المملكة تعزز الاستثمار في القطاع غير الربحي لتحقيق الفائدة الاجتماعية وفق رؤية 2030    اللواء المربع يقف على سير العمل بجوازات منفذ الوديعة    رعى تخريج دفعتين من "القيادة والأركان" و"الدراسات العسكرية" .. وزير الحرس الوطني يدشن «برنامج الحرب»    أمير المدينة: مهتمون بمتابعة المشاريع ورصد التحديات لمعالجتها    2367 ريالاً إنفاق الفرد على التأمين    يفتتح مكتباً لشركة تابعة في باريس.. «السيادي السعودي» يرسخ شراكاته الاستثمارية العالمية    طريق أملج الوجه يحتاج وقفة    أدانت بشدة تصعيد الاحتلال وتوسعه شمال وجنوب غزة.. السعودية تحذر من استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني    "الرئاسي" يتحرّك لاحتواء التصعيد.. عصيان مدني واسع في طرابلس    عون يؤكد أهمية تأمين عودة النازحين لبلادهم بشكل آمن.. بيروت تعيد رسم خطوط التواصل مع دمشق    في انطلاق الجولة ال 33 قبل الأخيرة من دوري روشن.. الاتحاد في ضيافة الشباب.. والقادسية يواجه العروبة    وزير الخارجية ونظيرته النمساوية يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    النصر يكشف عن شعاره الجديد.. ويستعيد رونالدو    سالم يواصل ارتداء شعار الزعيم حتى 2027    طرفا نهائي كأس اليد يتحددان اليوم    مدرب منتخب هولندا: نادم على تصريحاتي بشأن الدوري السعودي    أشادوا بالخدمات المقدمة عبر "الوديعة".. حجاج يمنيون: المملكة حريصة على راحة ضيوف الرحمن    "الداخلية" تدعو للإبلاغ عن من ينقل مخالفي أنظمة الحج    حرس الحدود ينقذ (10) مقيمين " من غدر البحر"    بعد 12 يوماً.. الصيف يدق على الأبواب    الدكتور قزاز: توظيف الدراسات واستخدام "التفاعلية" مع تطوير المحتوى وقياس التأثير يحقق النجاح لإعلام الحج    ضوء صغير    الاستثمار في العقول    كورال روح الشرق يختتم بينالي الفنون الإسلامية 2025    حكاية طفل الأنابيب (5)    الاعتراف رسمياً بالسكري من النوع الخامس    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع طفيف    سيراليون تسجل زيادة في إصابات جدري القردة بنسبة 71% خلال أسبوع    سعود بن نايف يطلق برنامج "تطوع الشرقية"    برعاية نائب أمير الرياض.. بحث مستجدات مجالات الميتاجينوم والميكروبيوم    وكيل وزارة التعليم: في "آيسف" أبهرنا العالم    تجاوز مستفيدي مبادرة طريق مكة «مليون حاج»    الشؤون الإسلامية تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج    وزير الحرس الوطني يرعى حفل خريجي كلية الملك عبدالله للقيادة والأركان    تفعيل اقتصاد المناطق    نائب أمير الشرقية يطّلع على تقرير "نور"    أمير تبوك يستقبل نادي نيوم ويبارك لهم تتويجهم بلقب دوري يلو والصعود الى دوري روشن    جمعية مالك للخدمات الإنسانية بالمحالة في زيارة ل "بر أبها"    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكِّد على تسخير كافة الوسائل التقنية ووسائل الذكاء الاصطناعي في تقديم خدمات الرئاسة العامة في حج هذا العام    الداخلية تصدر قرارات إدارية بحق 12 وافدا و8 مواطنين لنقلهم 60 مخالفا لا يحملون تصاريح لأداء الحج    المملكة.. إخراج سورية من عزلتها    «الدعم» تقصف مخيم نازحين وتوقع 14 قتيلاً بدارفور    حرس الحدود ينقذ 10 مصريين بعد جنوح واسطتهم البحرية    إيران: شروط واشنطن ستُفشل المحادثات النووية    تواصل سعودي نمساوي    الخارجية الفلسطينية تطالب بتحرك دولي عاجل لوقف العدوان الإسرائيلي    نائب ترمب: الولايات المتحدة قد تنسحب من حرب أوكرانيا    "الصحة العالمية": نواجه عجزا بنحو 1.7 مليار دولار خلال العامين المقبلين    محافظ أبو عريش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحصل على اعتماد JCI للمؤسسات كأول مجموعة صحية خاصة في المملكة    حلول واقعية لمعالجة التحديات المعاصرة التربوية    لمسة وفاء.. الشيخ محمد بن عبدالله آل علي    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    9.5% تراجعا في تمويل واردات القطاع الخاص    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    النفط يتعافى مع مؤشرات بتراجع التوترات الجيوسياسية    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غازي القصيبي في كتابه الجديد "اميركا والسعودية: حملة اعلامية أم مواجهة سياسية ؟". رسالة الأمير عبدالله الحازمة اقنعت بوش بتغيير موقفه واللوبي الصهيوني استغل أحداث 11 ايلول لإطلاق حملة واسعة
نشر في الحياة يوم 02 - 02 - 2002

لندن - "الحياة" - الكتاب الجديد الذي أصدره الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي، سفير المملكة العربية السعودية لدى المملكة المتحدة، واعطاه عنواناً لافتاً هو "اميركا والسعودية: حملة اعلامية أم مواجهة سياسية؟"، قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه بحث ديبلوماسي سياسي يتناول ما طرأ على العلاقات الاميركية - السعودية في اعقاب احداث 11 ايلول سبتمبر الماضي في نيويورك وواشنطن. غير ان القراءة المتأنية تكشف جانباً آخر غير العلاقات الدولية، ألا وهو الجانب الاعلامي الذي يبدو ان السفير السعودي متابع جاد له.
يبني الدكتور القصيبي كتابه على الأساس الاعلامي، ويقصر حديثه على الاعلام السياسي تحديداً نظراً الى الدور الذي يلعبه في العالم الغربي الولايات المتحدة وأوروبا على صعيد رسم الاجواء السياسية المحيطة بالاحداث العالمية، وكذلك تأطير العلاقات الدولية من منظور المصالح الوطنية للدول التي يتبع لها هذا الاعلام. وفي النهاية يفقد هذا الاعلام "حياديته" المزعومة ليصبح جزءاً من منظومة سياسية فكرية اجتماعية أعمق بكثير من اعتبارات الانحياز السطحي أو تأثيرات اللوبيات المختلفة.
يتناول السفير السعودي في الفصل الأول، وبطريقة مبسطة الى حد ما، طريقة التعامل الغربي مع الاعلام مقارنة مع الطريقة العربية. يقول:
"في مطعم نادٍ خاص من الأندية العريقة التي تشتهر بها لندن، ولا يجوز للغرباء دخولها إلا ضيوفاً بصحبة عضو من الأعضاء، يجلس الى طاولة صغيرة شخصان يتناولان طعام الغداء، ويتهامسان. وفي العاصمة الفرنسية، في الوقت نفسه، يجلس أربعة أشخاص في مطعم فاخر يتبادلون التعليقات. ومع مراعاة فارق التوقيت، في مطعم مزدحم لا يبعد كثيراً عن البيت الأبيض، يجلس ثلاثة رجال يتناولون الغداء، مصحوباً بكثير من النكات والضحكات.
"في الغداء اللندني يجلس مسؤول كبير في وزارة مهمة يتحدث مع صديقه المحرر الديبلوماسي في جريدة لندنية رصينة عن موضوع حساس ترغب الحكومة البريطانية ان يظهر للناس، وتؤثر ان يظهر بطريق غير رسمي. وفي الغداء الباريسي يتحدث ديبلوماسي كبير في السفارة الاسرائيلية مع ضيوفه الصحافيين البارزين في ثلاث جرائد باريسية معروفة عن آخر تطورات الوضع في الشرق الأوسط، وعن "أسرار" رأى المضيف ان يخص بها ضيوفه من دون بقية الصحافيين. وفي مطعم واشنطن يبلّغ موظف وكالة الاستخبارات المركزية ضيفيه، المحرر السياسي المعروف، والمعلق التلفزيوني الشهير "بالخلفيات الحقيقية" لما يدور في دولة من دول العالم.
"في اليوم التالي، أو في الأسبوع التالي، تتحدث مقالات في الصحف البريطانية والفرنسية والاميركية عن "مواقف" تنسبها الى مصادر مطلعة لا تسميها، وعن "معلومات" رفض مقدمها الإفصاح عن هويته. تقدم هذه "المواقف" و"المعلومات" وكأنها حقائق لا يرقى اليها الشك، ويبتلعها معظم القراء بلا مناقشة، كما ابتلع كاتبوها الطعام الشهي في المطاعم.
"هل المسألة بهذه البساطة؟ هل المسألة مجرد طعام شهي تتخلله معلومات أشهى تنتقل من المضيف الى ضيوفه؟ واذا كانت المسألة بهذه البساطة، فلم لا يستطيع العرب، وهم قوم مهووسون بالضيافة، خدمة مصالحهم الوطنية عن طريق اطعام الأفواه الصحافية والتلفزيونية المفتوحة؟
"المسألة بهذه البساطة، في مظهرها، ولكنها ليست بهذه البساطة في جوهرها. هي بهذه البساطة من حيث ان الطعام، افطاراً أو غداء أو عشاء أو حفلة كوكتيل، هو الوسيلة المعتادة في الغرب لنقل المعلومة من السياسي الى الصحافي ....
"لنعد الآن الى الطعام. المسؤول البريطاني لم يجئ الى الغداء الا بعد ان اطلع على آخر التقارير الديبلوماسية، وبعد ان اجتمع مع صانعي القرار في الوزارة، وبعد ان كون فكرة واضحة عما يجوز الافضاء وما لا يجوز الإفضاء به من معلومات. والمضيف الاسرائيلي ينقل الى ضيوفه مضمون رسالة تلقاها بالبريد الالكتروني من اسرائيل ذلك الصباح تستعرض الموقف الاسرائيلي الراهن وأبعاده وخلفياته، والأسئلة التي يمكن ان تثار بشأنه وكيفية التعامل معها تلقى الديبلوماسيون الاسرائيليون في كل مكان رسالة مماثلة. وموظف وكالة الاستخبارات المركزية قضى ساعات طويلة مع ملفات دولة ما، يطلع على آلاف المعلومات، قبل ان يذهب الى ضيفيه "بالخلفيات الحقيقية" لما يدور في تلك الدولة.
"فلنتصور، الآن، لقاء يتم بين مسؤول عربي كبير وبين مجموعة من الصحافيين في مطعم غربي. الأرجح ان المسؤول الخطير سيصل الى الاجتماع من دون ان يقرأ جرائد الصباح ونشرات وكالات الأنباء، فضلاً عن أي تحليلات سرية. ينتظر الصحافيون المعلومات الهامة التي ألغوا مواعيد سابقة للحصول عليها، وينتظرون بلا جدوى. تتوالى أطباق الطعام الشهية، والمضيف يستعرض فصاحته متنقلاً من كليشيهات محنطة الى كليشيهات توشك ان تلفظ أنفاسها. تنتهي الوجبة، ويعود الصحافيون محبطين من دون معلومة واحدة تستحق النشر. أما المسؤول العربي فيعود الى قواعده وهو يتمايل فرحاً ورضاً عن النفس بعد ان أبلى بلاء حسناً في المجهود الاعلامي العربي".
وبعد ان يشرح الدكتور القصيبي الخلفيات الاجتماعية والفكرية الكامنة وراء هذا الاختلاف، يصل الى نتيجة مفادها ان الاعلام الغربي جزء اساسي من المنظومة السياسية والفكرية الغربية، وان التعامل معه - من دون استيعاب هذه الحقيقة - سيؤدي الى نجاح محدود أو فشل ذريع. ويعطي المثال التالي على ذلك:
"في مطلع الثمانينات الميلادية حاول مفكر افريقي طموح، كان يعمل وقتها مديراً عاماً لليونسكو، اصلاح الخلل الاعلامي الذي يميل ميلاً فاحشاً لصالح الغرب على حساب الاتحاد السوفياتي والعالم الثالث. حاول هذا المفكر، مدفوعاً بتشجيع حماسي من الاتحاد السوفياتي والدول النامية، وضع "نظام دولي جديد للاتصالات" يعطي الشرق دوراً أكبر في الاعلام العالمي. عمل هذا الافريقي الطموح، أحمد مختار أمبو، جاهداً على تطوير هذا النظام عن طريق تشريعات تسنها اليونسكو، وكانت الغالبية الساحقة من أعضاء المنظمة الدولية تؤيده بلا تحفظ. إلا ان المفكر الافريقي الجسور فاته ان يدرك ان الاعلام الغربي مفصل اساسي من مفاصل النظام السياسي الغربي، وان أي محاولة "للاعتداء" على الاعلام الغربي أو تقليص نفوذه، تعد في نظر الغرب محاولة للاعتداء على الديموقراطية نفسها واضعافها. وجد الافريقي الطموح نفسه أمام سيل من الانتقادات العاصفة والظالمة!، وسرعان ما حوّلته وسائل الاعلام الغربية الى "شيطان أكبر" يجب التخلص منه بأي وسيلة. انسحبت الولايات المتحدة من اليونسكو، وتبعتها بريطانيا، ووجدت المنظمة نفسها على حافة الإفلاس. جاءت الانتخابات، وفقد الافريقي الجسور منصبه، وجاء مدير عام أوروبي أعلن ان حرية الصحافة ستكون أولوية مطلقة من أولويات اليونسكو أي وداعاً "للنظام الدولي الجديد للاتصالات"!. عادت المنظمة الدولية الى بيت الطاعة الاعلامي الغربي، ولا تزال هناك على رغم محاولة أخرى يائسة، يعرفها من يعرفها ويجهلها من يجهلها.
"والقول ان الاعلام الغربي جزء لا يتجزأ من المنظومة السياسية الغربية يقود الى نتائج عدة، سنستعرض هنا أهمها. النتيجة الأولى، هي ان الصحافي الغربي متشبع كلية، أستطيع ان أقول انه مغسول الدماغ، بكل ما تعنيه الديموقراطية الليبرالية من معان، وكل ما يتبعها من مستلزمات. والنتيجة الثانية، هي ان حرية الصحافة في الغرب مبدأ مقدس لا تستطيع الحكومات المساس به مهما عانت منه وكم تعاني!. والنتيجة الثالثة، هي ان العلاقة بين السياسي والصحافي في الغرب هي علاقة بين ندين متكافئين. والنتيجة الرابعة، هي ان اقتصادات السوق التي أبادت الفكر الاشتراكي تطبع بطابعها التجاري الاعلام الغربي كله".
يدخل السفير السعودي، في الفصل الثاني من الكتاب، في النتائج المترتبة على "حرية الصحافة" في العالم الغربي من حيث علاقة رجل الاعلام برجل السياسة والتشريعات التي اعطت الصحافة حريتها المطلقة، وفي الوقت نفسه قيدتها من ناحية قدرة القانون على معاقبة الذين يقعون في مطب التشهير الفردي.
أما في الفصل الثالث فإن الدكتور القصيبي يكشف "صورة الآخر في الصحافة البريطانية"، ويحلل الخلفيات الحضارية للموقف الاعلامي السلبي من الاسلام والمسلمين، ويقول:
"صورة المسلمين السلبية في الصحافة تعكس نظرة المجتمع البريطاني السلبية الى الاسلام، كما أبانت دراسة موضوعية عن معاداة الاسلام في بريطانيا أعدتها مجموعة من الباحثين المسلمين وغير المسلمين. وجدت الدراسة ان هناك العديد من الانطباعات السلبية عند البريطانيين عن الاسلام. هناك انطباع ان الاسلام كتلة واحدة جامدة تفتقر الى التعددية والديناميكية. والنظرة الشائعة الى الاسلام تعتبره حضاره متخلفة عن الحضارة الغربية، ومنفصلة عنها. والبريطانيون ينظرون الى الاسلام باعتباره عدواً لا شريكاً. وصورة المسلمين في الذهن البريطاني هي صورة المخادعين المراوغين لا الأصدقاء الحقيقيين. والهجمات العنصرية ضد الاسلام والمسلمين تجد من يدافع عنها ويبررها. والملاحظات التي يبديها المسلمون على أسلوب الحياة في الغرب تُرفض بلا تردد".
وإذ يشرح الدكتور القصيبي طبيعة الدور الذي يلعبه "رئيس التحرير العربي... المسكين" في الفصل الرابع، يصل في الفصل الخامس الى بيت القصيد من كتابه تحت عنوان "حملة اعلامية أم مواجهة سياسية؟". ويكشف السفير السعودي التحركات الديبلوماسية السعودية فور انتخاب جورج بوش الإبن رئيساً للولايات المتحدة الاميركية، فيقول:
"بعد أسابيع من دخوله البيت الأبيض شرح الرئيس الجديد موقفه من قضية الشرق الأوسط لمسؤول عربي كبير زاره في واشنطن:
لا توجد لدي مشكلة مع العرب والفلسطينيين. مشكلتي مع ياسر عرفات وحده. كان هناك رئيسان مستميتان للوصول الى تسوية: رئيس اميركي يود ان يدخل التاريخ صانعاً للسلام، ورئيس وزراء اسرائيلي يود ان يعاد انتخابه. وتلقى ياسر عرفات عرضاً لا يصدق. لا يصدق! فرصة لا تتكرر. وأرسل يسألني عن رأيي. قلت له ان عليه ان يوافق. وأضفت بصراحة انني لن استطيع ان أقدم له شيئاً أفضل، ولن أحاول. ماذا كان رد فعله؟ تردد ثم وافق ثم رفض ثم تردد ثم رفض. هل هناك عاقل يضيع فرصة تاريخية نادرة كهذه؟! لم أر أحداً تعامل مع هذا الرجل إلا وعانى من تردده وتقلبه وتذبذبه. وماذا يريد منى الآن؟! لقد جئت ببرنامج داخلي واسع يتوقف عليه نجاحي في الانتخابات المقبلة التي لا أنوي أن أخسرها. لا وقت لدي أضيعه مع هذا الرجل. ولست مستعداً لأن أضع مستقبلي السياسي في يد انسان مثله.
"يبدو لي في ضوء هذا الاعتقاد الراسخ في ذهن الرئيس الاميركي عن شخصية الزعيم الفلسطيني، انه من الأفضل للقضية ألا يجتمع الرجلان، وان تترك المسألة للمعاونين.
"الرئيس الجديد غير مهتم بالشرق الأوسط"، هذه هي الإشارة التي التقطتها اسرائيل وترجمتها فوراً، ان البيت الأبيض يعطيها الضوء الأخضر لتفعل ما تراه. وهذا، بطبيعة الحال، ما حدث. وصل قمع اسرائيل للانتفاضة حدوداً دموية لم يصل اليها من قبل. وكانت شاشات التلفزيون عبر الأمة العربية تنقل مشاهد الاغتيال المبرمج والهدم والحرق وصور الأطفال الذين يموتون بالأسلحة الاميركية. وكان العرب مغضبين وثائرين، ولم يكن ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز يقل غضباً وثورة عن أي عربي في الشارع. وزاد من نقمة الأمير عبدالله انه، شخصياً، كان يعلق آمالاً واسعة على الرئيس الجديد، انطلاقاً من علاقته الوثيقة بوالده، واعتقاداً ان الرئيس الجمهوري الجديد، الذي حاربه اللوبي الصهيوني ووقف مع خصمه، سيتعاطف مع العرب أكثر من أي رئيس ديموقراطي. عندما اتضح ان الرئيس الجديد لا ينوي عمل شيء لردع اسرائيل بدأت إشارات الاستياء تتوالى من الرياض الى واشنطن. تحدث الأمير عبدالله مع وزير الخارجية الاميركي اكثر من مرة، وتحدث مع الرئيس السابق بوش مراراً، وكان ينتهز كل مناسبة ليرسل من يبلغ الرئيس الجديد استياء المملكة من موقفه. عندما اقترح الرئيس الجديد ان يزور ولي العهد السعودي واشنطن كان رد الأمير عبدالله انه لا يرى جدوى من الزيارة اذا لم تؤد الى نتيجة.
وعندما كرر الرئيس الاميركي الدعوة، كان رد الأمير عبدالله انه يسعده ان يزوره بعد ان يقوم ببادرة واضحة تدل على انه مهتم بمعاناة الفلسطينيين. لم تكن هناك بادرة من هذا النوع، ولم تتم الزيارة. في أواخر آب اغسطس سنة 2001م قرر ولي العهد السعودي ان يرسل رسالة نهائية يطلب فيها من الرئيس الاميركي بصورة حاسمة، ان يحدد موقفه، على نحو أو آخر.
كانت الرسالة الشفوية التي حملها الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز السفير السعودي في الولايات المتحدة الى واشنطن طويلة ومفصلة، وقاسية. استعرضت الرسالة العلاقة الوطيدة بين الولايات المتحدة والمملكة، والتي تعود الى أيام الملك عبدالعزيز رحمه الله، والرئيس فرانكلين روزفلت. وتطرقت الرسالة الى تاريخ التعاون الوثيق بين الدولتين، وعددت أمثلة لهذا التعاون، وذكرت الرسالة الرئيس الاميركي ان المملكة احتفظت بصداقتها مع الولايات المتحدة خلال المدّ الاشتراكي الشيوعي يوم كانت هذه الصداقة تعتبر خيانة قومية. وتحدثت الرسالة عن التحالف العسكري والسياسي بين الدولتين أيام تحرير الكويت. واستعرضت الرسالة تطورات القضية الفلسطينية من بدايتها الى المذابح التي تدور الآن. وقالت الرسالة انه لا المملكة ولا العرب ولا المسلمون يستطيعون الوقوف موقف المتفرج على مما يدور من قمع دموي. واضافت الرسالة ان قيادة المملكة ليست مثل شاه ايران الذي وضع مصالح الدول الاجنبية قبل مشاعر شعبه. وأوضحت الرسالة ان العرب، والمملكة وافقوا على العملية السلمية في مؤتمر مدريد استناداً الى مبادئ واضحة، هي رفض الاحتلال، وانسحاب اسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة، وحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة. وأضافت الرسالة انه من الواضح ان الادارة الاميركية الجديدة تنكرت لهذه المبادئ كلها، وانحازت الى اسرائيل كلية، وتبنت الموقف الاسرائيلي، جملة وتفصيلاً. ومضت الرسالة تقول انه ما دامت هذه هي السياسة الاميركية الجديدة فإن ولي العهد السعودي لا يرى أي جدوى من استمرار الاتصالات بينه وبين الرئيس الاميركي. وانتهت الرسالة بالقول ان المملكة، من الآن وصاعداً، ستتخذ القرارات التي تراها في مصلحتها من دون ان تأخذ مصالح اميركا، كما كانت تفعل في الماضي، في الاعتبار. من المشكوك فيه ان أي رئيس اميركي تلقى من أي دولة رسالة بهذه الصراحة القاسية، في التاريخ الحديث على أي حال.
كان الأمير عبدالله مقتنعاً ان انحياز الرئيس الاميركي المحير لاسرائيل لن تغيره الرسالة. وبدأ يفكر جدياً في الخطوة المقبلة. كان يرى ان من واجب المملكة ان تعلن على الأمتين العربية والاسلامية في مؤتمر ينعقد في الرياض ان العملية السلمية قد انتهت مع انحياز الولايات المتحدة الكامل الى اسرائيل. وكان يود وضع العرب والمسلمين أمام مسؤوليتهم التاريخية: الظروف التي أدت الى تبني السلام خياراً استراتيجياً لم يعد لها وجود، ولا بد من موقف جديد يتلاءم مع الأوضاع الجديدة. لا شك ان آذان الولايات المتحدة الطويلة كانت تصغي، باهتمام، الى ما يدور في المملكة حول خطوة ولي العهد التالية. من الصعب ان يعرف أحد هل كانت رسالة ولي العهد نفسها، أم الخطوات التي ستتبع الرسالة، المسؤولة عن الرد الرقيق المفاجئ الذي تلقاه ولي العهد من الرئيس الاميركي، بعد ثلاثة ايام فقط من ارسال الرسالة.
كان رد الرئيس الاميركي يمثل تغييراً حقيقياً في موقف البيت الأبيض. تحدث الرئيس عن ايمانه الراسخ بالمبادئ التي قامت عليها العملية السلمية، وقال انه يؤمن بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وفي العيش من دون اذلال واهانات يومية. وللمرة الأولى، يتحدث رئيس اميركي عن دولة فلسطينية مستقلة، بصراحة وبلا تحفظات. وقال الرئيس انه سيتابع شخصياً قضية الشرق الأوسط. وطلب في المقابل، ان تقنع المملكة السيد ياسر عرفات ببذل مجهود بنسبة 100 في المئة لإيقاف العنف حتى تتسنى العودة الى المفاوضات وتواصل العملية السلمية مسيرها.
سُرّ الأمير عبدالله بالرسالة، وأرسل رداً رقيقاً عليها، وأبلغ فحواها كلاً من الرئيس الفلسطيني وقادة دول الطوق. كانت هناك موجة تفاؤل، وكان الجميع يتطلعون الى خطوة الرئيس الاميركي المقبلة. كان الاتجاه في الادارة الاميركية هو ان يتضمن خطاب الرئيس في الامم المتحدة المبادرة الجديدة. ثم جاءت أحداث يوم 11 ايلول المشؤومة، وانشغل الرئيس بحربه ضد الارهاب.
وقعت رسالة الأمير عبدالله ورد الرئيس الاميركي موقع الصاعقة على اسرائيل، وآذان اسرائيل المتصنتة أطول من آذان الولايات المتحدة، وعلى أنصار اسرائيل في قلب الإدارة الاميركية. أعلنت "حال طوارئ سياسية" في اسرائيل، وصدرت التعليمات للوبي الاسرائيلي بحشد كل قواه، والاستعانة بكل أسلحته، والتحرك في كل اتجاه، لا لوأد المبادرة الاميركية الوليدة فحسب، بل لضرب العلاقة السعودية - الاميركية في الصميم. وعندما جاءت الأحداث الارهابية وجد اللوبي الصهيوني، وأنصار اسرائيل في قلب الادارة، الفرصة الذهبية لتحقيق الهدفين".
... والذي حدث بعد ذلك، على المستوى الاعلامي، معروف. والدكتور القصيبي يضيف اليه تفاصيل موسعة في الفصول الباقية من الكتاب... ونترك للقراء متابعتها ومعرفة خفاياها والدور الذي تلعبه اجهزة الاستخبارات الاميركية واللوبي الصهيوني في اميركا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.