تنفس التوانسة الصعداء بعد أن تجاوزوا الخميس الأصعب في تاريخهم واقتلعوا ورقة الترشيح للدور الثاني من كأس أمم افريقيا لكرة القدم بعد انتصارهم على الكونغو بهدف سجله راضي الجعايدي. وعادت البسمة إلى وجوه التوانسة، بعد أن عاشوا الثلاث مباريات الاولى لمنتخبهم وسط اضطراب شديد في المشاعر تراوح بين الإحباط والحيرة قبل أن يعانقوا الأمل مجدداً اثر لحظات لن ينسوها أبداً في مباراتهم الأخيرة. ويبدو ان التوانسة لن ينسوا أبداً ابنهم رؤوف بوزيان الذي قدم أداء ممتازاً، والأهم من ذلك أنقذ المنتخب من الكارثة بتصديه لكرة كونغولية على خط مرمى الحارس شكري الواعر، وكذلك لاعب المنتخب النيجيري والترجي التونسي جوليوس اغاهوا 17 عاماً الذي سجل الهدف الثاني لبلاده، قاطعاً الطريق بذلك على المنتخب المغربي في لعبة الاحتمالات العسيرة. وجوليوس اغاهوا آخر العصافير النادرة التي انتدبها الترجي التونسي هذا الموسم، وضُم الى المنتخب النيجيري في آخر لحظة، وهو يمتاز بحذقه للتهديف، ورقصاته البهلوانية الرشيقة بعد كل هدف. ولا يحب التوانسة في الحقيقة يوم الخميس كثيراً، فهو يذكرهم بأحداث سوداء في تاريخهم الاجتماعي أو ما سمي ب"الخميس الأسود" في 26 كانون الثاني يناير 1978 وذلك عندما سقط العديد من الضحايا والجرحى في أحداث نقابية، ولكن خميس 3 شباط فبراير الحالي حمل معه المعجزة التي لم يكن ينتظرها أكثر التوانسة تفاؤلاً... فبعد هزيمة رباعية أمام نيجيريا، وتعادل سلبي أمام المغرب، لم يبق أمام التوانسة سوى الانتصار على الكونغو شرط ألا يتعادل منتخبا نيجيريا والمغرب. وإن تمحورت الأحاديث الصباحية في مقاهي تونس ومواقع العمل حول مباراة المساء في كانو النيجيرية، فإن أروع كتّاب السيناريوهات لم يستطيعوا تصور ما حدث: هدف لتونس، إهدار ركلة جزاء في توقيت قاتل من طرف لاعبهم عماد المهذبي، واخراج كرة كونغولية على خط المرمى من لاعب النادي الافريقي رؤوف بوزيان الذي شارك للمرة الأولى في مباراة بأكملها مع المنتخب، ولحظات انتظار صعبة لنهاية مباراة نيجيريا والمغرب قبل أن يرتسم مشهداً غرائبياً، يتجاوز روايات أميركا اللاتينية ودراما المسلسلات المكسيكية وتحديداً بعد الهف الثاني الذي هز شباك المغرب وأعلن تأهل تونس بقدم اغاهوا. وشهدت العاصمة التونسية، بعد هذا التأهل موجة من الفرح العارم وإن كانت مشوبة ببعض الحذر. كما ان 5 آلاف لبناني يعيشون في مدينة كانو النيجيرية ذات الأغلبية المسلمة أقاموا احتفالات كبرى لمنتخب تونس بعد الفوز وهم الذين لم يتوقفوا لحظة عن تشجيع زملاء شكري الواعر طيلة المباراة بهتافاتهم ورفعهم الأعلام التونسية... وتعزز هذا الحضور اللبناني بمشجع مصري يدعى حسن قدم من الولاياتالمتحدة ويعرف بلباسه التقليدي، والريشة على رأسه والعود في يديه. ويبدو ان حسن قام بتعويض عميد المصورين التونسيين والرحالة ذا القبعة المكسيكية الشهيرة البشير المنوبي الذي منعه التقدم في السن من التواجد في هذه الأجواء الافريقية المثيرة. وبترشيح تونس للدور الثاني، يغادر المنتخب المغربي المسابقة، وتفوز تونس بالرهان المغاربي، ليتقابل التوانسة والمصريون في ساعة الحقيقة لكلا المنتخبين والمدربين الاستثنائيين سكوبيو وجيلي، ويصبح الرهان عربياً، شعاره لدى التوانسة الحذر الشديد والثأر من المنتخب المصري الذي أزاحهم منذ أيام عن تصفيات الكرة الطائرة الافريقية المؤهلة لدورة سيدني الاولمبية وقبل ذلك من بطولة العالم لكرة اليد بعد مباراة مثيرة بكل المقاييس