تريد الولاياتالمتحدة وبريطانيا، على ما يبدو، الخلاص من ملف قضية لوكربي. وأكدتا أخيراً تراجعهما المنظم عن شروط محاكمة المتهمين الليبيين. وبموجب التراجع ستنتقل محكمة اسكتلندية بقضاتها وقوانينها إلى العاصمة الهولندية، فيما سمح لمجلس الأمن الدولي بالتمهيد لرفع الحصار عن ليبيا. طبعاً، ترافق العرض الأميركي - البريطاني بتهديدات وتحذيرات لطرابلس. وطبعاً، لا تزال لطرابلس شروط بغية الاطمئنان إلى أن المحاكمة نفسها لا تنطوي على فخ سياسي. لكن أي اتفاقات، ولو ضمنية، لا يمكن أن تتحكم بمسار المحاكمة واحتمالات تشعبها. الضمان الوحيد هو أن تكون واشنطن ولندن اقتنعتا، ولو متأخرتين، بالاكتفاء بتحقيق هدفين: الأول تطبيق قرار مجلس الأمن، بمعنى الحصول على "تسليم" المتهمين، الأمر الذي كانت ليبيا تستصعبه. والثاني هو حسم موضوع تعويض اسر ضحايا انفجار الطائرة وتحطمها. يتضمن التنازل الأميركي - البريطاني عناصر عدة، أهمها أن لا يستخدم ملف لوكربي أداة لإسقاط النظام الليبي، أو لتهديد أطراف أخرى عربية وغير عربية وابتزازها عبر ابقاء تهمة الارهاب مسلطة فوق رؤوسها. لكن هذا التنازل، تحديداً، يبقى افتراضياً وغير محسوم. فإذا كانت لائحة الاتهام تتضمن فعلاً أدلة تدين أطرافاً معروفة، فإن السكوت المتعمد عنها سيكون ملفتاً. وإذا لم تكن هنام أدلة فهذا يعني، مرة أخرى، ان واشنطن ولندن تعمدتا تأخير عملية قضائية وعرقلتها لأسباب سياسية بحتة. مثله مثل الحصار على السودان، أو حتى على العراق، تحول الحصار على ليبيا إلى مجرد تهديد مبطن لكل الدول العربية. فهو بات يُستَشعر في مختلف العواصم وكأنه استهداف متعمد لذاته، حتى لو لم يحقق الأهداف المبيتة المرسومة له. فليس سراً أن حصاري السودان وليبيا يضايقان مصر، ولعلهما يستهدفانها "استراتيجياً". وليس سراً أن حصار العراق - وإن كانت مبرراته وأسبابه أكثر صلابة - تغيرت أغراضه مع الوقت وصار يستخدم ضد الأطراف المفترض أن تستفيد منه، فضلاً عن أنه يختزن كمية هائلة من المشاكل والاشكالات برسم مستقبل العلاقة بين شعوب المنطقة وحكوماتها. في سياق الهستيريا السياسية العسكرية التي أثارتها الغارات الأميركية على السودان وأفغانستان، تأتي الحلحلة في ملف لوكربي وكأنها بداية تصحيح للسياسات الأميركية. صحيح أن هذه الحلحلة بدأت قبل شهر، ولا علاقة لها بالتفجيرات الارهابية والردود الثأرية عليها، إلا أن شيئاً لا يمنع قراءة توقيتها في ضوء ما يحدث، فكل ما يجري في المنطقة العربية مترابط ومتداخل. الأكيد أن الخطوة الأميركية - البريطانية تتم في اتجاه ايجابي، لكنها أبعد ما تكون عن "تصحيح السياسات" الذي يتطلب خصوصاً نظرة أميركية جديدة كلياً إلى المنطقة العربية ومتطلبات استقرارها ومصالح الولاياتالمتحدة فيها. وطالما أن السياسات تخطط بعقل صهيوني مريض فمن المستحيل التكهن بأي تصحيح أو تغيير