في الرأي. لكن ما عاناه المصريون من هذه الناحية لم يكن حكراً على الحقبة الناصرية وحدها.
لكن الملاحظ أن كثيرين ممن عانوا القهر السياسي لم يتغير إيمانهم بجمال عبد الناصر، وهذه ملاحظة تستحق التوقف والانتباه. فهل كانت الناس تشعر بصدق جمال عبد الناصر وبعدالة المبادئ والقيم التي سعى لتحقيقها، ولهذا دفعت صابرة راضية من حريتها وأمنها ثمناً لنبل القضية التي آمنت بها؟ كيف أن الناصريين الحقيقيين الأحرار هم أكثر من عانوا في زمن عبد الناصر فلم تتبدل على رغم ذلك مواقفهم بينما الذين ظفروا بالمناصب والمكاسب سرعان ما تبدّلوا وتغيروا؟
خلاصة الأمر أن الناس لم تحكم على جمال عبد الناصر ولا على الثورة في ذاتها بقدر ما عبرت عن مواقفها وانتماءاتها السابقة. إنه مرة أخرى التقييم الشخصاني للتاريخ في بلاد العرب! فقد وقف مع الثورة من انتفع بها ووقف ضدها من تضرر منها. قد يبدو ذلك أمراً واقعياً لكنه يعني أن مناط تقييم الثورة لم يكن على مستوى المبادئ بل المصالح!! ولعل هذا ما يفسر لنا أن معظم الأثرياء إلا قليلاً قد انتقدوا الثورة... بينما انحاز لها كل الفقراء إلا قليلاً!! وهو أيضاً ما يوضح لنا كيف أن الليبراليين قد ناصبوا الثورة العداء، بينما أيدها معظم الاشتراكيين، والقوميون حملوها على الأعناق، وتوجس منها دعاة القطرية والفرعونية!! طبيعي إذن أن نكتشف أننا لم نكن موضوعيين تماماً في نظرتنا للثورة ولعبد الناصر بقدر ما كشفت الثورة بدورها عن انتماءاتنا السابقة!!
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.