غزت أسواق المدن العراقية الشيعية بضاعة محلية الصنع، وأثارت تساؤلات الجيل الجديد الذي لم يعرف عنها شيئاً، ما اضطر الآباء الى تقديم شرح مفصل عن جدوى عرض سلاسل حديد للبيع تستخدم في ضرب الظهر، اثناء تسيير مواكب العزاء احياء لذكرى استشهاد الامام الحسين. وعلى مدى أكثر من ربع قرن تخلى العراقيون الشيعة عن ممارسة تلك الطقوس التي تقام في "عاشوراء" من كل عام، بسبب مضايقات النظام السابق، وخشيته من ان تتحول تلك المواكب الى تظاهرات للمعارضة، لا سيما انها تستقطب الشباب الذين تلهب مشاعرهم الخطب الحماسية و قصائد الرثاء. التحضير لإقامة المواكب الحسينية بدأت في وقت مبكر في مدن كربلاء والنجف والكاظمية ومدينة الثورة الصدر في بغداد، ورافق ذلك عرض نماذج من السلاسل الحديد المعروفة في العراق باسم "الزناجيل"، في اسواق تلك المدن بأسعار تتناسب مع أحجامها وأشكالها وأنواعها، بانتظار الزبائن الذين يكونون عادة من الشباب. استجابة الشباب لشراء "الزناجيل" حددها أحد باعتها في الكاظمية قائلاً: "عرضنا كميات كبيرة من الزناجيل محددة بأسعار من 5 الى 10 آلاف دينار، وحركة البيع غير نشطة هذه الأيام وأتوقع ان تشهد انتعاشا في الايام المقبلة وبالتحديد قبل حلول عاشوراء بأيام قليلة". وفي كربلاء يقول الطالب الجامعي عقيل ابو غريب: "عرضت في الاسواق كميات كبيرة جداً من الزناجيل المختلفة الأشكال، هناك الزنجيل الايراني والباكستاني والسوري"، لافتاً الى انها "اثارت تساؤلات الشباب، على رغم معرفة بعضهم بها. اذ سمعوا من ابائهم عنها". وتوقع ابو غريب ان تشهد حركة البيع نشاطاً في أيام عاشوراء بعد زج الشباب بمواكب العزاء. وبدأت تساؤلات الشباب العراقيين عن الزناجيل تتلاشى هذه الايام، خصوصا في مدينة "الصدر" وسط العاصمة، فالجماعات الدينية الشيعية بدأت منذ الان زجهم في المواكب التي ستبدأ نشاطها في الاول من عاشوراء، ونتيجة لهذا النشاط المبكر تم تسجيل اعداد من الاعمار الصغيرة للانضمام الى فرق ضرب الظهور ب"الزناجيل". وعن مدى استجابة الشباب لتلك العملية، قال المدرس محمد موسى: "لمست من خلال تلاميذي في المدرسة الاعدادية انهم وبدافع ممارسة طقوس دينية حرموا منها بدأوا تسجيل اسمائهم في المواكب التي عادة ينظمها افراد عشائرهم وأراهم متحمسين لممارسة تلك الطقوس". مشيراً الى ان المدارس العراقية ستواجه خلال أيام عاشوراء مشكلة غياب الطلبة الذين سيكونون منشغلين بمواكبهم. حيدر عائد طالب في الثانوية يقول: "الامر غريب بالنسبة لي وسأرى مظاهر لم تكن موجودة في السابق، فمشاهد ضرب الزناجيل كنا نراها عبر بعض التسجيلات المصورة، وكانت تثير مشاعر الخوف في نفسي". اما الشاب جعفر سعدون فخالف آراء زميله قائلاً: "ضرب الزناجيل جزء من واجب ديني وشجعني أبي على ان أكون أحد المنضمين لتلك المواكب، وقبل أيام اشترى لي أبي زنجيلا من سوق الكاظمية بمبلغ 7 آلاف دينار ووزنه نصف كيلو". الى جوار الزناجيل المعروضة في الاسواق نشطت حركة الخياطين في اعداد الزي الخاص لضارب "الزنجيل" حيث يرتدي دشداشة سوداء ذات فتحتين من الظهر. بعد وصول "الزناجيل" الى مستخدميها تبدأ مرحلة اخرى من التحضير ليوم العاشر من محرم، ويتم استبدال السلاسل بالسيوف المعروفة في العراق ب"القامات" ومعها تتم تهيئة الأكفان التي يرتديها الشباب استعدادا ليوم "التطبير" حين تضرب الرؤوس بالسيوف حتى يسيل الدم على الكفن الابيض ليتم منحه بعد ذلك الى النساء. معظم الشباب من الجيل الحالي يعتبر تلك الطقوس مثيرة للبشاعة، وعن ذلك قال الطالب الجامعي حيدر عباس: "اتساءل هل يمكن ان نقول ان من حسنات النظام السابق منعه ممارسة تلك الطقوس؟ نحن في زمن لا بد ان يجعلنا نرفض مثل هذه المظاهر التي تكرس التخلف والبشاعة في نفوس الجيل الجديد". واعرب حيدر عن اسفه لوجود أعداد كبيرة من الطلبة الجامعيين يمارسون تلك الطقوس متناسين تحصيلهم العلمي والانفتاح على مظاهر الحضارة. واشار بعض المراجع الدينية العراقية الى ضرورة إبعاد الشباب عن ممارسة تلك الطقوس، ودعا الى تنظيم محاضرات تلقي الضوء على معاني استشهاد الإمام الحسين، إلا ان تلك الدعوة قوبلت برفض العناصر المتشددة التي ترى في اقامة تلك الطقوس واحيائها فرصة لترسيخ القيم الدينية في نفوس الشباب.