ماذا فعل رئيس الوزراء خوسيه ماريا أثنار بعد ان استهدفت تفجيرات إرهابية قطارات إسبانية في 11 من هذا الشهر؟ هو شنّ حملة إعلامية لاقناع الناخبين الإسبان بأن انفصاليي الباسك، من منظمة ايتا الارهابية، وراء العملية. أثنار لم يحاول ان يبحث عن المجرمين وراء قتل مئتي إسباني وجرح 1500 آخرين، وإنما كان كل همه ان يستعمل الحادث ليفيده انتخابياًً. وهو دفع الثمن كما يستحق على حقارة تصرفه. ويظل آرييل شارون أحقر بدرجات، فهو ألغى اجتماعاً مع رئيس الوزراء الفلسطيني أبو العلاء بعد استهداف أشدود بعملية انتحارية فلسطينية. ولا أتصور ان شارون يرى مدى العنصرية، أو النازية المجرّدة، في تصرّفه، فهو يقتل فلسطينيين كل يوم، وعادة ما يشمل القتل نساء وأطفالاً، ومع ذلك فهو لا يعتبر ذلك أمراً مهماً، أو موقفاً يثير ردود فعل انتحارية، وإنما يفترض ان الفلسطينيين يجب ان يموتوا، ومن دون مقاومة. لا أدري إذا كان وجد بين الاسرائىليين من حاول لفت نظر شارون الى معنى موقفه، فما قرأت كان من بعض أعضاء حكومته، وهم في الجريمة والعنصرية مثله. وربما كان الأمر انه لا يوجد حلّ، فقد ألغى شارون اجتماعه مع أبو العلاء، وأنا أقرأ عرضاً لكتاب بعنوان "الحياة مع مفجري القنابل: اسرائىل في عصر الارهاب" من تأليف ديفيد هوروفيتز، وهو رئيس تحرير "جيروزاليم ريبورت"، ومعتدل معروف. ومع ذلك ما قرأت من عرض الكتاب وعنوانه يجعلانني أعرض عن قراءته، فالارهاب في فلسطين الذي أطلق كل ارهاب آخر سببه استمرار الاحتلال المجرم. ومع ذلك فالاسرائيلي يبحث عن أعذار وأسباب ويفلسف أبسط الأمور، من دون ان يدعو الى إنهاء الاحتلال لتنتهي أسبابه، أو أكثرها. وكنتُ قرأت عرض كتاب هوروفيتز، ثم قرأت مقالاً للمؤلف في "نيويورك تايمز" بعنوان "ومضة سلام" لم أجد فيه سلاماً، فصاحبه يريد من العرب في قمة تونس ان يزيدوا على اعلان بيروت أشياء من وثيقة جنيف، ثم يحمّل أبو عمار مسؤولية الفشل وهو محاصر وينسى جرائم حكومة شارون اليومية ضد نساء وأطفال، فهي المسؤولة عن العمليات الانتحارية التي لم يعرفها الفلسطينيون قبل الاحتلال. وإذا كان هذا موقف المعتدلين الاسرائىليين فعلى السلام السلام. اليوم عندي من كل وادٍ عصا، إلاّ انه واد واحد هو وادي اسرائيل والاعتذاريون لها في الداخل والخارج. وهؤلاء يتّبعون أسلوباً بات معروفاً فهم يتحدثون عن كل ارهاب غير الارهاب الاسرائيلي، ويسجلون كل سبب للإرهاب ويتجاهلون حصة اسرائيل المباشرة والأصلية عنه. في "الديلي ميل" التي أقرأها بانتظام كنتُ أتجاوز ما تكتب ميلاني فيليبس حتى وقعت لها على مقال عن اللاسامية يحمّل اليسار المسؤولية عنه، لا جرائم حكومة آرييل شارون. وعلّقت عليه الشهر الماضي وأصبحت أقرأ ما تكتب، وتوقفت يوم الأحد الماضي عند مقال لها عن الارهاب قالت فيه: "الواقع ان الجهاد هاجم بلداناً عدة، المغرب والفيليبين والجزائر وماليزيا، وهذه لم يكن لها دور في شنّ حرب على العراق". هل لاحظ القارئ شيئاً في هذا الكلام؟ إذا لم يلاحظ فسأجعل الأمر أسهل نسبياً وأترجم له من افتتاحية "الديلي تلغراف" قبل ذلك بيومين، فقد جاء فيها: "الحقيقة انه كما أظهرت الهجمات الإجرامية في نيويوركوواشنطن وبالي وكينيا والعراق فالمستهدف بتكنولوجيا الموت للارهابيين ليس سكان أوروبا بل العالم كله". لا أريد ان أدخل مع القارئ في لعبة "فوازير رمضانية" خارج وقتها، فأقول ان المقال والافتتاحية سجلا أسماء بلدان تعرّضت للارهاب، وأغفلا اسم المملكة العربية السعودية التي تعرّضت لعمليتين ارهابيتين حقيرتين في 12 أيار مايو الماضي، والثامن من تشرين الأول نوفمبر الماضي، وقُتل في العملية الأولى ابنا صديقين عزيزين عليّ جداً، اعتبرتهما دائماً مثل ابني. ولا تزال المملكة العربية السعودية في مقدّم الدول التي تتعرّض للإرهاب وتحاول دحره. هل هي صدفة ان كاتبة يهودية وجريدة صهيونية سجّلتا إرهاباً قبل العمليتين السعوديتين وبعدها تتجاهلان معاً المملكة العربية السعودية؟ ربما كان ذلك. ما ليس صدفة هو ان أنصار اسرائيل نمط واحد وبربارة امييل في "الديلي تلغراف" التي أطاحت زوجها كونراد بلايك كتبت مقالاً عن الارهاب بين افتتاحية الجريدة ومقال فيليبس جمعت فيه "حزب الله" مع ارهابيي فرنسا وإسبانيا. و"حزب الله"، كما كتبت يوماً، عظمة سمك في حلق اسرائيل وأنصارها، وهو حرمهم أي عذر ضدّه بتركيز عملياته على أرض المواجهة مع اسرائيل، لذلك يحاولون جمعه مع منظمات إرهابية لترويج صورة له غير حقيقية أبداً. ومع ذلك فأمييل هذه المرّة سجّلت "ارغون" و"شتيرن" مع كتائب شهداء الأقصى وحماس والجهاد كمنظمات إرهابية، وهي نقطة نادرة في مصلحتها، مع انها لم تلاحظ الفارق بين ارهابيين آتين من الخارج لاقتلاع شعب آمن من أرضه، ومنظمات إسلامية تحاول الدفاع عن ناس تحت الاحتلال. عارضت العمليات الانتحارية باستمرار ورجوت الاخوان في الفصائل الإسلامية وقفها. وفي حين ان موقف أنصار اسرائيل استفزازي جداً، فهم لن يجعلوني أغيّر موقفي هنا، وأفضل منهم مجتمعين سوزان غولدنبرغ، مراسلة "الغارديان" في واشنطن، وهي يهودية بريطانية عملت في الأراضي المحتلة وكانت في منتهى التعاطف مع الفلسطينيين مثل الاسرائىلية أميرة هاس، ولم تغيّر موقفها في واشنطن، فقد قرأت أخيراً خبراً أرسلته الى جريدتها عن إعلانات انتخابية لجورج بوش تضرب على وتر الخوف من العرب. وإن لم تكن سوزان غولدنبرغ، فهناك يوهان هاري وكريس ماغريل اللذان كتبا بصدق وألم عن خليل بشير وابنه يوسف، ابن الخامسة عشرة، الذي أصابه الجنود الاسرائىليون بالرصاص في ظهره وأصبح مقعداً في بيت أبيه من دون ان يكره الأب أعداءه أو يفقد أمله بالسلام.