في فترات التأزم لا يمرّ يوم من دون ان يكون هناك مسؤول اسرائيلي زائر في واشنطن ليطّلع مباشرة على ما تفكّر فيه الإدارة من مواقف او مبادرات. مع اقتراب الموعد المُفترض للضربة الاميركية للعراق انعكس الأمر واصبح هناك زوّار اميركيون دائمون لإسرائيل. والهدف هو "التنسيق". فمن جهة نجح الاسرائيليون في جعل الأكاذيب والإفتراضات حقائق، فاقتنع الاميركيون بأن حليفتهم الرئيسية في المنطقة مٌعرّضة لقصف عراقي. وخلال الاسبوعين الأخيرين اتخذت واشنطن قرارات وإجراءات عدة لتعزيز الدفاعات الاسرائيلية، والبحث جارٍ في تفاصيل المساعدة المالية التي طلبتها حكومة شارون. على عكس حرب 1991، هذه المرّة لم تقرّ الولاياتالمتحدة لإسرائيل ب"حق الرد" على أي ضربة عراقية، بل يبدو أنها أوجدت لها دوراً في الحرب، وستعتمد عليها في بعض العمليات. وتبرير ذلك ان الدول العربية ليست مُنخرطة رسمياً في الخطة العسكرية، وإنما هناك مساهمات جزئية من بعض الدول، وطالما ان ليس هناك تحالف اقليمي او دولي واضح المعالم فإن الولاياتالمتحدة مضطرة للتعامل مع الحلفاء الموثوق بهم. لكن التبرير الأهم يكمن في ان الاميركيين يريدون استغلال السلبية العربية تجاه الحرب بإدخال اسرائيل على الخط كجزء من إرهاصات ما يُسمى ب"خرائط جديدة" للمنطقة. آخر الزوار الاميركيين لاسرائيل كان ريان كروكر، أحد المسؤولين البارزين في الخارجية، ولم يكن هناك أي تردد في اعلان مهمته: "التشاور مع الاسرائيليين في تصوراتهم لفترة ما بعد الحرب على العراق". بمعنى ان من يشارك في الحرب يحق له ان يبدي رأياً في ما بعدها، وإلا لكان من الطبيعي ان يعمّ هذا التشاور ويشمل دول المنطقة جميعاً. صحيح ان بعض الادارة الاميركية قلق من استغلال اسرائيل للحرب على العراق وإمكان إقدامها على خطوات ضد الفلسطينيين قد تفسد أجواء تلك الحرب والتحضيرات الاميركية لها. لكن الأصح ان واشنطن تعرف مسبقاً ان الاسرائيليين سيتحركون، والأهم انها تعرف انها لا تستطيع منعهم او إقناعهم بعدم ربط "الحربين". وحتى لو وُجد في الخارجية الاميركية من يفكر باعتدال، ويرغب في وضع حد للمبالغات الاسرائيلية، إلا ان شارون وموفاز وسائر أفراد العصابة راهنوا دائماً على صقور الادارة ونسجوا معهم علاقة تعاون وتواطؤ تتجاوز توجهات الخارجية. ولذلك لم يُترك كروكر وحده في اسرائيل وإنما جاء أحد مساعدي وزير الدفاع، دوغلاس فايث، الذي تردد مراراً في الاسابيع الأخيرة الى اسرائيل بحكم توليه ملف التنسيق العسكري معها. ليس معروفاً، علناً على الاقل، ان تشاوراً مماثلاً قد حصل بين مسؤولين اميركيين وعرب بشأن مستقبل العراق بعد الضربة. وإذا كانت الدول العربية ذات الشأن حرصت على ان تنأى بنفسها عن المشاركة في المشروع الحربي الاميركي، فلأن هذا المشروع انطلق أساساً من موقف عدائي وعدواني ضد العرب عموماً، حتى انه اعتمد الى حد كبير على نجاح سياسات شارون وحكومته وعلى الإحباطات العربية الناتجة عنها لبناء المناخ النفسي للحرب على العراق. عملياً، انتهج العرب منذ قمة بيروت سياسة قوامها: مبادرة سلام تجاه اسرائيل، وحضّ العراق على أقصى تعاون مع الأممالمتحدة لتجنب الحرب. ومن الواضح ان هذه السياسة لم تناسب الولاياتالمتحدة، فلا هي استندت الى مبادرة السلام لردع شارون وانما شجّعته على العدوان ومعاودة الاحتلال، ولا هي استخدمت الموقف العربي للضغط على بغداد بل لم تشأ حتى وضع رهان الحل السلمي على قدم المساواة مع رغبتها في الحرب. واذ اعتبر العرب انهم قدّموا أقصى ما يستطيعون، ولم يجدوا داعياً لمراجعة سياساتهم، فإن واشنطن بدت وتبدو مرتاحة الى تعطيل الدور العربي لتستعيض عنه بالتشاور مع اسرائيل. من الواضح ان الولاياتالمتحدة واسرائيل تتطلعان الى حربهما على العراق كمدخل الى تغيير في طبيعة المنطقة. فالاولى خرجت من احداث 11 ايلول سبتمبر، والثانية من "عملية السلام"، بخيبة أمل بالحكومات، وبنقمة على الشعوب العربية. ولذلك تريدان حدثاً كبيراً يهزّ المنطقة وأهلها لتصبح بعدئذ الحلول الدنيا هي الحلول القصوى. وقد كان اجتياح الضفة الغربية اختباراً قاسياً فشل فيه العرب، وأعطى نموذجاً للاختبار الآتي في العراق.