في المملكة العربية السعودية يعاني نحو واحد من كل أربعة بالغين من مرض السكري. فبحسب الاتحاد الدولي للسكري (IDF)، تبلغ نسبة انتشار المرض %23.1، أي ما يعادل 5.34 ملايين شخص في عمر 20–79 عاماً. كما تشير هيئة الإحصاء السعودية (GASTAT) لعام 2024 إلى أن %9.1 من السكان بعمر 15 سنة فأكثر صرّحوا بأن لديهم داء السكري كأحد الأمراض المزمنة. هذه الأرقام ليست مجرد بيانات، بل مرآة لواقع صحي يتكشف أمامنا يوماً بعد يوم. وتزداد رمزية هذه الحقائق مع حلول اليوم العالمي للسكري الذي يصادف هذه الأيام، في هذا اليوم لا نحتفي فيه بمرض السكري، ولكن نعلق الجرس لنستدعي الوعي والمسؤولية الجماعية، ونذكر العالم ومن ضمنه وطننا الغالي بأن مواجهة السكري ليست مسؤولية جهة واحدة، بل مسؤولية مجتمعٍ بأكمله. تبدأ القصة من البيوت، من تفاصيل الحياة اليومية التي تبدو بسيطة لكنها تغير الكثير. نمط حياة سريع الإيقاع، طعام غني بالسعرات، ساعات طويلة أمام الشاشات، قلة في الحركة، وضغوط نفسية تتسلل إلى الجسد بصمت حتى يتحول الخطر الصامت إلى واقعٍ مؤلم. ومع مرور الوقت، يصبح السكري أحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعاً، حاملاً معه مضاعفات تمتد إلى القلب والكلى والعينين، وتثقل كاهل الأسر والنظام الصحي معاً. ورغم هذا التحدي الكبير، فإن المستقبل بإذن الله مشرق في ظل رؤية المملكة 2030 الطموحة. فالسعودية اليوم تمضي بخطى واثقة نحو التحول الصحي، واضعة الوقاية في صميم إستراتيجياتها. من توسع برامج الفحص المبكر، وتعزيز دور طب الأسرة، إلى المبادرات الوطنية لمكافحة السمنة، وتفعيل نمط الحياة الصحي. هذه الجهود لا تنفصل عن روح اليوم العالمي للسكري، الذي يرفع هذا العام شعار «السكري عبر مراحل الحياة»، تأكيداً على أن العلاج يجب أن يكون متاحاً وعادلاً لكل فئة عمرية. وفي هذا السياق، تجلّى أحد أبهى صور العطاء الوطني حين تبرعت حرم سمو ولي العهد، الأميرة سارة بنت مشهور بن عبد العزيز، بمبلغ عشرة ملايين ريال سعودي لدعم الأطفال المصابين بالسكري من النوع الأول، عبر صندوق دعم الأطفال المصابين بالسكري. هذا التبرع السخي لا يقتصر على توفير العلاج فقط، بل يرمز إلى التزام إنساني عميق تجاه فئة تعاني بصمت، ويعكس وعياً متزايداً بأن صحة الطفل هي استثمار في مستقبل الوطن. فبفضل هذا الدعم سيتم تأمين مضخات الإنسولين الحديثة والتقنيات المتقدمة التي تحسن جودة حياة الأطفال وتخفف عن أسرهم أعباء الرعاية اليومية. ورغم كل هذا التقدم، يظل السؤال قائماً: لماذا تستمر أعداد المصابين بالارتفاع؟ الجواب ببساطة لأن السكري لا يعالج فقط في المستشفيات، بل في نمط الحياة. القرار اليومي بالمشي، والاختيار الواعي للطعام، والنوم المنتظم، والكشف المبكر، كلها وصفات وقائية لا تقل أهمية عن الدواء نفسه. وهنا تتكامل أدوار الفرد والمجتمع والنظام الصحي في معركة واحدة. إن السكري في السعودية لم يكن ولن يكون قدراً محتوماً، بل تحدياً قابلا للتحويل إلى قصة نجاح وطنية. ومع حلول اليوم العالمي للسكري، ومع مبادرات العطاء التي تجسدها القيادة والمجتمع، تكتب فصول جديدة من الوعي الصحي والمسؤولية الجماعية. إنها رحلة طويلة، لكنها تبدأ بخطوة صغيرة ... خطوة تصنع الفرق.