انطلاق المؤتمر والمعرض الدولي للمرافق 2025 بالرياض    الأمير فهد بن جلوي يرأس اجتماع اللجنة التنسيقية لدورة ألعاب التضامن الإسلامي السادسة    مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025 .. جلسات حوارية ومتخصصة في اليوم الأول    الصحة القابضة تشارك في الحملة الوطنية للتبرع بالدم "اقتداء وعطاء"    تعليم جازان يستقبل أكثر من 351 ألف طالب وطالبة مع بداية العام الدراسي 1447ه    توثيق أكثر من 84 ألف طائر و 1200 كائن بحري في المملكة    اتفاقية لتوثيق شهادات الممارسين في جمعية القلب السعودية    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من الرئيس المصري    الداخلية: تجاهل أولوية المشاة مخالفة تعرض سلامتهم للخطر    تقارير.. برونو فيرنانديز على أعتاب الاتحاد    لكيلا تأسوا على ما فاتكم.. فلسفة الفقد والشفاء    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير الدفاع المدني بالمنطقة السابق    NHC تطلق البيع في مشروع شمس بالمدينة المنورة    تطبيقية الرياض تبدأ اعمال الفصل التدريبي الاول    العثور على مفقودي واديي آل فاهمة ودغبج    نائب أمير الشرقية يطّلع على تقرير "مدن" ويثمّن جهود جامعة الإمام    تجمع القصيم الصحي يقدّم خدماته التوعوية والصحية لزوار كرنفال بريدة للتمور    نجاح عملية تحويل مسار نوعية لمريضة بسرطان متقدم في تخصصي بريدة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تترجم 24 قصة للأطفال إلى 3 لغات عالمية    الخارجية الفلسطينية تطالب بتحرك دولي عاجل لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة    الصندوق العقاري يودع مليارا و42 مليون ريال في حسابات مستفيدي برنامج الدعم السكني لشهر أغسطس    بيان مشترك لأستراليا و25 دولة يدعو لحماية الصحفيين والسماح بدخول الإعلام الأجنبي إلى غزة    تجربة طبية في ملبورن تقلّص أورام الدماغ منخفضة الدرجة بنسبة 90%    بيع أغلى صقر في المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025 ب 1.2 مليون ريال    كوريا الشمالية تختبر صاروخين "جديدين" للدفاع الجوي    الرئيس اللبناني: لم نتبلغ رسمياً بنية إسرائيل إقامة منطقة عازلة    ترمب يلوح بقرارات حاسمة مع تراجع فرص القمة.. تصاعد النزاع بين روسيا وأوكرانيا    توصيل التيار بطرق غير نظامية.. الإسلامية: رصد تعد على عداد بمصلى في صناعة الرياض    أمراء ومسؤولون وأعيان يقدمون التعازي.. أميرا حائل والباحة ونائب أمير مكة المكرمة يواسون الأمير فهد بن مقرن    «فلكية جدة»: سهيل يعلن بداية العد التنازلي للصيف    السجن 333 سنة لتايلاندية احتالت على 166 شخصاً    نائب أمير مكة يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن مقرن بن عبدالعزيز    برعاية وزير الداخلية.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 208 متدربين من الدورات التأهيلية    رئيس«الغذاء والدواء»: المبتعثون يعكسون صورة مشرفة للسعودية    انطلاق «مهرجان البحر الأحمر» في ديسمبر المقبل    ياسمين عبد العزيز تعود إلى الكوميديا في رمضان    فسح وتصنيف 180 محتوى سينمائياً في أسبوع    انتخابات الأهلي .. فضلاً أعد المحاولة مرة أخرى    الأهلي يتوج بطلًا للسوبر السعودي للمرة الثانية    يستهدف إخلاءها من السكان.. الاحتلال يخطط لهجوم واسع على غزة    استشاري يطرح وصفة سريعة لخسارة الوزن    تعليق الدراسة الحضورية في مدارس تعليم عسير    القبض على رجل في اليابان بعد إصابته 18 شخصا برشه لرذاذ الفلفل    بعد الهزيمة في السوبر.. النصر يتحرك للتخلص من محترفه    شرط من بورتو لرحيل جوهرته إلى الاتحاد    اليوم الوطني السعودي: قصة وطن خالدة    مدينة الخطيئة    محمد أسد بين النسخة الأوروبية والتجديد الإسلامي    عن المقال وتأثيره    وزارة الشؤون الإسلامية واثقة الخطوات    نائب أمير الشرقية يعزي الشيخ عبدالرحمن الدوسري في وفاة شقيقه    6808 قضايا نفقة خلال شهرين.. المحاكم تنصف المطلقات وتحمي الأبناء    65 ألف مستفيد من الدورات الصيفية بمكة المكرمة    المفتي: أيها المعلمون عليكم مسؤولية وأمانة في أعناقكم    البطيخ والشمام لمرضى السكري    أمير حائل يهنئ الطلاب والطالبات ببدء العام الدراسي ويؤكد دورهم في تحقيق رؤية 2030    أحداث تاريخية في جيزان..انضمام جازان للحكم السعودي    قصة كلمة خادمنا من الملك سلمان إلى أمير عسير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاسبة جورج بوش على حربه العراقية
نشر في الحياة يوم 16 - 06 - 2007

بعد سقوط الدولة الشمولية العراقية التي كان يحكمها حزب البعث في 9 نيسان أبريل 2003، على أيدي قوات الاحتلال الأميركي المدفوعة بقوة إيديولوجية المحافظين الجدد، وبتهيئة المناخ للغزو عبر سلسلة كاملة من الأكاذيب، هاهو الغزو الأميركي - البريطاني يتحول كارثة حقيقية للمحتلين وحلفائهم، وللشعب العراقي في آن معاً.
وباتت المعطيات الإنسانية المعروفة تتحدث عن نفسها. ففي جانب المحتلين، هناك ما يقارب ال4000 قتيل، وأكثر من 24000 جريح مشوه. وفي جانب الشعب العراقي، حصدت الحرب المدمرة أكثر من 650 ألف قتيل حسب إحصائيات المصادر المحايدة. وشردت الحرب مليونين من العراقيين في البلدان المجاورة، وهم مهددون بدورهم بعدم الاستقرار. وهناك أكثر من مليون عراقي فقير جدا يسكن في مخيمات الطوارىء داخل العراق نفسه.
بيد أن أخطر ما حل هو الانقسام الطائفي والسياسي الذي بدأ بتحريض من المجموعات المسلحة في بغداد منذ 2004، والذي يمس الطائفتين الرئيستين في العاصمة. بيد أن هذا الانقسام ليس وليد الاحتلال فقط، بل إن الحرب العراقية - الإيرانية المدمرة 1980-1988، ثم حرب الخليج الثانية والحظر الاقتصادي الدولي 1990-2003 مسخا الثقافة العراقية التي كانت قائمة على التعايش في كنف التعددية.
وعلى الصعيد المالي، كان هول الهزيمة ساحقا. فهناك على الأقل 500 مليار دولارتطايرت كالدخان، لا سيما لمصلحة الشركات المقربة من إدارة الرئيس جورج بوش: هاليبورتون، باكتيل، بلاك ووتر، وغيرها. بيد أن هذه الشركات التي أخذت على عاتقها إعادة إعمار البلاد، وأكدت أن البترول العراقي سيتدفق من جديد، تبين أن مردودها من الناحية العملية يقارب الصفر. ذلك أن البنيات التحتية لم يتم تحديثها، في حين أن استخراج النفط ظل أقل من المعدل الذي كان عليه في ظل النظام السابق.
ولأن انعدام الأمن ما انفك يتوسع، ظلت إعادة الإعمار التي وعد بها كل من بوش وبلير العراقيين حبرا على ورق. وبصورة إجمالية، ازداد الشعب العراقي فقرا، وتضاعفت وفيات الأطفال، وبلغت البطالة مستويات قياسية، من 40 في المئة إلى 60، حسب المناطق. أما الجريمة المنظمة، فتتقدم في كل مدن العراق، مكونة عصابات من السارقين والخطافين والقتلة. ويجمع معظم المحللين الغربيين على أن حجم إخفاق الاحتلال كان كبيرا، وإن كان حقق إنجازا مهما هو زرع الفتنة وتهيئة التربة الخصبة لتقسيم العراق خدمة لمصالح الكيان الصهيوني.
لقد أصبح العراق"فيتنام جورج بوش"، وهذا ما يردده السيناتور الديموقراطي ادوارد كينيدي، وبفاصل زمني يمتد ثلاثين عاماً لا ينفك العراق وفيتنام يثيران الضجة. وعلى أرض الواقع، لا يوجد أي تشابه بين الصراعين. لكن مبررات الحرب واحدة في الحالتين: تحقيق أمن الولايات المتحدة بدمقرطة بلد يعتبر بنظرها مركزاً لتهديد أيديولوجي أكبر. بالأمس كانت الشيوعية واليوم الإسلام الأصولي. ومن الناحية العسكرية، يعتبر التورط الأميركي في العراق مختصراً أكثر. لقد كان لدى الولايات المتحدة 580 ألف جندي في فيتنام مقابل 156 ألف جندي اليوم في العراق. وثمة فرق آخر أساسي: الجندية الإلزامية. كان الجنود سابقاً من الشباب الذين يؤدون خدمتهم العسكرية، أما اليوم فهم متطوعون. وأخيراً، ففي عدد الضحايا، لا مجال للمقارنة.
هل يوجد تماثل بين الحرب الأميركية في العراق المستمرة منذ أربع سنوات، والحرب الأميركية في فيتنام المنتهية منذ أكثر من ثلاثين عاما؟ معظم المحللين الغربيين، لا سيما الأميركيين منهم، يعتبرون أن العراق غلطة السياسة الخارجية الأكبر منذ الحرب الفيتنامية التي كانت أطول الحروب في التاريخ الأميركي. ولقد ابتدأت بفصل يقارنه الكثيرون بقضية أسلحة الدمار الشامل لصدام حسين: الهجوم على مدمّرة صغيرة أميركية في خليج تونكين. وهذه استخدمت ذريعة أمام الكونغرس من قبل الرئيس ليندون جونسون، في آب أغسطس 1964، لإطلاق يده في إرسال قوات مقاتلة. وحسب روبيرت بريغهام، صاحب كتاب"العراق، هل هو فيتنام جديدة؟"، أنتج نفس السيناريو في تشرين الأول أكتوبر 2002، للسماح لبوش باستخدام القوة ضد العراق. لقد صوت الكونغرس للحرب، ثم بدأ الدعم يتآكل، وندم معظم البرلمانيين على تصويتهم.
وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في مقال كتبه، قبل أيام، لصحيفة"لوس أنجلوس تايمز"، قارن بين العراق وفيتنام مؤكداً أن"التاريخ لا يعيد نفسه أبداً بالطريقة نفسها. العراق وفيتنام حربان مختلفتان في زمانين مختلفين"، إلا أنه أقر بوجود"تشابه مهم"بينهما. واعتبر أن هذا التشابه يكمن في أنه في الحالتين"وصل النقاش الداخلي الأميركي إلى درجة من الحدة استبعدت النقاشات العقلانية والخيارات الصعبة".
في الحقبة الفيتنامية، أخذ الرأي العام وقتاً طويلاً قبل أن ينقلب على الحرب، فكان يصغي إلى دعوات الصبر، والخطابات حول"الإشارات المشجّعة"التي تصل من أرض المعركة.
في حال العراق، كان الانحسار في دعم الحرب ثابتاً، لكنه تدريجي. الانتصار الديموقراطي في انتخابات تشرين الثاني نوفمبر، وما تبعه من تقرير لجنة بيكر- هاميلتون، أسرع في وتيرة أزمة الضمير. ومع أن الديموقراطيين لم يروّجوا في حملتهم الانتخابية للانسحاب، وإنما فقط ل"تغيير في الاستراتيجية"، فقد وجدوا أنفسهم وسط رأي عام يطالب في ثلثيه، بعودة القوات قبل عام 2008.
والإدارة الأميركية الحالية وفقا لما نشرته صحيفة"نيويورك تايمز"في 26 أيار مايو الماضي، تدرس خفض عدد القوات الأميركية في العراق بنحو 50 في المئة منتصف العام المقبل، إضافة إلى تغيير وتحديد المهمة الموكلة للجنود الأميركيين لتتركز على تدريب القوات العراقية وقتال تنظيم القاعدة.
وقد لعب كل من وزير الدفاع روبرت غايتس ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس دورا أساسا في إقناع الرئيس بوش بتغيير موقفه من لجنة بيكر- هاملتون، بعدما توصلا إلى حقيقة إخفاق زيادة عدد القوات في تحقيق تقدم سياسي حقيقي في العراق. هذا الرأي طبعا يشاركهم فيه ومنذ مدة طويلة جنرالات الميدان العراقي وعلى رأسهم قائد القوات الأميركية في العراق ديفيد بتريوس.
فما لا شك فيه أن الحرب الكارثية أكدت على تراجع الولايات المتحدة الذي من مظاهره سقوط بول ولفوفيتز من رئاسة البنك الدولي بسبب فضيحة الفساد. وبدوره وُضع الرئيس بوش في موضع الدفاع، بعد أن تقوضت مكانته بسبب شبح الإخفاق في العراق، فضلا عن اضمحلال نفوذ صقور المحافظين الجدد الذين بدأوا يتساقطون كأوراق الخريف لمصلحة"الحمائم"الذين تولوا مقاليد الشؤون الخارجية. وكان هؤلاء الذين عقدوا العزم على تنفيذ استراتيجية تقوم على استخدام قوة الولايات المتحدة الضخمة"لإحداث ما يشبه الثورة في العالم من خلال العمل على تغيير الأنظمة الديكتاتورية واستبدالها بأنظمة ديموقراطية"، إما تركوا الإدارة الحالية بول ولفوفيتز، دوغلاس فيث، أو تخلوا عن خطابهم الإيديولوجي، أمثال فرانسيس فوكوياما.
ومن الشخصيات الأخرى المثيرة للجدل والاستهجان داخل تيار المحافظين الجدد جون بولتون الذي استقال من تمثيله لبلاده في الأمم المتحدة بعد سيطرة الحزب الديموقراطي على الكونغرس. كما ضحى بوش أيضا بوزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد عقب هزيمة الجمهوريين في الانتخابات النصفية، أما نائب الرئيس ديك تشيني فضعف مركزه الآن، لا سيما بعد إدانة مدير ديوانه لويس ليبي في آذار مارس الماضي بالكذب أمام المحققين حول تصرفاته. وهو يواجه حكماً بالسجن لمدة سبعة أعوام وسيتم إصدار الحكم في الشهر المقبل.
والمراجعة الجارية حول مرتكزات الغزو للعراق هي الأعنف حاليا منذ حرب فيتنام. والحال هذه، ليس غريبا أن تأخذ هذه المراجعة، في الصحافة الأميركية، طابعا ثأرياً أحياناً، بحق المتسببين الرئيسيين بهذه الحرب. ف"السلطة الرابعة"التي أسقطت ريتشارد نيكسون عام 1974، تم التلاعب بها لمصلحة تبرير الحرب على العراق. وهكذا، فإن أجهزة الإعلام التي أهينت، تريد استعادة مصداقيتها أمام الرأي العام الأميركي والعالمي. ومن هنا تأتي حملتها على مجموعة المحافظين الجدد.
والآن أصبحت الدول الثلاث التي وصفها بوش بمحور الشر تمثل المزيد من التهديدات والأخطار. فالعراق أصبح بؤرة لنشاط تنظيم القاعدة، أما إيران فتمضي قدماً في برنامجها النووي بينما أصبحت كوريا الشمالية دولة نووية معروفة!
* كاتب تونسي مقيم في سورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.