يبدو أن السؤال الذي يشغل بال الناس هذه الأيام هو: متى تهدأ أسعار النفط؟ أو متى تستقر؟ وهل من نهاية للمضاربات اليومية عليها؟ وهل من نهاية للاضطرابات السياسية في العالم؟ مع تنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك ومغادرته القاهرة، وفرحة العالم العربي بثورة شباب مصر، تراجعت أسعار النفط إلى ما دون مئة دولار للبرميل. واستقرت الأسعار لفترة وجيزة، ثم عاودت الارتفاع بسبب الأحداث في ليبيا واليمن والجزائر، لتفوق مئة دولار، وفي أقل من 24 ساعة. وتكراراً السؤال المطروح: متى تهدأ أسعار النفط؟ وما هو دور الدول المنتجة في استقرارها؟ مؤكد أن أسعار النفط مرتبطة مباشرة بالمجريات اليومية سواء كانت سياسية أم أقتصادية أم مالية، أو حتى إن كانت مرتبطة بكوارث طبيعية أو بيئية. فالأحداث اليومية، هي التي تعصف بأسعار النفط، لكن مؤكد أن الأزمات السياسية والثورات هي الأكثر تأثيراً وفاعلية. وأفضل مثال على ذلك، ثورة الشباب المصرية التي أطاحت بنظام مبارك بعد 18 يوماً كانت خلالها أسعار النفط ترتفع تدريجاً ولأسباب كثيرة أبرزها احتمال إغلاق قناة السويس ما قد يتسبب بتأخر وصول شحنات النفط إلى المستهلكين في العالم ما بين 10 أيام و15 يوماً. وكذلك احتمال توقف إمدادات مصر من النفط والغاز إلى الأسواق العالمية، ومدى استعداد الدول النفطية الأخرى لسد العجز في فترة وجيزة. لكن تلك المخاوف والاحتمالات تبعثرت مع تنحي مبارك وعودة الأسعار أدراجها إلى ما دون 100 دولار في كل المراكز النفطية. ويبلغ إنتاج مصر من النفط الخام نحو 700 مليون برميل يومياً، وتبلغ قيمة صادراتها نحو ستة بلايين دولار سنوياً، لكن معدل إنتاج مصر الحالي لا يفي بحاجاتها اليومية المتزايدة، إذ تستهلك الكمية ذاتها، متمثلة باستيراد منتجات مكررة، خصوصاً مادتي وقود الطائرات وكذلك الديزل الذي تستورد نحو مليون طن منه من الكويت. ولا تستطيع الدول النفطية أن تتفاعل مباشرة وفي سرعة وفي الوقت ذاته الذي تحصل فيه الأحداث اليومية ومستجداتها، لكنها تتابعها وتحاول قدر الإمكان، تهدئة الأسعار، وما عليها سوى ضخ كميات إضافية إلى الأسواق النفطية. وهذا ما يحدث فعلاً، لكن الشحنات تصل بعد أسابيع تكون الأزمة خلالها انتهت، لتحل محلها أزمة أخرى وفي مكان آخر. لذلك نرى أن سعر النفط الخام الأميركي، مثلاً، أقل من سعر نفط خام برنت بنحو 15 دولاراً للبرميل. السبب الرئيس لهذا الفارق الكبير هو ابتعاد الولاياتالمتحدة عن مناطق الأزمات وتوافر كميات كبيرة من المخزون التجاري فيها، بعكس ما يحدث في أوروبا التي تعتمد في شكل كبير على نفط الجزائر ونيجيريا وأنغولا وهي دول تكثر فيها الإضرابات العمالية والاضطرابات العرقية والسياسية ما يجعل أسعار النفط في أوروبا الأعلى حالياً في العالم. ومع ذلك، تحاول الدول النفطية الأخرى من داخل منظمة «أوبك»، تعويض الكميات إذا ما دعت الحاجة. وغالباً، تستطيع دول «أوبك» تهدئة الأسعار وتساعد في أستقرارها، لكن المنظمة لم تتمكن مثلاً، من وقف الارتفاعات الهائلة في أسعار النفط عندما وصلت عام 2007 إلى 147 دولاراً للبرميل، ذلك لعدم قدرتها على ضخ كميات أكبر لأنها لم تكن تملك في ذلك الوقت طاقات إنتاجية فائضة لمواجهة الطلب العالمي المتزايد. لذلك فإن معظم الدول النفطية تسارع إلى بناء منشآت لزيادة طاقاتها الإنتاجية، تحسباً لزيادات فورية في الطلب لعالمي، ولتجنب ما حدث عام 2007. تستطيع الدول النفطية إذاً تهدئة فورة أسعار النفط فقط عندما تملك طاقات إنتاجية فائضة عن حاجة الأسواق على الدوام، وعدا ذلك فإن المضاربات اليومية هي التي تتحكم بأسعار النفط واتجاهاتها. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - الكويت