تشهد مدينة الصدر، الضاحية الشيعية الفقيرة في شرق بغداد، هدوءا لافتا هذه الايام بينما يمارس سكانها الذين يقدر عددهم بحوالي مليوني نسمة طقوس ذكرى عاشواء. وعلى وقع الطبول، يقوم فتية وشبان وشيوخ يرتدون اللون الاسود وبشكل منتظم، بضرب انفسهم بالزناجيل هاتفين"يا حسين"، فيما يرفع شبان الاعلام الصفراء والخضراء والسوداء ويقف مقرئ العزاء وسطهم مردداً اسم الحسين مراراً. وخلف السرادق، حيث تقام مراسم اللطم، يعمل اصحاب الموكب الحسيني على إعداد قدور كبيرة من الطعام مخصصة لأيام عاشوراء وهي"القيمة والرز"لتوزيعها على الفقراء والحاضرين على حد سواء. كما يطبخ آخرون"الهريسة"، وهي كناية عن لحم مسلوق مع القمح. وتقام المواكب وجلسات العزاء خصوصاً في جنوبالعراق ووسطه حيث الغالبية شيعة. وتعبيرا عن الأسى واللوعة لعدم انقاذ الحسين، يقوم الكثير من الشيعة بالضرب بالزنجيل على ظهورهم طول الايام العشرة من شهر محرم والتي تبلغ ذروتها الجمعة والسبت في كربلاء، حيث مرقد الامام الحسين. وفي مدينة الصدر التي تعتبر معقل"جيش المهدي"بزعامة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر، نصبت المواكب ومجالس العزاء في جميع انحائها وبمشاركة الجميع حتى الاطفال. ومدينة الصدر من أكثر مناطق بغداد اكتظاظاً، حيث تتكون اصغر عائلة فيها من اكثر من عشرة افراد يقطنون شققا صغيرة لا تتجاوز اكبرها مساحة 140 متراً مربعاً. وتبلغ ذروة الحزن السبت الذي يصادف العاشر من محرم تاريخ مقتل الحسين بأيدي جيوش الخليفة الاموي يزيد بن معاوية عام 683 ميلادية في موقع الطف قرب كربلاء. ويكرس الجميع انفسهم في هذا اليوم لتقديم الطعام في الشوارع وخدمة الفقراء. ومن ابرز الطقوس التي تمارسها المواكب التطبير، وهو الضرب بالسيف على الرأس، ويرتدي الاشخاص الذين يمارسونه لباسا ابيض ويسيرون بشكل منتظم ضمن حلقات مكونة من عشرة اشخاص تقريبا فيما يسير الى جانبهم آخرون يضربون الطبول لتوحيد عملية الضرب. وتنتشر كذلك مواكب الضرب ب"الزنجيل"وهؤلاء يرتدون اللباس الاسود ويسيرون بصورة منتظمة ويدورون حول ضريح الامام الحسين على وقع الطبول. ويقول المنسق الاعلامي لمكتب الصدر في المدينة ابو زهراء"نتوقع ما بين 150 الى 200 موكب عزاء يقيمون مراسم عاشوراء الجمعة". وتوقع ارتفاع اعداد المشاركين قياسا مع العام الماضي عندما ضربت بغداد موجة من العنف الطائفي ادت الى اقتصار مراسم عاشوراء على عدد من الاماكن. ويقول ابو زهراء، وهو يقف امام مكتب الصدر حيث رفعت صور لمقتدى ووالده الامام محمد صادق الصدر وابن عمه محمد باقر الصدر، الاول اغتاله نظام صدام حسين عام 1999 والثاني اعدمه العام 1980 ان"الاجواء افضل بكثير من العام الماضي، لان الوضع الامني تطور بشكل كبير". وعزا سبب تراجع العنف الى طرد المتمردين خارج بغداد. وتعرضت المواكب الحسينية والزوار الى هجمات من جانب متطرفين مرتبطين بتنظيم"القاعدة"في مناطق متفرقة من البلاد العام الماضي. ويقول عبد الزهرة"الكل مرتاح هذا العام، ويخرج الجميع الى الشوارع، للمشاركة بالمواكب والمراسم الحسينية". وقال ان يوم السبت"سيتم توزيع الطعام على الفقراء ... وسيغطي الدخان السماء لأن غالبية الطعام ستطبخ على الحطب". من جهته، يقول سيد علاء احد المشاركين في المواكب الحسينية واضعا على كتفيه كوفية خضراء اللون ان"الطقوس الحسينية التي تقام هذا العام تشهد افضل الظروف وأكثرها أمناً منذ 2003 عام سقوط نظام صدام حسين، حيث اقيمت الطقوس الحسينية وسط اوضاع امنية جيدة جدا". وتابع ان"الوضع الان افضل بكثير من الاعوام المنصرمة لان الدولة فرضت سيطرتها بصورة كاملة على المدينة بحيث اننا نستطيع ممارسة طقوس عزاء الحسين من دون خوف من الارهاب كما حدث العام الماضي".