مدير تعليم الطائف يناقش الانضباط و التحصيل و التميز    أمير القصيم يكرّم الفائزين والفائزات بجائزة "المعلم قدوة"    أمير المدينة المنورة يرعى حفل افتتاح ملتقى "وظيفتي بقيمي"    مستقبل مشاريع الحرف على طاولة أمير حائل    انطلاق ملتقي خريجي الجامعات السعودية بجمهورية نيجيريا    ارتفاع أسعار الذهب    اختلال خطير في توازن طاقة الأرض    زيارة ميغان لباريس تعيد شبح ديانا    الجدل يلاحق ليلى علوي    منتخب الدفاع المدني السعودي يواصل استعداداته لبطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ    الكاسيت يلفت الزوار    من جازان إلى الرياض جواز سفر عالمي للشعر    أعراض خفية تشير لأمراض خطيرة    الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    التزام خليجي - أوروبي ب«حلّ الدولتين»    أمير المدينة يستقبل مدير فرع الإفتاء    الرئيس السوداني المعزول ضمن المتهمين.. «الجنائية الدولية» تدين «كوشيب» بجرائم حرب في دارفور    «ثقة» تحصد مراكز متقدمة في مؤتمر عالمي    الخريجي يلتقي وزيري خارجية هولندا والمجر.. «الوزاري الخليجي» يبحث التنسيق المشترك مع الاتحاد الأوروبي    أمام وزير الخارجية.. القناصل المعينون حديثاً يؤدون القسم    القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى «يوم العبور»    طباخ ينقذ حياة زبون تخلف عن «الروتين»    «مسار كدانة» يجذب آلاف الزوار في مكة    حدثوا أبناءكم وذكروهم    بهدف تنظيم العلاقة التعاقدية وحفظ الحقوق.. اعتماد عقد العمل الموحد سنداً تنفيذياً في النزاعات العمالية    إيقاف معلمة يابانية شبهت طفلة بسمكة    53%من المرافق السياحية المرخصة للشقق    10.1% نموا في إنفاقات أمن المعلومات    تداول يواصل الارتفاع ويقفز 76 نقطة    وسط إصرار إسرائيل على استبعاد البرغوثي.. حماس تشدد على الإفراج عن «كبار الأسرى»    «وِرث» يبرز التراث السعودي عالمياً    «موهبة» تفتح التسجيل في مسابقة «بيبراس»    نمطية التفكير    خادم الحرمين يوجه بفتح «مسجد القبلتين» على مدار الساعة    خادم الحرمين الشريفين يوجّه بفتح مسجد القبلتين في المدينة المنورة على مدار (24) ساعة    كييف تتهم موسكو بتصعيد الهجمات.. روسيا ترفض الاتهامات الأوروبية بشأن المسيرات    طول المواعيد في المستشفيات الحكومية    نوم أقل.. وزن أكثر (2)    «الأخضر» يفتتح معسكر الأحساء    القيادة تهنئ رئيس مصر بذكرى يوم العبور لبلاده    ثلاثة صقور ب935 ألف ريال    ترمب: بحث التفاصيل النهائية لإنهاء الحرب    «إكرام الجود» توقّع اتفاقية تعاون مع «ملكية مكة والمشاعر»    مكاتب «مدينتي».. وجهة موحدة لخدمات أمانة الرياض    الآسيوي يقدم موقعة الصقور وأسود الرافدين    جازان تحتفي بالمعلم بشعار إعادة صياغة التدريس كمهنة تعاونية    ملتقي طبي يناقش أحدث التطورات في تشخيص وعلاج التهاب الأمعاء    أمانة الأحساء تطلق مبادرة «تطوعك يبني مستقبل»    الغذاء والدواء تضبط أكثر من 150 ألف دواء منتهي الصلاحية بالدمام    نائب أمير جازان يستقبل قائد المنطقة الجنوبية    المرجعية الدينية عودة إلى الأصل    متخصصون: توحيد خطبة الجمعة لتكون عن سلبيات المبالغة في رفع الإيجارات تفعيل مجتمعي لدور المنابر    موعد مباراة الأهلي والاتحاد في ديربي جدة    "محمية الإمام تركي" تنضم لليونسكو    "صحي مكة" يطلق العام الأكاديمي وبرنامج الدراسات العليا    نائب أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بتبوك    بهدف تطوير ورفع كفاءة منظومة العمل بالعاصمة.. إطلاق برنامج «تحول الرياض البلدي»    نماء الأهلية تحتفي باليوم الوطني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة المخيلة ما بين التحفيز والاشتباك
نشر في الحياة يوم 15 - 08 - 2017

إذا ما استعرت مجاز النبع والمصب الأثير لدى الشاعر والناقد محمد الحرز، فسأقول إن نبع الكتابة لديه ينفتح على مصبات ثلاثة هي الكتابة الإبداعية الشعرية متمثلة في عدة مجموعات شعرية، بدءًا من كتابه الأول «رجل يشبهني» الصادر عام 1999، وانتهاء بكتابين أصدرهما معاً عن دار مسعى عام 2015 هما: «قصيدة مضاءة بمجاز واحد» و«أحمل مسدسي وأتبع الليل»؛ وهناك المصب النقدي المتمثل أيضاً في عدد من الكتب التي كان أولها كتاب «شعرية الكتابة والجسد» الصادر عام 2005؛ وأخيراً المصب الفكري المتمثل حتى الآن في كتابين هما «ضد الطمأنينة» و«الهوية والذاكرة».
كتابه الجديد «ما لم تقله المخيلة وتستنطقه اللغة: سيرة التحفيز والاشتباك» الصادر عن دار فراديس في البحرين هذا العام، ينتمي إلى المصب أو المسار النقدي، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات المتفرقة حول موضوعات مختلفة: الشعر، الرواية، الدراسات الفكرية، الفن التشكيلي، التأمل، أدب السفر، الترجمة والتعليق الصحافي، والتأبين أيضاً. وقد يبدو لأول وهلة أن الخيط الناظم ما بين هذه المقالات غير موجود، وربما حامت تهمة العشوائية في انتقاء مقالات الكتاب في الأجواء، ما لم نتنبه إلى ما يشير إليه الكاتب في مقدمته القصيرة جداً حول الدور المحوري لما يسميه «المخيلة» في شد أواصر مقالات الكتاب الخمسة والعشرين.
السؤال هنا، إذاً، هو ما الذي يعنيه الكاتب بالمخيلة على وجه التحديد؟ المخيلة «التي يرد ذكرها كثيرًا في ثنايا الكتاب» كما يعرفها الحرز، هي «نسيان ما يتعلمه المرء، شريطة أن يتورط في معرفة العالم». وفي مكان آخر، يخبرنا الكاتب أن الدراسات التنظيرية والتطبيقية التي يحتوي عليها الكتاب «ترتكز على قناعة كاتبها تحت ما يسميه تحفيز المخيلة على الكتابة». الكتاب، إذاً، بانشغاله بالكتابة وكتابته عنها بمثابة المحفز على اقتراف المزيد منها، شريطة تحرير المخيلة من قيود الذاكرة، وحثها على الانخراط والاشتباك أكثر وبشكل أقوى مع مفردات الواقع المعاش.
في محاولة الإجابة عن سؤال «لماذا نقرأ الأدب؟»، وهو عنوان المقالة الأولى من الكتاب، يشير الكاتب إلى دور الأدب في تخليص الإنسان من العزلة من خلال الحوار مع الآخر، عبر قراءة وكتابة الروايات والشعر، أو الاستماع إلى الموسيقى وارتياد المسرح وزيارة المتاحف والمعارض ودور العرض السينمائي؛ فنحن لا نستطيع «أن نعرف ما يكفي من البشر إلا عبر الأدب»، والمقصود هنا بالطبع هو الأدب أو الفن بمفهومه الشامل الذي تنضوي تحته فنون عدة.
والحديث عن الأدب يستدعي بالضرورة الحديث عن الرواية التي تشغل مساحة كبيرة من صفحات الكتاب، سواء كان ذلك على شكل قراءات نقدية مفصلة لبعض الأعمال الروائية «روايتا الموت يمر من هنا وأقدار البلدة الطيبة لكل من عبده خال وعبدالله الوصال، على التوالي» أم ما ورد متضمناً في بعض الدراسات والمقالات ذات الموضوع الأشمل. فحين يتحدث الحرز مثلاً عن مقاومة الأدب الجيد والعميق لكل أشكال التسليع، فإنه يختار الرواية كمثال على ذلك، لأن عالم الرواية، بحسب تعبيره، هو «ما يصنع الذاكرة البشرية بناء على فاعلية المخيلة»، ويضيف أنه هو «ما يمدنا باللغة اللازمة في التعبير عن أدق مشاعرنا غوراً في الروح، مما يساعدنا على التواصل وفك العزلة».
وعلى رغم ما يوليه من اهتمام بالرواية، إلا أن نصيب الأسد كان للشعر «ولا غرابة في ذلك وهو الشاعر»، بما تضمنه الكتاب من دراسات وقراءات وتأملات نقدية تدور في فلك الشعر، سواء منها ما كان ذا طابع كلي يتناول مجمل التجربة الشعرية الحديثة التي تكتب الآن، في طورها الأحدث، أو ما كان يختص بتجارب فردية تمثلت في مجموعات شعرية أو حتى قراءة لنص شعري بعينه، كما يحدث في قراءته لقصيدة الشاعر جاسم الصحيح، عنترة في الأسر.
والجدير بالإشارة إليه هنا ما يلمح إليه الحرز في العلاقة التي يقيمها بين «منزع الحب»، كما يسميه، وبين الاشتغال النقدي على النصوص الإبداعية، إذ إن الحب بالنسبة له مصدر من مصادر التجربة الإنسانية الحياتية، والاشتغال النقدي مصدر من مصادر التجربة الثقافية والفكرية، وكلاهما يمثل عنده رافعة للولوج إلى ذات المنزل، بحسب تعبيره.
علاقة الحب هذه، إذاً، هي ما يدفع به لتناول تيارات واتجاهات وتجارب بعينها دون غيرها. ولعل من اللافت في هذا السياق ما يشير إليه الحرز، بل ما يقوله صراحة من ملله من القراءات النقدية في «رسالة إلى شاعر موهوب»، وهي إحدى مقالات الكتاب المهمة، التي يضع فيها عصارة تجربته الشعرية، ولعل أبرز ما يمكن الإشارة إليه هنا ما يذكره عن ضرورة امتلاء حواس الشاعر بالحياة بكل تفاصيلها، وأهمية ألا تتوقف التجربة الشعرية لدى الشاعر على اللغة في علاقتها بالذاكرة. أي أن يستمد الشاعر نصوصه من واقع تجربته الحياتية، وليس مما استقر في ذاكرته من نصوص لشعراء آخرين.
في الدراسة التمهيدية التي تحمل عنوان «أصوات شعرية تخيط ثوب حياتها بإبرة الشعر اللامعة»، يعلن الحرز منذ البدء تفاؤله حيال ما يكتب من شعر الآن من قبل من يسميهم «جيل اللحظة»، الذين على رغم أنهم لم يصلوا إلى شكل يستقرون عليه ويطمئنون إليه، إلا أنهم يقولون حياتهم بالكتابة. يشير الكاتب بشكل مجمل إلى أسماء شعراء وشاعرات كثر في دراسته تلك، ولكنه يختص ثلاثة منهم وهم عبدالله العثمان وهيفاء العيد وروان طلال بقراءات مستقلة.
يتضمن الكتاب كذلك مجموعة من المقالات ذات الطابع الثقافي العام، تناول فيها الكاتب مسائل مثل «الوسائط في الفن والأدب»، و«التلاعب الثقافي وفن إخضاع العقول»، و«النص المؤسس.. صدام المرجعيات»، و«النقد الثقافي وتحليل الثقافة»، و«حضور الثقافة وأشكال تلقيها»، وفي هذه المقالة التي حملت هذا العنوان، التي كان منطلقها ما يثار عادة من نقاشات وجدل حول معرض الرياض للكتاب، يؤكد الحرز ضرورة «التأسيس للحوار من خلال المناشط الثقافية»، ويعني بذلك الحاجة لأن تتمدد الحوارات والنقاشات التي تدور في القاعات والصالات التي تستضيف المناسبات الثقافية الكبرى إلى خارجها، حيث الفضاء المفتوح الذي تشترك فيه كل فئات المجتمع وأطيافه. وهو هنا كمن يؤكد ما دعا إليه في موضع آخر من الكتاب بقوله: «لا بد من القول، لا بد من الكلام، لا بد من المخيلة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.