هل ينبغي للتقنية في السينما - كما في الفنون الأخرى - أن تكون بارزة، وأن تتخطى جوهر الحكاية، ربما الى تشويشها؟ وقبل ذلك ما أهمية التقنية؟ هنا ثمانية عشر سينمائياً فرنسياً يُدْلون بآرائهم في السينما والتقنية ومدى أهميتها والمكان الذي تحتله في صناعة الفيلم. سنلاحظ اختلاف الآراء حول هذا الموضوع مع ملاحظة ذات أهمية ترى أن التقنية في السينما هي ما يعادل الأسلوب في مجالات أخرى مثل الكتابة والرسم، والأسلوب يكون لامرئياً أيضاً ولا ينبغي للتقنية أن تبرز - كذلك الأسلوب - على حساب الموضوع. "التقنية بالنسبة الى الشاشة هي مثل الإطار بالنسبة الى الحجر الكريم". جان كوكتو 1889 - 1963 من أفلامه: دم الشاعر، النسر ذو الرأسين، وصية أورفيوس.... "التقنية لا يستهان بها. ولقد تجرأت على استخدامها حتى من أجل تشويه الصورة في فيلم "الدورادو" ولم يكن ذلك لغاية هزلية، بل للتوصل الى الاستبطان النفسي من خلال الصورة المشوهة". مارسيل ليربييه 1890 - 1979 من أفلامه: الدورادو، المال، آخر أيام بومباي.... "أمام صحن الأكل الطيب لا يتساءل المرء عن مكوناته بل عن الطباخ الذي عرف كيف يجعله شهياً". جان رينوار 1894 - 1979 من أفلامه: مدام بوفاري، قانون اللعبة، إيلينا والرجال.... "أكبر خصومة هي تلك القائمة بين تقنيي الصوت والصورة. ويمكنني القول أيضاً ان التصوير في الماضي كان يتطلب اثنين من تقنيي الإضاءة، أما اليوم فإن ثلاثة منهم قد يغطون الحاجة بالضبط! وإذا عدت الى اللون، فإنني أقول إنه كان فظيعاً في البداية، أما الآن فقد سهّل كل شيء". مارسيل بانيول 1895 - 1974 من أفلامه: توباز، رسائل طاحونتي، زوجة الخبّاز.... "أرى أن التقنية هي أكمل وسيلة تعبير وُجدت حتى الآن. في البداية كان هناك خوف من سرعة تجاوب الجمهور، أما الآن فقد أدت موجة السينما الجديدة وأعمال المخرجين الشباب الى التخلص من التقنية القديمة. لا بد من الاعتماد على التلميح والإيحاء. وهناك أساليب متعددة للتعبير، فليس من المحبذ اختيار اخراج وسرد يركزان كثيراً على الصورة في حد ذاتها إذا روينا حكاية كلاسيكية". أندريه هونيبال 1896 - 1985 من أفلامه: مهمة في طنجة، الفرسان الثلاثة، فانتوماس.... "أرى ان أكبر ميزة للفيلم هي ألا يتم الشعور بالتقنية. ومتى أكثر المخرج من تحريك الكاميرا واستخدام اللقطات المقربة والخدع، والتظاهر بالمهارة، أُدرك أنه مخرج رديء، أصعب ما يعترض المخرج الحقيقي هو أن ينجح في عدم إبراز الاخراج، ونسيان الكاميرا". روجيه ريشبي 1897 - 1989 من أفلامه: احتضار النسور، عشاق منتصف الليل.... "لا أهمية للتقنية. التقنية مثل الأسلوب... لا يمكن تعلّمها. هي في الواقع تعتمد على الحس السليم". رينيه كلير 1898 - 1981 من أفلامه: عشرة هنود صغار، الفرنسية والحب.... "أنا ضد التقنية المحسوسة. فالمتفرج لا يحتاج الى فهم المصطلحات الفنية. تماماً مثلما يتمتع قراء ستاندال ودوماس وبلزاك بجمال أسلوبهم من دون حاجة الى تحليل الجمل أو إعرابها. ومن المؤسف أن مخرجي اليوم يستعرضون معارفهم التقنية من أجل البروز مهما كان الثمن". مارك آليغريه 1900 - 1973 من أفلامه: رحلة الى الكونغو، مدخل الفنانين.... "التقنية عند السينمائي بأهمية القلم عند الكاتب. أوراقنا هي الأفلام الموجبة، وقلمنا هو الكاميرا. والأساس في الحالين توافر متعة القراءة". كريستيان - جاك 1904 - 1994 من أفلامه: الفرنسية والحب، الزنبقة السوداء.... "التقنية؟ ينبغي نسيانها من فرط الاطلاع عليها". جان دريفيل 1906 - من أفلامه: معركة الماء الثقيل، لافاييت، ليلة الوداع.... "التقنية لا بد منها، لكن ينبغي أن تظل غير مرئية". قال أوفولس وأضاف: "التقنية هي سيارة في حال جيدة وطريق في حال جيدة يسمحان لك باكتشاف منظر جميل. المشهد موجود وإذا لم تكن لديك وسائل لرؤيته يكف عن الوجود. وإذا كنت في سيارة "خردة" على طريق سيئة، لن تتمكن من رؤية أجمل منظر في العالم". أندريه كايات 1909 - 1989 من أفلامه: مخاطر المهنة، دروب كاتمندو، الموت حبّاً.... "السينما تراهن على استمرارية الإلهام ضمن الحركة. إنها تشبه عملية الطبخ!". ألن رينيه 1922 - من أفلامه: هيروشيما حبيبتي، مورييل، أحبك أحبك.... "ينبغي هزّ الجمهور، لأنه قد يفضل النوم في قاعة السينما. السينما لغة موسيقية، شعرية، تشكيلية. لذلك قد يكون شريطي المثالي هو الفيلم الذي يقول، من خلال شكله، شيئاً آخر غير ما يرويه. لكنني ألجأ الى استشارة الممثلين والتقنيين في بعض النقاط. فأنا حريص على التعاون الفعلي على المستوى التقني. مع ذلك لا أعتقد أن أفلامي تخاطب العقل بقدر ما تخاطب الحواس. لا أرغب في أن يؤدي البناء الدقيق والمتقن الى جفاف الموضوع. أنا أخاطب الحواس. وأفضل تعليق يبهجني هو القول: "هذا جميل!" لذلك أستفظع من يُعمل عقله ولا يتوصل الى الفهم فيغضب بسبب ذلك. أعتقد أن على المتفرج أن يُسلس القياد. فعندما لا يطفو المتفرج يغرق الفيلم". ألن روب غرييه 1922 - من أفلامه: قطار أوروبا السريع، عدن وبعد، التغلغل التدريجي للرغبة.... "تكون التقنية حاسمة في البداية، كما في الموسيقى. لا يمكن عزف الموسيقى من دون معرفة "النوطة". ولا بد من التنسيق والتوليف بين العناصر البسيطة أو التي تبدو كذلك في البداية. والتقنية ذات سلسلة لا تنتهي من التوليفات. فلا بد من معرفتها وعدم الخضوع للرتابة. عندئذ يمكن التخلص من مشكلات التقنية أثناء التصوير. إذ تتحول الى مسائل ذات علاقة بالكلمات المناسبة والبسيطة، وكذلك بالسيناريو والأداء والزمن واللون وتحريك الآلات، أي ان التقنية تكمن في الإحساس بنتائجها، وإلا أغرقت صاحبها". كلود سوتيه 1924 - 2000 من أفلامه: أشياء الحياة، مادو، حكاية بسيطة، الابن العاق.... "أعتقد ان التقنية هي ما نتعلمه من الآخرين، هي ما لا نعرفه. أما أساسها فيتمّ امتلاكه بسرعة كافية هي ما يستغرقه اخراج أول شريط قصير. ولا يتم التحسن تقنياً إلا عبر ما نريد قوله. وفي هذا المجال لا تنفع النصائح والوصفات التقنية الجاهزة التي يقدمها لك الآخرون. أهم ما في الأمر هو الموضوع. ولا بد من الحذر تجاه التقنيين أثناء التصوير، لأنهم يميلون الى تكرار ما قاموا به مع مخرجين سابقين. وما سبق فعله هو الأسهل دائماً". جان - شارل تاكيلا 1925 - من أفلامه: سيدات مستهترات، رجل حياتي، كل الأيام يوم أحد.... "لا ينبغي السعي الى استغباء الجمهور أو إبهاره. فهذا يؤدي بالمخرج الى نضوب قريحته. إن التعقيد يدل الى جهل بالمهنة وعدم اجتهاد. ما يحصل في السينما ينطبق على سائر الفنون الأخرى. لقد تم تسليمها الى المخرّبين الذين لا دور لهم إلا تمزيقها. لكن ثمة ما يُطمئن في هذه الظاهرة، فالتكالب على تخريب فن من الفنون يقدم دليلاً انه فن حقيقي. الحل هو عدم المبالغة في التقنية وتقديم أفلام يفهمها الناس. ومن يعمل بغير ذلك قد يكتسب مريدين لكنه لن يكسب جمهوراً. وقد يندثر قبل اندثار السينما. ويعجبني في هذا المجال قول للويس جوفيه: "ثمة شيء واحد لا يتطور أبداً: الطليعة". أنا ضد الخلط بين ما يُسمى بالطليعة وبين الأفلام الجريئة. إذ يمكن التعبير عن أشياء معقدة بأسلوب بسيط وواضح. حتى البشاعة صاروا يسقطون عليها العتمة ليحاولوا اظهارها جمالاً. هذه الظاهرة تعود الى الستينات ويُعتبر أنطونيوني أحد أكبر المهتمين بهذه الفضيحة. كل أفلامه كئيبة. أنا شخصياً أعتبر تلك السينما مشبوهة". كلود شابرول 1930 - من أفلامه: فلتمت البهيمة، فروج بالخلّ، الجحيم.... "التقنية لا تُرى في أفلامي. في بداياتي كنت أكثر اهتماماً بمسألة الشكل ومحاولات البراعة. لقد حلت المشكلات الشكلية تلقائياً إذ صارت تندمج مع الحكاية. ذلك أن الشكل والمضمون، في نظري، تحلّ مشكلتهما معاً. صرت ألجأ الى الارتجال كثيراً على صعيد التقنية. والتقنية في نظري ينبغي أن تكون في خدمة الممثلين، كي تسهل عملهم. لكنها لا تعنيني في حدّ ذاتها لأنها لا تطرح عليّ أي نوع من المشكلات. وربما يصفونني بالسينمائي الكلاسيكي، لهذا السبب". لوي مال 1932 - 1995 من أفلامه: مصعد الى المشنقة، زازي في المترو، خليج آلامو.... "كانت الكاميرا مفرطة في الجمود ثم صارت مفرطة في الحركة. والحال أن الكاميرا ينبغي أن تكون غير مرئية، أي في توازن دائم، مع حوافز دائمة. شخصياً جذّفت ضد التيار من أجل المحافظة على ذلك التوازن والحذر مما هو رائج وحماية عوالمي الخاصة، لم أسعَ الى التجديد الإرادي لكن ما أنجزته من تجديد في كل فيلم من أفلامي كان واضحاً للعيان". فرانسوا تروفو 1932 - 1984 من أفلامه: جول وجيم، عروس الميسيسيبي، الطفل المتوحش، الانكليزيتان والقارة....