في أيامه الأخيرة كان الشاعر محمود درويش منهمكاً في وضع اللمسات الأخيرة على ديوان، كان يحدس بالسرّ أنه سيكون ديوانه الأخير. لكن الموت كان أسرع منه، فرحل تاركاً على طاولته في منزله في عمان، قصائد ذلك الديوان الذي لم يتسنّ له أن يختار عنوانه ولا أن يُعمل قلمه في بضع قصائد، منقّحاً إياها على عادته هو الذي كان يملك عيناً نقدية حاذقة. إحدى القصائد ظلّت بلا عنوان، وقصيدته"في بيت نزار قباني"حذف منها كلمة ولم يضف أخرى محلها... إلا أن القصائد الثلاث والثلاثين هي وليدة المرحلة الأخيرة، التي بلغ فيها الشاعر أوج ابداعه، لا سيما بعدما أحسّ أن الموت بات يهدده وأن الشعر وحده هو السلاح والملجأ الآمن، ووحده القادر على أن يهزم الموت. القصائد كاملة في الصفحة 16. هذا الديوان الاخير يصدر مطلع الأسبوع المقبل عن دار رياض الريّس التي تملك حقوق نشر أعمال درويش بموجب اتفاق وقعه الشاعر، وعنوانه"لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي"، وهو عنوان إحدى القصائد التي يضمّها الديوان. يصدر الديوان غداة الذكرى الثامنة والستين لميلاد محمود درويش التي مرّت قبل أيام في غيابه، وهو سيكون أجمل هدية الى قرائه، ليس لأنّه يحمل جديده الشعري، بل لأن هذا الجديد ينتمي الى اللحظات الأشد سطوعاً في إبداعه. وفي الديوان يلوح هاجس الغياب مثلما لاح في"جدارية"و"في حضرة الغياب"وسواهما، لكنه هنا محفوف بالرغبة في العيش، العيش الشعري داخل العالم. ويبرز هذا الديوان أيضاً كم أن محمود مشغوف بالتجدّد والبحث المستمر عن آفاق مجهولة للإبداع الشعري واللغة والصور والإيقاع. ثلاث وثلاثون قصيدة تركها محمود درويش ولم يمنحه الموت قليلاً من الأيام ليصدرها، ويقلّبها بين يديه في ديوان. وهذه القصائد ستزيد من سطوة هذا الشاعر مرسّخة حضوره أكثر فأكثر، هو الذي سيظل في مقدم المشهد العربي المعاصر. تنشر"الحياة"أربع قصائد غير منشورة من الديوان متوجهة من خلالها الى قراء محمود درويش الذي افتقدوه، بالجسد وليس بالروح، ومن بين القصائد الأربع"وصية"فنية عنوانها"إلى شاعر شاب". نشر في العدد: 16785 ت.م: 19-03-2009 ص: الأولى ط: الرياض