رئيس جمهورية إندونيسيا يغادر جدة    أبانمي ترعى برنامج عطاء الصيفي بمشاركة ٢٥٠ يتيم    الأهلي يكشف شعاره الجديد ويدشّن تطبيقه ومنتجاته    القبول في الكليات العسكرية للجامعيين.. الأحد المقبل    الإطاحة بمشعل النار في محمية طويق الطبيعية    إحالة محاسبين غير مرخصين إلى النيابة العامة    شدد على أهمية الانخراط في تسوية سياسية عادلة.. المبعوث الأممي يدعو اليمنيين لإنهاء الحرب    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    روسيا: فرصة لتسريع نهاية الحرب.. أوكرانيا تحذر من تبعات تأخير الأسلحة الأمريكية    ترأسا الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى المشترك.. ولي العهد ورئيس إندونيسيا يبحثان تعزيز التعاون    في أولى مواجهات دور ال 8 لكأس العالم للأندية.. الهلال يواجه فلومينينسي بآمال التأهل نصف النهائي    صراع قوي في ربع نهائي مونديال الأندية.. نهائي مبكر بين بايرن وباريس.. وريال مدريد يواجه دورتموند    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    أمطار على جنوب وغرب المملكة الأسبوع المقبل    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    "الغذاء والدواء": جميع المنتجات تخضع للرقابة    وزارة الرياضة تعلن انتقال أعمال لجنة الاستدامة المالية إلى رابطة الدوري السعودي للمحترفين    تكريم عائلة المشجع المكمل ل«المليونين» في المونديال    منتخب الصالات يقيم معسكراً في البوسنة    أخضر السيدات يخسر أمام هونغ كونغ في التصفيات الآسيوية    عشرات الشهداء والجرحى في قصف مكثف على غزة    لبنان يؤكّد الالتزام بالقرار 1701    مجلس الشيوخ يقرّ مشروع قانون ترمب للموازنة    رؤيتنا الوطنيّة 2030 تبني مناهجنا    المخدرات الموت البطيء    الوهيبي ل«الرياض»: أتمنى استضافة المملكة للمخيم الكشفي العالمي    حرس الحدود ينقذ مواطنًا من الغرق    المؤسسات العلمية في عالم المتغيرات    اللقاءات الثقافية في المملكة.. جسور وعيٍ مستدام    «الكتابات العربية القديمة».. أحدث إصدارات مركز الملك فيصل    باب البنط بجدة التاريخية.. ذاكرة الأصالة والتراث    الإنجاز والمشككون فيه    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان    محافظة شقراء والأمن الغذائي    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الشكوى هدية    عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط «شرطة حائل» ومشروعات التطوير    اتحاد القدم السعودي يوافق على تقديم فترة تسجيل اللاعبين    ملتقى "مشروع مجتمع الذوق" يجمع قادة المؤسسات في المنطقة الشرقية    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ عدة مناشط دعوية في الجوامع والمساجد    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير محمد بن عبدالعزيز يتسلّم تقرير غرفة جازان السنوي 2024    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    مركز الأمير سلطان للقلب بالقصيم ضمن الأفضل عالميًا    العراق يؤكد استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية مهرب    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فنانون عراقيون يعرضون في بيروت . خط بياني بين التراث واسئلة الحداثة
نشر في الحياة يوم 11 - 12 - 1998

منذ الوهلة الأولى يدرك المشاهد لتجارب الفنانين الخمسة العراقيين في المعرض الذي نظمه صالح بركات في غاليري "أجيال" في بيروت، بانه حيال أعمال فنية متميزة بتماسكها مع جذورها العربية والتراثية وعلى جانب كبير من الخصوصية التي تؤكد تصاعد الخط البياني الذي لم ينقطع بين التراث القديم واسئلة الحداثة.
وتكمن خصوصية الفن العراقي، باستعادة الفنانين لموروثاتهم القديمة من تبسيط للسطوح وتكسير للمرئيات وتناظر في البناء التشكيلي وكتابة على الرُّقم الطينية وتشويه للمظاهر الواقعية فضلاً عن مراجعة بعض الدلالات الرمزية واعتمادها ضمن قراءة ادائية جديدة - كما يراها بلند الحيدري - في كتاب زمن كل الأزمنة من زاوية استيحاء حضارات بابل وآشور وسومر، حيث خصائص الروح العراقية المتميزة بعنفها وصلابتها وحساسيتها الدرامية ومبالغاتها التعبيرية، وإخضاعها لمفهوم الحداثة في البناء التشكيلي، مما أكسب الفن العراقي المعاصر سمة مميزة إنفرد بها عن باقي فناني الوطن العربي.
واللافت هي مسألة إنتماء الفنانين لحضارتهم وتراثهم التي تبدو تلقائية وطبيعية وغير مفتعلة، إذ تشغلهم هواجس مشتركة، تأتي ثمار نتائجها احياناً متشابهة ولو من دروب متشعبة الأساليب والاتجاهات والتقنيات. كما في تجارب سعدي الكعبي وحميد العطار وياسين المحمداوي وحليم مهدي هادي ومنقذ سعيد.
أربعة رسامين ونحات واحد، جُمعت أعمالهم من غير مصدر في بغداد واستوكهلم ولندن، يمتلكون رؤى جمالية لا تجد سبيلها الى التحقق الا عبر مستويات المعالجة التقنية والموادية من مواد للقماشة التي سوف تحمل كل التعبيرات والقيم اللونية والانفعالات، حيث مفهوم الرسم يندمج بالحفر. فالاشتغال على القماشة منذ مرحلة تأسيسها ثم باضافة الغراء أو الرمل أو لصق انواع من العجائن، وصولاً الى ملمسها النافر وتلاوين ايحاءاتها البصرية بما يدنيها من الجدار، كل ذلك يوحي بان هؤلاء الفنانين يعملون في مختبر واحد، بروح المذاكرة الجمعية المتواصلة مع التجارب الماضية التي أسس لها جواد سليم وتابعها محمد غني وضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد وجماعة البعد الواحد، في مرحلة من اليقظة والوعي والانفتاح حملت افكاراً ثورية وجريئة لا سيما في الستينات، مما أتاح للفنانين امكانات الاختبار من خللا صوغ التراث القديم واستلهام الفنون العربية والاسلامية لا سيما بعد التمعن العميق بانجازات كل من موندريان وبول كلي.
فألوان الصحراء ورمالها الملتهبة تحت أشعة الشمس الحمراء. ودرجات احتراق الطين من الرمادي المضيء الى البني القاتم، تهيمن على قماشات الفنانين بمستويات متفاوتة. تتخذ في زيتيات سعدي الكعبي مظاهرها الشفافة حيث تشكل الحروفية العربية ذاكرة الانسان المعاصر، وهي تتراءى بجمالية ايقاعاتها محفورةً ضمن حقول ترابية على جدار الزمن، بأسلوب "البارولييف" ضمن تدرجات لونية مماثلة للرُّقم الطينية في حضارة بلاد ما بين النهرين، حيث الوجود الانساني المؤسلب شاملاً وافتراضياً، تارة يخرج من الطين حاملاً ألوان طبقات الارض وغبارها وطوراً ميمماً شطر الصحراء وقد استدار في الاتجاه ذاته الزائر الى اللوحة.
بينما تتميز قماشة ياسين المحمداوي باستخدام الغراء في تحديد الخطوط النافرة على المسطح الناعم للوحة. لا تلبث تلك الخطوط ان تحدد ملامح الوجوه والكتل والاشكال والزخارف، لتنقل مناخات مقتبسة من الحياة اليومية بكل بساطتها وحيويتها اللونية واجوائها القروية والطفولية والشعبية. وذلك ضمن تأليف يعتمد على تقسيم اللوحة الى مربعات تتصالب فيما بينها وتتقاطع. فكل مربع يحصر داخله المفردة التشكيلية ومجموع تلك المفردات تتضافر لتعطي اللوحة مضمونها وموضوعاً في آن واحد. فالمربعات الترابية والذهبية المتدرجة من لون واحد، تحاذيها شرائط مربعات تتسم بغنائية لونية عالية ومن خلالهما يروي المحمداوي قصصاً مصورة مثل الفسيفساء من الحاضر البسيط الذي يرتدي حلة التراث بفطرية طبيعية ومتفردة.
وربما يعيدنا حامد العطار الى أسلوب الستينات في اعطائه البارولييف" معنى الكتل الفاخرة والثقيلة قياسياً، وبدلاً من ان يرسم موضوعه على مسطح اللوحة، يذهب الى عجائنه ليحفر عليها بتعبيرية درامية موضوعه الذي يدور حول علاقة المرأة بالرجل في محيط لوني مشحون بالازرق والاحمر ومتأجج بهما.
اما النحات منقذ سعيد، فهو يتداول افكار الكلاسيكية - المحدثة ويُرجعها الى مصادرها الميثولوجية والغرائبية الى حدٍ ما. فيستخدم البرونز غير المصقول في التجسيد الكتلوي، لوقوف رجل وامرأة داخل هيكل يرفرف على قمته ديك الصباح، أو يصورهما يمتطيان عربة حربية، بما يذكر بعناصر النحت القديم لا سيما لجهة مبدأ الجمود في مركز الجسم. الا ان الجمود لا يلبث ان ينكسر حين يتحرر من الموضوع، مع دراسات نحتيه صغيرة لحركات بهلوانية حيث رشاقة الحركة في الفراغ مثل توازنات الراقصين في السيرك. وتتميز في المعرض اعمال حليم مهدي هادي، التي تتموّج على سطوحها ألوان الصدأ والمعادن والتربة في تنويعات من مزيجها تبعث البصر على تهيؤات تقترب من الاختام القديمة، حيث خشونة الملمس هي سر التجربة البصرية، المضافة الى طبيعة القماشة وقوة الغائر والنافر" حين يتساوى سطح القماشة والجدار، تبدأ، احساسات اللمس بالعين قبل الاصابع تأخذ مجراها في التجوّل داخل الاقنية المحفورة داخل عجينة اللوحة وما يتشعب منها من التفاتات وممرات وخطوط متشابكة مثل متاهة وطلاسم، على هيئة اشكال تصويرية يتقصد مهدي هادي إظهارها بالألوان الاساسية الازرق والاحمر والاصفر وبحرارة رسوم الاطفال، لاشكال الاسماك والمراكب والاشرعة والعصافير. ومراراً يعطي الفنان قماشته وحدة زخرفية يكررها دون غيرها على كامل اللوحة. ضمن حالة تجريدية لونية تعتمد على ايحاءات اللون الواحد وتدرجاته الطيفية اللامتناهية، من مخملية الاحمر، الى الاصفر الشمسي الساطع ثم الصلصالي في البني المحروق المماثل للارض - اليباب، كأنها فصول الطبيعة وآثارها واطلالها وطلاسمها. تلك الطلاسم التي يعبر عنها مهدي هادي بطريقة التخطيط الغرافيكي التي تقترب من تعبيرات "الشنسكي" وربما تفوقها ايحاءً لا سيما حين يغور الغائر في الظل المبهم ويسطع النافر ليخرج الى الضوء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.