القدوة، المَثل، المِثال، المُلهِم ... مفردات تشير إلى شخص يؤدي دوره كنموذج حسن أو سيئ بالنسبة إلى الآخرين. ودرج اعتبار القدوة شخصاً ذا قيم، طيب السمعة وحسن الخُلق والخَلق أحياناً، يقتدي بسلوكه الآخرون. فالمعلّمة، على سبيل المثال، يمكن أن تصبح قدوة لنساء أخريات، ودليلاً إضافياً على انخراط النساء ونجاحهن في المجال الأكاديمي. وفي المقابل، يمكن اعتبارها نموذجاً ملهماً للتربويين عموماً، أياً كان جنسهم، استناداً إلى إنجازاتها وتفانيها في عملها. والأهل يشكّلون قدوة حسنة أو سيّئة لأبنائهم وبناتهم في تعليمهم سبل الراشدين وسلوكهم. والتقدير الغامض في التفريق بين المثال الحسن والمثال السيئ يؤدّي، في أحيان كثيرة، إلى الإرباك والحيرة، والوقوع في مأزق. ويُنسب إلى عالم الاجتماع الأميركي، روبرت ك. ميرتون 1910 - 2003، استخدام تعبير"القدوة"، role model، للدلالة على"مجموعة أشخاص نموذجيين"يؤدّون دوراً اجتماعياً، يلهم المحيطين بهم. ثم درجت العبارة وشاع استخدامها لتشير إلى أي"فرد يشكّل مثالاً في السلوك الحسن". إلاّ أن فرض الصفة الحسنة على القدوة، عرفاً وتقليداً وممارسة، يعيد المرء إلى الدوران في دائرة مفرغة. فالنظرة إلى كل ما هو "حَسَن"هي نسبية، في الواقع. وبدلاً من البحث في معنى القدوة أو المثال، أياً كان، يصبح"الحَسَن"موضع تشكيك. ولعلّ استعراض شخصيات نموذجية من واقع الحياة والإعلام، يقود إلى إدراك مدى الالتباس الذي يمكن أن يحصل، وخطورة الاختيار إذا ما تبيّن أنه خطأ أو إذا انحرفت الشخصية عن سلوكها الملهِم. المغنية الأميركية بريتني سبيرز، مثلاً، تألّق نجمها مدة من الزمن، شكّلت في أثنائه قدوة ومثالاً لأجيال من النشء في العالم. وما ان أصيبت بانتكاسة اجتماعية، حتى انفضّ الجمع من حولها. ومع ذلك، لم تفلت من براثن الإعلام الذي راح يمعن في ملاحقة مساوئها، تارة في مستشفى وتارة أخرى في منزل أو حديقة أو زقاق... ولم يترك لها متنفّساً لاستعادة قسطاً من حياتها على انفراد، ولم يترك للمتابعين النهمين مجالاً ليكتشفوا أنها تنشد التحسّن حقاً أو لا تريده. الأميرة ديانا، طليقة ولي العهد البريطاني، الأمير تشارلز، وعشيقة دودي الفايد الذي قضى معها في حادث سيارة منذ نحو عقد من الزمن، وقعت في الشرك نفسه، وتقلّبت شعبيتها. والحق أن أوضاع تلك الشخصيات، وحتى الخيالية منها، كبطل رواية ما يكون موضع تقدير في البداية، ولا يلبث أن ينقلب القارئ عليه إذا ما أخلّ ب"معايير"القدوة. فأوضاع تلك الشخصيات تبقى حساسة منذ اللحظة التي تصبح فيها نموذجاً مثالياً"حسناً"، وكل ما تفعله يكون عرضة للمساءلة: ارتدت تنورة قصيرة، خلع قميصه وهو يؤدي وصلة غنائية،"نطح"غريمه في اللعب، وغير ذلك من تفاصيل... يقطنها"الشيطان". وكأن الملهَم بتلك الشخصيات يترصّد أخبارها ويتوقع انحطاطها في أي لحظة، لينقلب عليها. وقد يشكّل أي تضاؤل في القدوة، أحياناً، معياراً للتخلي عنها. ويصحُّ الأمر على شخصيات ? قدوة في عالم السياسة. والانقسام التي تفرضه بين مناصرين ومناوئين، يجعل منها قدوة حسنة لفريق، وسيئة لفريق آخر. هذا في عالم المشاهير. وأما في العالم العام، فالأمر مشابه وقد يكون أشد وطأة، رغم أنه لا يتخطى دائرة ضيّقة، كالأسرة أو الحي أو المؤسسة. والمثال على ذلك، الخيبة التي يصاب بها الابن، عندما يكتشف أن الأب المثال سارق أو الأم ارتكبت فعلة سوء. والخيبة هي هي، إذا علم الوالد أن بنته، الذي يحسبها قدوة لصديقاتها، مدمنة مخدرات... وأين الأطفال الصغار من كل هذا؟ ما الذي يحكم اختيارهم قدوتهم؟ وهل تكون دائماً من محيطهم المباشر، أم مما يتسرّب إلى عقولهم في المدرسة والشارع، وعبر التلفزيون؟ في اختيار "القدوة" الاقتداء بشخصيات نموذجية أمر مهم، فهو يساعد الأشخاص على أن يصبحوا على صورة المثال الذي يلهمهم. واختيار القدوة، بحكمة وتعقّل، يعني أن تأثيرها صحيح، ويساعد على الارتقاء إلى مستوى أفضل، كما ورد في أبحاث وأوراق وكتب، مجمّعة في موسوعة"ويكيبيديا"في الإنترنت، www.wikihow.com/Choose-a-Role-Model. ومن هذا العنوان يمكن الإطّلاع على المؤلفين المشاركين في تجميع المراجع وصوغها. ويبدو أن ثمة طريقة لاختيار القدوة، ولكنها لا تنفي حالة الالتباس والحيرة الذي يقع فيها المرء قبل الاختيار وأثناءه وبعده، فالأمر متّصل اتصالاً وثيقاً بالشخصية ? القدوة نفسها وسلوكها وتقلباتها. وهو ما تشير إليه المراجع في خاتمة"إرشادات"الاختيار. ولجعل شخصية ما قدوة، ينبغي الالتفات إلى مدى ثقتها بنفسها وبقدراتها. ولكن، كيف السبيل إلى الحكم على أهلية الشخصية المختارة. ويمكن اعتبار شخصية تعتدّ بتميّزها وتواضعها ولا تنتظر الثناء والإطراء على كل خطوة تنفّذها، وفي الوقت نفسه تجذب من يقدّر سلوكها وتصرّفاتها. وهذه الشخصية لا تكون بالضرورة من النجوم والمشاهير. وقد تكون القدوة"الحسنة"في شخصية لطيفة تجيد التفاعل مع الآخرين، أو تعيش وفقاً لمعايير يقبلها"الملهَم". فعلى سبيل المثال، المؤلف المرموق يمكن أن يكون مثالاً لكل من يودّ النجاح في الكتابة. ويلفت المرجع إلى مساوئ التماهي، إلى درجة"التطابق"، مع القدوة، وضرورة الحفاظ على خصوصية"الملهَم"وفرديته، والاعتداد بالنفس. ويحذّر من اختيار شخصية ملهِمة تسيء استغلال موقعها، لئلاّ تقود الملهَم إلى حيث لا يريد أن يكون. ويبقى السؤال الملحّ: كيف السبيل إلى ذلك؟