يُعتبر الفنان الأميركي أرشيل غوركي الأرمني الأصل المؤسس لمدرسة "التعبيرية التجريدية". واجتماع عشرين من لوحاته النادرة والمبعثرة في متاحف العالم إضافة الى ثلاثين لوحة رسم مناسبة لتقييمه. مع أننا لا نفرّق بين لوحات التصوير والرسم، حتى لتبدو الأخيرة وكأنها لوحات غير مكتملة فمنهجه يرفع الحدود بين التعبير بالخط والتعبير بالمادة الصباغية، خصوصاً أن دراساته في بوسطنونيويورك كانت خاصة بالرسم الصناعي. لا يمكن اعتباره عصامياً فلوحاته خاصة بالرسم الصناعي. لا يمكن اعتباره عصامياً فلوحاته تواصلية تمتص رحيق عدد منا لفنانين، ابتداء من بيكاسو. وانتهاء بخوان ميرو يملك غوركي فضولية أصيلة جعلته بتميزه الفني يحول الانحياز الى استحواذ، وليصل في أسلوبه الى توليف أصيل بين الشرق الأرمني والغرب، ضمن حال متوسطة بين التجريد والدلالة الطبيعية، لذلك وصمت أعماله بأنها آخر حلقات"السوريالية"، وبدليل أن أندريه بروتون الكاتب والداعية السوريالي قدم كراس معرضه الأول عام 1945 مستفيضاً في شرح ارتباطه بالحدس واللاوعي. وهنا يكمن سوء فهم النقاد لخصائص فنه ودوره التأسيسي في نيويورك، فهو المؤسس الأصيل لتيار"التعبيرية التجريدية"وبصيغة مبكرة منذ الأربعينات، هي المدرسة التي انتزعت في ستينات ما بعد الحرب العالمية الثانية مركزية المونوبول المعاصر في باريس الى نيويورك، وظهور نجوم هذا التيار ابتداء من صديقه وليام دوكوونيننغ ثم روتكو وبولوك. إذا عدنا الى البداية لرأينا أن مولد غوركي في إحدى قرى أرمينيا عام 1904 لعب دوراً أساسياً في ذائقته اللونية، هاجر الى نيويورك عام 1920. خلال هذه الفترة احتك بالمحترفات المعاصرة. تحصيله الفني هناك يثبت أن دور فنه الشمولي الأميركي أشد من انتسابه الأرمني، وإذا كان الفن الوطني هناك يعتمد في شكل أساس على عقائد سارويان اللونية في ييريفان فإننا لن نعثر على بصمة استمرار لهذا المعلم في تجديدات غوركي. يُعتبر المؤسس والرائد والأصيل ل"التعبيرية التجريدية"التي مدت بعمر"التجريد الغنائي"الذي ذبل ونُسق منذ الستينات في باريس وروما. مع ذلك فالنقاد يرون أن حدة ألوانه وأوركسترا توزيعها المشعّ، يرتبطان بحبل سرة مشرقيته الأرمنية. هل يبدأ سوء فهم النقاد لأصالة عبقريته الحداثية من مقارنته دوماً بأعمال الفرنسي السوريالي أندريه ماسون، على الأقل من خلال منهج الوقوف في الأشكال عند حد متوسط بين التجريد والدلالة الطبيعية، ثم بتحرير الخط المتداعي سوريالياً من المساحات وما يجري في خرائط اللوحة؟ هذه المقاربة متعسّفة بسبب سطحية واستهلاكية منهج ماسون وحلزونياته المغموسة بالمعاني الأدبية، بعدس غوركي الذي يعتبر اللغة التشكيلية نوعية لا علاقة لها إلا من بعيد بالمعادل الموسيقي وذلك بتأثير كاندينسكي كما استثمر منهج جوان ميرو في"فلكية"التعبير، ونصبية الفراغ. غوركي يُمسك بفلك هذه التكوينات دوماً من خلال الثقب الأسود الذي يمسك اللوحة من الأعلى مذكراً بالثقب الأسود الفلكي الذي اكتشفه أينشتاين. يستلهم حشود أشكاله من هيئة أعضاء الخصوبة النباتية أو الحيوانية، فتبدو وكأنها غابة من الأظافر المذوبة، تعوم على فراغ سديمي سيال شفاف، يغذيه بالتدريج بالألوان المتقابلة: الحارة والباردة الساطعة، وضمن منهج معقّد قابل للهدم والبناء في كل محطة، لذلك فقد تكون لوحات الرسم المختزلة الأشكال أقرب الى اللوحة المنتهية مقارنة باللوحات الملونة، لا شك في أن تأثير منهجه وصل بتأثيراته الى أبعد الحدود، من النحت الإيطالي الى سديميات فان فيلد، هو ما يفسر أن لوحاته - على ميتافيزيقيتها المتأثرة بشيريكو لا تمت بصلة الى"السوريالية". يرجع عدم إعطاء غوركي حقه الى جدته التي سبقت عصره، وعدم قدرة النقاد على اكتناه عالمه الملغز الحافل بالتغيرات على رغم وحدة حساسيته، لذلك كان يوصف بالذاتية وانطوائية الأسلوب بما يتناقض مع انتشار تأثيره.