في ضاحية هادئة تبدو بعيدة كل البعد من ضوضاء وسط طهران، يقوم أمير موسافي، عالم البيولوجيا الجزيئية في مركز الأبحاث الوطني للهندسة الوراثية والتكنولوجيا البيولوجية، بكل اعتزاز بتشغيل مدفع جينات متطور لحقن الحمض النووي DNA في الخلايا. ويقول:"اقتناء هذا الجهاز تحلم به جامعات كثيرة في إيران". ويستقطب المركز المواهب الشابة من الباحثين الذين كادوا في الأمس يغادرون البلاد سعياً وراء المشاركة النشطة. فمنذ سنوات، تستثمر إيران الأموال في مرافق علمية متطورة تشمل حقول التكنولوجيا البيولوجية وفيزياء الجسيمات وعلوم الفلك. ولكن توتر العلاقات بالغرب يهدد المجتمع العلمي الوليد. وينتظر الباحثون بقلق قرارات الحكومة الجديدة. فالرئيس محمود أحمدي نجاد المتشدد الذي تعهّد استعادة قيم الثورة الاسلامية، لم يعلن موقفه النهائي من الأبحاث والتطوير. وهو، بتعيينه استاذ رياضيات وزيراً للعلوم، أراد ولا شك الإيحاء برأي إيجابي. "ان المعنويات ضعيفة جداً في الوسط العلمي"، يقول شابور إعتماد، مدير المعهد الأبحاث الوطني للتخطيط العلمي بطهران. والحال أن رفض إيران وقف برنامج تخصيب الوقود النووي يهدد التعاون العلمي مع الغرب بالانقطاع. ويبدي مصطفى معين، المتخصص في المناعة، وأحد مهندسي الإصلاح العلمي في إيران، وهو حل خامساً في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية في حزيران يونيو، قلقه من المستقبل:"كل الأبحاث مهددة". ومثله يخشى المثقفون الإيرانيون عودة الركود الى المجال البحثي، على غرار الوقت الذي أعقب ثورة 1979. فبعد إطاحة الشاه ووصول رجال الدين الأصوليين إلى الحكم، أغلقت الجامعات الإيرانية طوال ثلاث سنوات وجمد عدد كبير من الخطط. ونبذت الثورة الثقافية العلوم، فنعتتها بأنها"نتاج غربي"، ودعت الى نشوء"علوم إسلامية"خالصة. فغادر معظم العلماء البلاد. ومن بقي منهم اتهم بمعارضة الثورة. وفي أثناء تلك الحقبة المظلمة، سعت نخبة من علماء الرياضيات والفيزياء النظرية الى الحؤول دون تقويض الحقل العلمي في إيران. فأسسوا"لقاء الثلثاء"الأسبوعي، في كلية الفيزياء بجامعة طهران. وكانوا"يكافحون ضد المناخ السائد ويسعون إلى إقناع الجيل الجديد بالاستمرار في جهودهم للحفاظ على النشاطات العملية بإيران"، على ما كتب عالم الاجتماع فرهد خوسروخافار. ونجح"لقاء الثلثاء"في إقناع الحكومة الإيرانية المتشددة بالسماح للجامعات بتدريب حملة شهادات الدكتوراه. وغداة الحرب الإيرانية - العراقية ووفاة آية الله الخميني، شجعت الحكومة البحث العلمي طوال تسعينات القرن الماضي. وفي 1997، عام انتخاب الاصلاحيين إلى السلطة، استؤنف التعاون العلمي مع الخارج، لا سيما في الكيمياء والهندسة والفيزياء، لا سيما في حقل التكنولوجيا البيولوجية. وعيّن مصطفى معين وزيراً للثقافة والتعليم العالي فسعى إلى إعادة إحياء النشاط العلمي في الجامعات. ومذذاك، ازداد عدد الطلاب الجامعيين في العلوم 10 أضعاف، وناهز المليون طالب. وزادت النفقات على العلوم من 0.2 في المئة من الناتج المحلي 1990 إلى 0.65 في المئة هذا العام. وفي عام 2003، نشر علماء إيران 3277 دراسة نُشرت في الصحف العالمية. أي 30 ضعفاً قياساً على ما أنتجوه في 1985. وتقدمت إيران على باكستان وتساوت مع مصر. ومنذ عام 2000، زاد عدد الاسهامات المشتركة مع الخارج 3 أضعاف، خصوصاً في حقول الكيمياء والهندسة والفيزياء. ونال علماء الفلك حصتهم. فباشرت الحكومة تحديد موقع مرصد فلكي تبلغ كلفته 18 مليون دولار لمراقبة النظم خارج المجموعة الشمسية. وكان الفلكيون الإيرانيون بدأوا حملتهم في سبيل هذا المشروع منذ سبعينات القرن الماضي، ولم تخصص له حصص التمويل قبل 2004. وأول ثمار فورة التكنولوجيا البيولوجية في إيران، معهد أبحاث التكنولوجيا البيولوجية الزراعية الذي أنهى تجارب ميدانية على أنواع رز محلي معدّلة جينياً. وتجرى تجارب ميدانية على سكر مقاوم للفيروسات. ويخشى العلماء اليوم أن يعاد النظر في مسألة التعاون مع الغرب. فهم تربطهم علاقة حب وكره الولاياتالمتحدة، البلاد العلمية الأقوى في العالم، وفي وقت واحد. وتعتبر إيران أميركا عدوها الأول، على رغم أن خطط تعاون إيران مع الولاياتالمتحدة تفوق عددها مثيلها مع بلد آخر في العالم. وتمنع العقوبات الاميركية بيع ايران السلع الأميركية مباشرة، ما يحول دون حصول الإيرانيين على المعدات المتخصصة. ويسأل الإيرانيون عن النهج الذي قد يتّبعه أحمدي نجاد لاستعادة قيم الثورة الإسلامية، وعن مصير التفريق بين الجنسين. فعدد الباحثات في العلوم ازداد في ولايتي الرئيس السابق، محمد خاتمي. فمن 28 ألف عالم إيراني ثمة 5400 عالمة. ويأمل مجتمع العلماء في محافظته على حرية البحث في قطاع العلوم، وإلاّ فمن المحتمل أن يختار المنفى علماء إيرانيون كثيرون، رجالاً ونساء. عن ريتشارد ستون، ساينس الأميركية، 16/9/2005