أياً كانت أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية في الجزائر فإن ما يستوقف المراقب في التطورات الأخيرة ان أربعة أشخاص محوريين في الحكم استقالوا واحداً بعد الآخر، تاركين فراغاً يكاد يهتك الستار عن الماسكين الحقيقيين بالسلك الكهربائي وهم قادة الجيش. استقال الوزير مستشار رئيس الجمهورية محمد بتشين الرجل القوي الذي كان يدير دواليب الرئاسة، فانهارت برحيله امبراطورية ما انفكت الصحف تكشف كل يوم غرفها وأبوابها الخلفية. وتلتها "استقالة" الرئيس زروال نفسه التي ستصبح نافذة لحظة تسليم المقاليد الى خلفه بعد الانتخابات المقررة لشهر نيسان ابريل المقبل. واعتبر استعجال اجراء انتخابات مبكرة تكريساً للعودة الى نقطة الصفر في الأزمة التي تهز الجزائر منذ سبعة أعوام. ثم استقال وزير العدل محمد آدمي الذي كان يتربع على أهم وزارة سيادية في وقت بات مطلوباً أن يلعب القضاء دوراً مركزياً في مكافحة الرشوة والفساد والارهاب وجميع الجرائم التي انتشرت في ظل الحرب الأهلية. وأخيراً استقال رئيس الحكومة أحمد أويحيى وهو أحد رموز التيار الاستئصالي، وستتولى الحكومة التي شكلها سلفه اسماعيل حمداني الإعداد للانتخابات الرئاسية بعدما كان الرئيس زروال أناط هذه المهمة بأويحيى. يمكن القول إن أربعة من أعمدة الحكم تنحت في أربعة أشهر ولم يبق من أركان العهد في منصبه سوى رجل المؤسسة العسكرية القوي الفريق محمد العماري. وهذا يؤكد مجدداً أن الحكم الفعلي ليس في يد المؤسسات الظاهرة وانما في قبضة الأجهزة الموازية التي تشكل الجانب الخفي من جبل الثلج. ثمة مفارقة في تطور "الحال الجزائرية"، منذ اطاحة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، تكمن في الانفصام بين المؤسسات المدنية الرسمية والأجهزة العسكرية التي تدير دفة اللعبة السياسية من وراء الستار. وعلى رغم ان شعار "معاودة بناء المؤسسات"، بدءاً من الرئاسة الى المجلس النيابي وانتهاء بالمجالس المحلية المنتخبة، شكل العنوان الكبير الذي اعتمدته النخبة الحاكمة، أظهرت التطورات الأخيرة أن البناء تم على رمال متحركة ما جعل رياح الأزمة السياسية المتفاقمة تعصف برأس الدولة وتعيد قطار الاصلاحات الدستورية الى محطة الانطلاق. وليس سراً أن الرئيس زروال لم يختر اختصار ولايته، وانما حملته على ذلك القرار القوى النافذة وهي قوى خفية، بدليل أن أحداً لم يستطع كشفها حتى الآن على رغم مسلسل "نشر الغسيل" الذي استمرت فصوله شهوراً بين الجنرال بتشين وخصومه. هذا الاخفاق الشامل للمسار الذي أطلق في العام 1992 يقتضي مراجعة الخيارات المعتمدة في السنوات الأخيرة ووضع قطار السلم المدني على السكة باعتماد منطق المصالحة الوطنية والتخلي عن إقصاء أي جماعة سياسية سلمية حتى تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة مناسبة لفتح ملفات الأزمة وإرساء حوار حقيقي بين الجزائريين بعيداً عن روحية الثأر وتصفية الحسابات، وإلا فإن الانتخابات ستكون محاولة جديدة للتغطية على القضايا الحقيقية وهروباً الى الأمام