في لحظة مفصلية من مسار الأزمة السورية، أعلن الاتحاد الأوروبي، أمس (الثلاثاء)، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقد، في خطوة رسمية تهدف إلى دعم عملية التعافي الاقتصادي والسياسي بعد مرحلة من التحولات الداخلية والإقليمية. يأتي هذا القرار تتويجًا لحراك دبلوماسي مكثف تقوده المملكة العربية السعودية، لإعادة إدماج سوريا في محيطها العربي والدولي. وبحسب بيان أوروبي رسمي، فإن القرار يشمل إنهاء تجميد أصول البنك المركزي السوري ورفع القيود التي فرضت على التعاملات المالية والمصرفية، ما يفتح الباب أمام عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي ويدعم جهود الإعمار والتنمية. كما يأتي القرار الأوروبي بعد إعلان واشنطن، الأسبوع الماضي، إنهاء العقوبات الأمريكية على سوريا، ما يشير إلى تنسيق واضح بين العواصم الغربية في هذا الاتجاه. وفي هذا السياق، لعبت السعودية دورًا محوريًا في الدفع نحو رفع العقوبات من خلال سلسلة من اللقاءات والوساطات الإقليمية، بالإضافة إلى دعمها المتواصل لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وإعادة تفعيل الحوار العربي – السوري. وقد أكدت الرياض في أكثر من مناسبة أن دعم الاستقرار في سوريا هو ركيزة أساسية في أمن المنطقة، وأن التعامل مع الواقع السياسي الجديد في دمشق يتطلب مقاربة شاملة تعيد الاعتبار للحل السياسي وتخفف من معاناة الشعب السوري. من جهته، اعتبر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأردني في دمشق، أن القرار الأوروبي "يعكس إرادة دولية وإقليمية حقيقية لدعم سوريا"، مشيرًا إلى أن "الأبواب مفتوحة اليوم أمام كل من يرغب في الاستثمار والتعاون مع سوريا، بعد زوال العقبات القانونية والمالية". ويُتوقع أن يُحدث القرار الأوروبي دفعة كبيرة للاقتصاد السوري المتعثر، خصوصًا في قطاعات البنى التحتية والطاقة والصناعة، التي تأثرت بشكل بالغ بالعقوبات الدولية على مدار سنوات النزاع. كما من شأنه أن يشجع رؤوس الأموال السورية المغتربة والمستثمرين العرب على العودة والمساهمة في جهود إعادة الإعمار. قرار رفع العقوبات، رغم ما يحمله من رسائل دعم لسوريا، يضع أيضًا تحديات على القيادة السورية الجديدة، التي يتوجب عليها إثبات التزامها بمسار سياسي يضمن الحقوق والحريات، ويحفظ التعددية، ويوفر مناخًا ديمقراطيًا جامعًا، تماشيًا مع التطلعات الدولية والعربية. وبينما تراقب العواصم الإقليمية والدولية عن كثب خطوات ما بعد القرار، تبرز المبادرة السعودية مجددًا كنموذج دبلوماسي فاعل يسعى لإعادة رسم خريطة الاستقرار في المنطقة، على أسس من التوازن والانفتاح، وتحقيق المصالح المشتركة بعيدًا عن سياسات العزل والعقوبات التي أثبتت محدودية فعاليتها.