وفاة طفلة رضيعة في غزة بسبب البرد الشديد    ناصر القصبي يؤكد في الحفل الختامي أهمية تعزيز الحراك المسرحي السعودي    نائب أمير جازان يستقبل الدكتور الملا    تعليم عسير يحقق المركز الأول في جائزة العمل التطوعي على مستوى المملكة    خفض الفائدة يعيد تشكيل المشهد ويعزز السيولة في السوق السعودي    يوم الجبال الدولي مشاركة واسعة لإبراز جمال تضاريس السعودية    هيئة الأدب والنشر والترجمة تطلق معرض جدة للكتاب 2025    توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي لدعم التعليم في اليمن بقيمة 40 مليون دولار    مؤشر الذكاء الاصطناعي للعالم الإسلامي يقيس جاهزية وتقدم الدول    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية سقياهم    روضة إكرام تختتم دورتها النسائية المتخصصة بالأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    45 ركنًا تستعرض خيرات حفر الباطن في مهرجان المنتجات الزراعية    رئيس الخلود: صلاح غير مناسب لدوري روشن    قمة منتظرة بين أبها والعلا.. الجمعة انطلاق الجولة 11 من دوري يلو    تعلموا التاريخ وعلموه    ريما مسمار: المخرجات السعوديات مبدعات    أمسية شعرية تحتفي بمسيرة حسن أبو علة    فعاليات ترفيهية لذوي الإعاقة بمزرعة غيم    طرق ذكية لاستخدام ChatGPT    رئيس ديوان المظالم يتفقد محاكم المدينة    جاهزية عالية لمواجهة الحالة المطرية في مكة    ممدوح بن طلال.. إرثٌ لا يرحل    رينارد: اعتدنا على المواجهات الثقيلة    في الشباك    برقم قياسي.. (الأبيض) أول إسطبل يحصد 17 نقطة في أسبوع واحد    رصد أكثر من عشرة آلاف طائر في محمية فرسان    «الثقافة» تختم الفعاليات الثقافية السعودية في البندقية    على هامش شتاء مرات السادس.. معرض منوع لفناني منطقة الرياض    أمير المدينة المنورة يستقبل تنفيذي حقوق الإنسان في منظمة التعاون الإسلامي    ارتفاع مبيعات الإسمنت مع تزايد حركة البناء الواسعة    استضعاف المرأة    مستشفى الملك فهد الجامعي يعزّز التأهيل السمعي للبالغين    «طبية الداخلية» تقيم ورشتي عمل حول الرعاية الصحية    تطعيم بلا بروتين بيض    الأرض على موعد مع شهب التوأميات    في ذمة الله    تشجيع تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة.. الموارد.. مبادرات تحقق العدالة وتعزز بيئة العمل    «حساب المواطن»: 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر ديسمبر    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    أمير الشرقية ونائبه يعزيان العتيبي في وفاة والده    في ربع نهائي كأس العرب.. الأخضر يواجه فلسطين.. والمغرب تصطدم بسوريا    بحث مع الرئيس الإريتري تطوير التعاون المشترك.. ولي العهد وغوتيرس يستعرضان سبل دعم الاستقرار العالمي    في سادس جولات اليورباليج.. مواجهة حاسمة بين سيلتيك غلاسكو وروما    «مسألة حياة أو موت».. كوميديا رومانسية مختلفة    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    وسط ضغوط الحرب الأوكرانية.. موسكو تنفي تجنيد إيرانيين وتهاجم أوروبا    بيروت تؤكد سيادتها واستقلال قرارها الداخلي.. رفض لبناني رسمي لدعوة إيران    ضغوط أمريكية لتنفيذ المرحلة الثانية.. واشنطن تلزم تل أبيب بالتقدم في اتفاق غزة    المملكة تعزز ريادتها العالمية في مكافحة الجفاف    زواج يوسف    دراسة تكشف دور «الحب» في الحماية من السمنة    مادورو: نطالب بإنهاء تدخل أميركا غير القانوني والعنيف    نائب أمير مكة: المملكة أولت خدمة المقدسات وقاصديها اهتمامًا خاصًا وجعلتها على هرم الأولوية    تصعيد جديد في اليمن يهدد استقرار الجنوب    استئصال البروستاتا بتقنية الهوليب لمريض سبعيني في الخبر دون شق جراحي    جمعية روضة إكرام تعقد دورتها النسائية حول الأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامح محجوب شاعر يحفر القصيدة بيد واحدة
نشر في الحياة يوم 21 - 04 - 2011

في ديوانه الثاني، «الحفر بيد واحدة»، تبدو رؤية الشاعر المصري سامح محجوب أكثر مضاء، فلربما حملت تجربته الشعرية الأولى «لا شيء يساوي حزن النهر» ما أسميه «رائحة البدايات»، غير أنه وفي ديوانه الجديد، الصادر أخيراً عن «كتاب المرسم الإبداعي»، في القاهرة يبدو أكثر وعياً بالقصيدة، منشغلاً بها حد الهوس، مدركاً اشتراطاتها الجمالية، محيلاً اليومي إلى شعري، جاعلاً من الإيقاع صيغة ومعنى، منحازاً إلى المهمشين من ناسه: «أنا آخر أرصفة الشارع/في البرد/ أقاوم صمت الوجع المنسي/ على أطرافي/ وغبار جحافلة البشر المنصوبين مشانق/ أنا شاهد/ ليل همجي يبصق/ في وجهي/ الصبح:/بيوتاً وشوارع» (ص 20)، ودافعاً متلقيه إلى حافة الفعل: «عن نفسك قاتل/عن نايك قاتل/عن ظلك فوق الأرض/عن شجرة توت في حقل أبيك/ عن بسمة طفل في صبح العيد/عن خيلك/عن سيفك قاتل/لا تنتظر الموتى/ هي رقصة عيش/لا أكثر/ وحلاوة روح» (ص25). الشاعر هنا يصنع كسراً للإيهام عبر تحطيمه هذا الحاجز بينه وبين القارئ، محققاً الوظيفة التواصلية للقصيدة.
لسنا هنا أمام إيقاعات فارغة من المعنى، وموسيقى مندوبة في حد ذاتها، بل كان الإيقاع حاملاً للدلالة، وإحدى أدوات التعبير الجمالي عنها، فنحن أمام قصائد تلتحم مع الواقع، يسائل فيها الشعر الحياة، يعيد صوغها جمالياً، ليخلق وعياً جديداً، ليس بغارقٍ في المجازات البعيدة، بل يظل موصولاً بماء الشعر والحياة معاً، ويكفي أن أشير إلى هذا المقطع البالغ الدلالة: «أمسافر يا سيدي؟!/ ولأي ناحية ستذهب يا غريب/ والنفط حاصر ما تبقى من نشيدك في العراء/ والقاعدون على المنابر/ لا يحبون الغناء» ( ص13). لقد حوى المقطع السابق إشارة دالة إلى ثقافة النفط، والمد الأصولي الذي يلتهم المجتمع، وما بينهما من صلات قربى لا يمكن تجاهلها. يتشكل الديوان من عشر قصائد، وذلك إذا تعاطينا مع القصيدة الأخيرة «من أوراد المنبطحين» بوصفها نصاً واحداً أشبه بالجدارية الحاوية لتنويعات شتى، تخلق في مجملها صورة شعرية تدين القمع والقهر، وهي صورة ذات طابع كلي تعتمد في بنيتها على خلق مشهدية بصرية ضافية، حيث تتابع الصور/القصائد على النحو الآتي: «وِرد العامة/ ورد النخبة/ ورد المنتفعين/ ورد المهمشين/ورد المنسحقين»، وصولاً إلى «ورد المنسحبين»، حيث يصبح الانسحاب طريقة للهرب وآلية للعيش الذليل في عالم من القمع. وهذا ما يدينه الخطاب الشعري هنا، حيث تنتصر رؤية العالم في الديوان لفعل الحرية النبيل وتدفع إليه، ومعيدة الاعتبار إلى حتمية اشتباك الشعر مع الراهن لا الماضوي.
في القصيدة الأولى «على إيقاع ضحكته يمشي» والمهداة إلى محمود درويش، يعد العنوان جملة مجتزأة من المسار الشعري للنص، يعيد الشاعر تشكيلها من جديد، معتمداً آلية التقديم والتأخير، لتصبح كما هي في العنوان «على إيقاع ضحكته يمشي» بدلاً من أن تكون «يمشي على إيقاع ضحكته»، كما هي في متن القصيدة، واعياً بجدل الذات والموضوع، بالخروج من المعنى الخاص (درويش /الشاعر) إلى الجوهر الأعم للشعر، والذي يبدو فيه درويش معنى نبيلاً وفريداً، راهباً متعبداً في محراب القصيدة، وتتكرر الجملة المركزية في النص: «أتعبت موتك في الحضور وفي الغياب»، فبها تبدأ مقاطع القصيدة، وإليها تنتهي، من دون أن ينص على ذلك بترقيم محدد، وبما لا يكسر الأفق التخييلي الذي يخلقه التدفق الشعري للنص بلغته الدالة، وصيغه المعبرة: «أتعبت موتك/ في الحضور وفي الغياب/ يا موغلاً في وقته/ يا خارجاً من سربه/ الريح عاتٍ/ والغيوم على المشارف/ والقصيدة لا تحب العابرين/ لا وقت في الأوراق/ حين تغافل الساعات مشكاة الحنين/ من جرب الأسفار فوق مصيره/ لم تحنِ قامته الوعود/ ولا يغيبه التراب/ أتعبت موتك في الحضور/ وفي الغياب» (ص7). تسم القصيدة درويش بطابع خاص، وتضفي عليه ملامح أسطورية: «هو في الجليل سحابة بيضاء تمطر/ حين تبتسم الحبيبة».
يدرك محجوب كيف ينهي قصيدته مستخدماً آلية الجملة المدهشة القادرة على النفاذ إلى سيكولوجية القارئ، وهذا ما نراه مثلاً في قصيدته «سورة الإنسان»، وتلعب التناصات دوراً كبيراً في بنية القصائد، وهذا ما يمكن تلمسه في قصيدة «وردة في عروة الوقت»: «فبأي آلاء المفاتن - وبأي خائنة/ستنكشف السرائر»، وتبدو الرومانسية هنا غلالة رقيقة تحيط بالنص ولا تسجنه في أسرها، بل تمتزج بحس صوفي شفيف: «لا أنت أنت/ ولا المكان هو المكان/أتعرف الطرقات/ أشواق المسافر»(ص44). في قصيدة «الحفر بيد واحدة» يبرز مفهوم الاغتراب بوصفه انفصالاً للفرد عن البنية الاجتماعية المحيطة به: «ما أضيعني بين فصول البرد/بين الأرقام السرية للأسماء، بين الأشياء وكنه الأشياء!» (ص 72).
وبعد... تبدو الصيغة الإبداعية التي انطلق منها سامح محجوب في «الحفر بيد واحدة» مسكونة بالفعل، ومنحازة إليه، إلى الحد الذي يجعل فيه من هذا المعنى الدال عنواناً لإحدى قصائده: «بسيف أم بحرف يبدأ النص؟»، لنرى حضوراً لافتاً للمقولات الكبرى، وانتصاراً لكل ما هو إنساني، وإن ظل في الديوان حس غنائي/إنشادي يمكن تخفيفه في قابل النصوص، أو توظيفه لمصلحة المعنى كما حدث كثيراً - وليس دائماً - في هذا الديوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.