يقام في"ساحة المادلين"متحف البانتاكوت معرض مقارن مثير للخيال تحت عنوان:"بولوك والشامانية"ممثلاً مركز الاهتمام في المعارض التشكيلية الراهنة، وذلك لجدة الاكتشاف: يكشف بصيغة تحليلية مقارنة وموثقة تأثير تقاليد الفنون الطقوسية للهنود الحمر في تجارب الفنان النيويوركي الأشد شهرة: جاكسون بولوك. هو الذي قاد"التجريد الحركي"لما بعد الحرب العالمية الثانية الى جانب غوركي وروتكو ودوكوو نينغ الى ما يعرف بتيار"التعبيرية التجريدية"بما تشتمل عليه من توليف للمدرستين التعبيرية الجرمانية واللاتينية السوريالية. معتمداً على"الفعل الحركي"الفيزيائي أو الجسدي في الأداء، والذي تحولت من خلاله مركزية الحداثة الباريسية الى سيطرة"مونوبولية"المعاصرة في نيويورك. كان جاكسون منذ بدايته مدمناً في شكل مفرط على الكحول، باحثاً عن التعبير الذي يفجر خزائن الحدس واللاوعي بطريقة فرويدية، هو ما دفعه لاقتفاء عوالم"السوريالية"الأوروبية الأقرب الى الخصوبة الطبيعية، لذلك نجده قريباً بصيغة صريحة من مختبر الفرنسي"أندريه ماسون"وزميله الأرمني أرشيل غوركي، متوازياً مع ولفريدولام من أصل برازيلي، وقد يكون الأشد تأثيراً في انجذابه الى تقاليد الهنود الحمر هو أستاذه جوزي أورانزو والمختص بالجداريات المكسيكية، عمل معه ما بين عامي الشباب: 1934 و1938. لقد وجد بديلاً أصيلاً لهذياناته الكحولية من طريق الانغماس في الأشكال السحرية أو الكهنوتية التعويذية للهنود الحمر، هو ما يطلق اليوم على شتى هذه المناحي ب"الشامانية"أو الفنون الكهنوتية، لأن"شامان"معناها"كاهن"في حضارة الهنود الحمر منذ قبائل الآنكا والأزتيك في مجمل مساحة أميركا اللاتينية. المقاربة الوحيدة التي نعرفها بين فن بولوك وهذه الأصول أن تجريداته التلطيخية التي كان ينفذها على مساحات شاسعة من القماش المثبت على الأرض وبالتالي حركته الجسدية الأفقية في التخطيط والتلوين الصدفوي تشبه رسوم الهنود الحمر داخل رمال الشواطئ وعلى أبعاد مترامية وبحيث يجتمع الطرفان حول المسار الحلزوني السحري للأشكال الرابضة على الأرض. لكن المعرض يكتشف وجوهاً بالغة الأهمية في هذا التأثر. بحيث يستعيد مع كل محطة الأصول الحضارية وانعكاساتها في لوحات جاكسون. تعكس سينوغرافية العرض وتخصص كل صالة بمحور محدد موضوعات هذا التأثر، والسياحة في معروضات هذه الصالات تقدم لنا قراءة محاور المقارنة كما يأتي: 1 - الأضحية المقدسة والموت: أشكال عضوية منكفئة تذكّر بضحايا الحرب، تقابل المعنى الشفائي السحري في قوة الحياة. 2 - تبادل التقمص بين الكينونتين: الإنسانية والحيوانية: تمثل مشاهد من توحّد الهيئة البشرية مع الكائنات الحية الطبيعية منها أو التطيرية السحرية برموزها التعويذية أو التعزيمية، ينطبق هذا على هياكل الأحصنة والثيران وعلى الصقور وأنواع الطيور وعلى الأفاعي وسواها. 3 - المعنى الخصوبي: تداخل الذكورة بالأنوثة والعكس: يلتقي هنا في أشكاله الخصوبية مع أشكال زميله غوركي لدرجة كبيرة مما يستشرف وحدة تقاليد حركة الستينات في نيويورك ل"التعبيرية التجريدية". 4 - الولادة او الأشكال الرحمية أو البذرة الأم: مثل البيضة أوالمشيمة، تحضر في المعرض في هذا المجال لوحات رديفة لأندريه ماسون، وأصوله لدى جوان ميرو. 5 - الرقص السحري: أشكال مقصوصة تتميز برقص مجوني هذياني يوازي طقوس الهنود الحمر خصوصاً أعماله خلال عام 1950. 6 - دفع الأشكال باتجاه الكمون السحري وبلوغ ذروة الوجد الروحي ضمن مفهوم كاندينسكي، هو ما ينطبق أخيراً على نماذجه التجريدية الرحبة التي تدمج ضمن سيولتها اللونية تجارب كرافيكية سابقة، أنجزها بصيغة طباعية على المعدن البكتوكرام الخطي، وصولاً حتى المشاهد البانورامية لأشباح جحافل من الأجساد البشرية تجتاحها أعاصير"الحرب"كما هو عنوانها 1940. نشر في العدد: 16741 ت.م: 03-02-2009 ص: 26 ط: الرياض