أضحت منصات التواصل الاجتماعي مصادر أساسية للحصول على المعلومات في المجالات كافة، ووجهةً مفضلةً لطلب الاستشارات العاجلة والمجانية؛ هذا النمط من التفاعل الإنساني "الحديث" لا يخلو من السلبيات، التي من أبرزها وأكثرها تأثيرًا تقديم ورواج معلومات مضللة في المجالات العلمية، وهي المعلومات التي تتعارض مع الإجماع المعرفي للمجتمع العلمي حيال ظاهرة ما. لا شك أن لنشر المعلومات وتلقيها تأثيرًا كبيرًا في تشكيل تصوراتنا وسلوكياتنا في سائر شؤون الحياة. وتتباين طبيعة التأثير وقوته وكونه تأثيرًا إيجابيًا أو سلبيًا؛ تبعًا لطبيعة ومصادر تلك المعلومات وكفاءة من قدمها، وقدرته على التواصل والإقناع. تسري هذه المحددات على سائر المجالات بما فيها المجال الصحي، وإن كانت حالة المريض في هذا المجال تُمثل عاملًا حاسمًا عند البحث عن المعلومة؛ إذ أن المريض كالغريق "يتعلق بقشة"، وربما دفعه الألم والخوف على صحته إلى البحث دون تدقيق، وإلى تصديق الوعود البراقة التي يطلقها البعض بهدف التكسب المادي لا أكثر! الحقيقة هناك الكثير من المتخصصين في المجال الطبي، الحريصون على التواصل مع متابعيهم عبر المنصات الرقمية، وتقديم معلوماتٍ نافعةٍ تسهم في رفع وعيهم وتدلهم على التصرف المناسب، وفي المقابل نجد أن أعدادًا متزايدةً من أدعياء المعرفة، الذين باتوا يمثلون خطرًا داهمًا على الصحة العامة، وصاروا سببًا في خلط المعلومات وتضليل المتلقين. يُقدم أولئك المدعون أنفسهم عبر المنصات الرقمية تحت عنوان: معالج شعبي، وينشطون في تصيد ضحاياهم من المرضى، الذين يدفعهم الألم والبحث عن ما يسكن أوجاعهم، فنجدهم يعرضون قائمة بالأمراض التي يعالجونها، ولا يترددون في الإفصاح عن عناوينهم ومواعيد استقبالهم للمرضى! وتقديم ونشر معلومات ونصائح خاطئة، لها تأثيرات سلبية وربما كارثية على الصحة العامة بشقيها: الجسدي والنفسي! تزخر صفحات ومعرفات أولئك "المعالجين" في العالم الرقمي، بوصفات وخلطات "علاجية" لعشرات الأمراض، منها على سبيل المثال: الجلطات، الأنيمياء المنجلية، المفاصل والفقرات، الشلل، الصرع، عرق النساء، الديسك، الربو، تليف الكبد، فيروسات الكبد، الغرغرينا، البواسير، الاكزيمياء، القولون العصبي، وغيرها من الأمراض. كما تشمل خدماتهم العلاجية بعض التدخلات "غير الجراحية": كشد العنق وفقرات الظهر أو ربط الرأس، أو ما يسمونه "علاج الفري" وغيرها! يقول البعض مُدافعًا: إن الطب الشعبي قديمٌ قِدم الإنسان على الأرض! وهذا بلا شك صحيح، لكن الواقع اليوم يقول: هناك مستشفيات ومراكز صحية متقدمة، التي توفر أحدث ما وصلت إليه المعرفة الإنسانية في مجال الطب، ولا حاجة للبحث عن هذا النوع من العلاج الذي يقوم على اجتهادات فردية، تؤدي في الغالب إلى حالات تسمم أو تفاقم لأعراض المرض؛ وذلك نتيجة لاستخدام نباتات سامة، أو نباتاتٍ لها تأثيرات علاجية، لكن لها أضرار جانبية خطيرة، أو أنها تُعطى بجرعات غير مناسبة، إضافةً لما قد تسببه من تداخل مع الأدوية الكيميائية، الأمر الذي يزيد أو يقلل من فعاليتها بشكل يتعارض مع الجرعة العلاجية المقررة من الطبيب المعالج، بل وفي بعض الحالات كان "المعالج الشعبي" سببًا في تأخير علاج بعض المرضى، الذين طرقوا بابه بدلًا من الذهاب إلى المستشفى حتى استفحلت حالاتهم! هنا تبرز الحاجة إلى مزيدٍ من الرقابة على هذه الفئة، وإلى الكثير من النشاط في جانب التوعية الصحية، التي يفترض أن تتشارك فيها الجهات الرسمية، ومؤسسات القطاع الخاص، وهي جهود قائمة بالفعل لكن الحاجة تدعو لمضاعفتها، لا سيما من قِبل مؤسسات القطاع الخاص، التي عليها مسؤولية اجتماعية في هذا الجانب، كالمستشفيات الخاصة وشركات توريد الأدوية وتصنيعها، والصيدليات، كما أن على المؤثرين "الإيجابيين" الإسهام في توعية المجتمع بخطر تلك الممارسات العشوائية، التي يقف خلفها فئة من الناس لا تكترث إلا لمصالحها دون رادع أخلاقي! قديمًا قالوا: درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج". واليوم يُصرف الدرهم والقنطار في فضاءات الوهم، وعليه فحاجتنا للوعي مُضاعفة، فلا بأس إن قُلنا: شيءٌ من الوعي خيرٌ من قنطار علاج.