سيارة شرطة متهالكة تقف فجأة أمام مبنى مهجور، يفتح باب السيارة بعنف، ويترجل شخص يبدو أنه في عجلة من أمره. يتوجه إلى الداخل ويخرج بعد لحظات حاملاً لفافة في يديه. يركب السيارة التي تنطلق مسرعة من حيث أتت. مشهد غريب على المارة، لكنه عمل طبيعي لراكب السيارة، فأمثاله معتادون عليه، بل أن قيامهم به بات شبه دوري في الشهور القليلة الماضية. المؤسف في الموضوع أن هذه اللفافة تحتوي على رضيع حديث الولادة، عمره غالباً يتراوح بين بضع ساعات وشهر واحد. تفاقم المشكلات مسؤول وحدة الأبحاث في المركز المصري لحقوق الطفل عادل بدر يقول إن إحصاء الأعداد الحقيقية للأطفال اللقطاء أو مجهولي النسب أمر مستحيل، فنسبة كبيرة من أولئك الأطفال لا يصلون أصلاً إلى قسم الشرطة. إذ يعثر عليهم متوفين، نظراً الى أن أمهاتهم يتركنهم في أماكن يصعب على الرضيع تحملها، وبعضهن يلقي بهم في سلال القمامة الكبيرة. هذا إضافة الى ظروف الطقس القاسية. ويشير بدر إلى أن أعداد الأطفال المعثور عليهم في زيادة مستمرة، وهذا يدل الى تفاقم المشكلات الاجتماعية والثقافية المؤدية لذلك. والغريب أن هناك احياء معينة في القاهرة اشتهرت بمثل هذه الظاهرة. المؤسف أن عدداً من هؤلاء الاطفال تتخلى عنهم الأمهات بسبب إعاقتهم. يقول بدر:"نسبة من الأمهات لهن تجربة سابقة مع طفل معوق، وحينما يرزقن بطفل آخر معوق، يقبلن على التخلص منه". تجدر الإشارة الى أن القانون المصري كفل حقوق أولئك الاطفال كاملة ومفصلة، لكن العبرة في التطبيق. واستحدثت مصر نظاماً لرعاية الأطفال"المعثور عليهم"، إذ صدر قرار لوزير الصحة والسكان عام 1998 لتطوير الاجراءات المتبعة في حال العثور على طفل رضيع. إذ يتم نقله بسيارة إسعاف مجهزة بحضانات الى مستشفى للأطفال لينال الرعاية الطبية اللازمة، ثم يتم اخطار الجهات المعنية في المحافظة وفي وزارتي الداخلية والصحة. وفي المستشفى تُستخرج شهادة ميلاد للطفل وبطاقة صحية، وبدأ أولئك الاطفال في الافادة من نظام التأمين الصحي المجاني. وبعد الاطمئنان الى صحة الطفل يُسلم إما الى وزارة الشؤون الاجتماعية لرعايته او الى مربية صالحة ترعاه في قسم"رعاية الاطفال المعثور عليهم"داخل مراكز رعاية الامومة والطفولة. وفي مصر 36 مركزاً لهذا الغرض تشرف عليها لجان اختصاصية. وطبقاً للمعلومات الرسمية، فإن تطبيق هذه الاجراءات اسهم في اتاحة رعاية طبية جيدة للاطفال المعثور عليهم، لكن الوضع في حاجة الى توفير المزيد من الدعم المادي والعمالة المتفرغة لخدمة هذه الفئة من الاطفال. وتتولى إدارة الرعاية البديلة في الشؤون الاجتماعية رعاية الاطفال المحرومين من الرعاية الاسرية، وأولئك الذين تحول ظروفهم الاسرية دون رعايتهم، وذلك من خلال ثلاثة انظمة اجتماعية. فهناك الحضانات الايوائية، وهي دور تخصص لايواء الاطفال من الجنسين الذين تتراوح سنهم بين سنتين وست سنوات ممن حُرموا من الرعاية الاسرية، ويبلغ عدد تلك الحضانات 41 حضانة تؤوي 1225 طفلاً. حضانات ايوائية يشير تقرير الى أن الحضانات الايوائية في مصر تواجه مشكلات في نقص الكوادر الفنية، خصوصاً الاختصاصيين النفسانيين والاجتماعيين، والاطباء، إضافة الى الحاجة الماسة الى تنظيم دورات تدريبية للعاملين فيها. وهناك كذلك المؤسسات الايوائية للأطفال من الجنسين الذين تتراوح أعمارهم بين سنة و18 سنة ممن حرموا من الرعاية الاسرية لأسباب اليتم، او تصدع الاسرة أو عجزها عن توفير الرعاية السليمة. كما تؤوي المعثور عليهم والضالين. ويبلغ عدد تلك المؤسسات 232 مؤسسة تؤوي 7669 طفلاً، 57 في المئة منهم ذكور و34 في المئة إناث. والنظام الثالث والاخير هو إيداع الطفل لدى أسرة بديلة، ويبلغ عدد اولئك الاطفال 4394 طفلاً وقد وضعت وزارة الشؤون الاجتماعية عدداً من الشروط لذلك. فالطفل يبقى في كنف الاسرة البديلة الى أن يلتحق بعمل مناسب او تتزوج الفتاة. ويطبق نظام الكفالة الاسلامية على الاطفال الذين ترعاهم الاسر البديلة، إذ يقيم الطفل في كنف الاسرة التي تربيه وتنفق عليه، من دون أن ينسب اليها. وقد تلجأ الاسرة الكفيلة الى تخصيص مورد مالي للانفاق على الطفل من دون انتقاله للعيش معها. ويلاحظ أن العدد الاكبر من الاطفال المودعين في المؤسسات والحضانات الايوائية والاسر البديلة هم من مجهولي النسب. أي أن آباءهم وأمهاتهم غير معروفين. فمن مجموع 7669 طفلاً مسجلاً في الأوراق الرسمية باعتبارهم لا يلقون الرعاية لدى أسرهم الطبيعية، يأتي مجهولو النسب على رأس القائمة بمجموع 2579 طفلاً، يليهم الاطفال الذين تخلت عنهم اسرهم بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وعددهم 935 طفلاً. وفي 74 في المئة من حالات اولئك الاطفال، يتم الالتحاق بمراحل التعليم، وهناك منهم من يكمل تعليمه الجامعي. ويلفت بدر الى فئة اخرى من الاطفال تواجه مشكلات مشابهة وان كانوا ليسوا لقطاء، وهم الاطفال الذين ينكر آباؤهم نسبهم. وفي العام الماضي فقط شهدت المحاكم المصرية نحو 700 قضية لاثبات النسب، مع العلم ان قلة فقط من الامهات تصل الى المحاكم. ويشير الى صعوبة الاجراءات وتعقيداتها الشديدة في ما يختص بالأسر التي تود كفالة طفل من الاطفال المعثور عليهم، اضافة الى النقص الشديد في الامكانات المادية والتدريب والتأهيل اللازمين لرعاية اولئك الاطفال في الحضانات والمؤسسات الايوائية وهو يؤكد أن"التيسير في هذه الامور يكون في مصلحة الطفل الفضلى". وكالعادة يتدخل المجتمع بعاداته وتقاليده وموروثاته ليضيف بعداً آخر الى المسألة، لكن الاضافة في هذا الصدد اضافة غير مرغوب فيها، يقول بدر:"الغالبية العظمى - بمن في ذلك العاملون مع اولئك الاطفال في المؤسسات والحضانات الايوائية - يتعاملون مع الاطفال المعثور عليهم باعتبارهم اطفالاً غير شرعيين وكثيراً ما يستخدم لفظ"ابن حرام"الجارح والمؤلم. وهذا سلوك ثقافي مجتمعي لا تنظمه القوانين".